الخمسة الكبار يضاعفون مكاسبهم إلى 3 مليارات يورو العام الماضي
بعد أيام من شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربًا على أوكرانيا، أعرب بنك “رايفايزن” النمساوي إنه يفكر في بيع أعماله في روسيا.
وبعد مرور 27 شهرًا، أصبح أداء وحدة المُقرض في البلاد جيدًا للغاية، فقد نما عدد موظفيه إلى نحو 10 آلاف، بزيادة قدرها 7% منذ 2022.
وبلغت أرباح البنك 1.8 مليار يورو (2 مليار دولار) العام الماضي، وهذا يزيد عن أي من الشركات التابعة الأخرى للبنك، وبزيادة بمقدار ثلاثة أضعاف منذ 2021.
ويعتبر “رايفايزن” واحدًا من 12 مقرضًا تعتبرهم روسيا “ذوي أهمية نظامية” لاقتصادها، كما أن له أهمية كبيرة بالنسبة للموارد المالية الخاصة بالكرملين، إذ دفع ما يعادل نصف مليار دولار ضرائب العام الماضي.
يعد “رايفايزن” أكبر بنك غربي في روسيا، لكنه ليس الوحيد.
وقد تضاعفت أرباح البنوك الأوروبية الخمسة الأكبر، التي لديها أكبر العمليات الروسية، ثلاث مرات لتصل إلى نحو 3 مليارات يورو في 2023.
والنجاح يجعل البنوك هدفًا.
وفي مايو، هددت أمريكا بتقييد وصول بنك “رايفايزن” إلى نظامها المالي بسبب تعاملات البنك مع روسيا.
وفي 10 يونيو، وفي محاولة لإرضاء النقاد، يخطط البنك لوقف التحويلات المقومة بالدولار إلى خارج البلاد.
ومن جانبها، بدأت روسيا في مصادرة أصول البنوك الغربية التي تعتبرها “غير صديقة”، كما أن أرباح المقرضين الغربيين في روسيا معرضة لخطر التحول إلى رماد، حسب ما أوضحته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
باعت بعض البنوك الأوروبية، مثل “سوسيتيه جنرال” الفرنسي، عملياتها الروسية في بداية الحرب.
ورغم أن البنوك المتبقية خفضت عدد موظفيها بنسبة 3% فقط، فإن محافظها الاستثمارية تقلصت قليلاً.
فقط “رايفايزن” هو الوحيد الذي يحتفظ بمخاطر تعرض كبيرة للبلاد، إذ ظلت 15% من أصوله في البلاد، مقارنة بنسبة 5% لصالح “يوني كريدت”، الذي احتل المرتبة الثانية.
لكنه قلص أيضاً محفظة قروضه، بنسبة 58% منذ بدء الحرب، وتوقف عن منح قروض جديدة (حتى لو كان يجدد بعض القروض الحالية).
ما الذي يفسر استمرار تحقيق الأرباح؟
تكمن إحدى الإجابات في الفارق بين أسعار الفائدة الضئيلة التي تدفعها البنوك للمودعين وتلك التي يدفعها البنك المركزي الروسي، إذ يبلغ المعدل الأخير 16%، أي قرابة الأربعة أضعاف ما كان عليه قبل ثلاثة أعوام.
وثمة إجابة أخرى هي إجابة تقنية.
ففي 2022، توقعت البنوك موجة من التخلف عن السداد في روسيا، ورصدت مخصصات ضخمة لخسائر القروض.
وعندما فشل تسونامي الديون المعدومة في الوصول، أطلقت هذه المخصصات، مما عزز الأرباح، كما يشير خليل سينتورك، من وكالة التصنيف “مورنينجستار دي بي آر إس”.
علاوة على ذلك، أزالت العقوبات معظم المنافسة الغربية، ونتيجة لهذا استفادت البنوك الأوروبية المتشددة، خاصة “رايفايزن”.
وبعد الحرب، ارتفعت الودائع لدى البنك النمساوي، رغم أنه أبقى أسعار الفائدة منخفضة للغاية، وذلك لأن المودعين الروس يفضلون إيداع بعض أموالهم لدى البنوك الغربية، فقط في حالة انهيار البنوك المحلية.
ولعب البنك أيضًا دورًا حاسمًا في مساعدة الشركات الأجنبية على نقل الأموال داخل وخارج روسيا، وهو ما يمثل نحو نصف جميع المدفوعات مع بقية العالم في فبراير من العام الماضي.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الأعمال مربحة على الورق فقط، إذ يصعب إعادة الأرباح إلى الوطن، لأن روسيا تفرض ضوابط صارمة على رأس المال تمنع البنوك من تحويل الأموال النقدية.
وفي الوقت نفسه، تجتذب الأرباح الكبيرة اهتمام الجهات التنظيمية الأمريكية والأوروبية.
وفي الشهر الماضي، تلقى العديد من المقرضين خطابًا من البنك المركزي الأوروبي يحثهم على خفض تعرضهم لروسيا، وصدرت أوامر إلى بنك “رايفايزن” بخفض محفظة قروضه الروسية بنسبة 65% أخرى بحلول 2026، وهو أسرع مما خطط له البنك.
وفي ديسمبر، أصدر البيت الأبيض أمراً تنفيذياً يعرض البنوك الأجنبية لعقوبات ثانوية إذا تبين أنها تسهل المعاملات المتعلقة بالمجمع الصناعي العسكري الروسي.
وفي مايو، حذرت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، البنوك الأوروبية من أن العمل في روسيا ينطوي على قدر هائل من المخاطر.
والمشكلة بالنسبة للبنوك الأوروبية في روسيا هي محدودية طرق الخروج، فمن الناحية المثالية، يمكنهم بيع الوحدات المحلية لشركات أجنبية أخرى، لكن القليل منهم مهتمون بالاستحواذ على مثل هذه الشركات ذات التعقيدات الجيوسياسية.
وهذا يترك البنوك الأوروبية أمام خيار أخير، وهو الاستمرار في تقليص محافظها الاستثمارية الروسية، لكن حتى هذا أبعد ما يكون عن الوضوح، ليس فقط بسبب التدقيق المتزايد من جانب الهيئات التنظيمية الغربية.
وفي مايو، أمرت محكمة روسية بمصادرة أصول بنكي “كومرتس بنك” و”دويتشه بنك” الألمانيان، بسبب مشاركتهما في مشروع للغاز ألغي بعد الحرب.
وفي دعوى قضائية موازية، صادرت المحكمة أيضًا أصولاً مملوكة لمؤسسة “يوني كريدت” الإيطالية، وكل هذا يعني أن هناك فرصة جيدة لأن ينتهي الأمر بشطب العديد من الوحدات الغربية في روسيا جزئياً على الأقل.
وتواجه البنوك الأوروبية تكلفة باهظة فيما يتعلق بسمعتها، ومن غير المرجح أن تكون العوائد مجزية بما يكفي.