مع دراسة الحكومة للتحول للدعم النقدى بدلاً من عينى، أوصى اقتصاديون بالبدء فى تنفيذ قاعدة بيانات شاملة للمواطنين لتحديد المستحقين الفعليين، بالإضافة لعلاج بعض الخلل فى الموازنة العامة للدولة؛ لإيجاد موارد تدعم التحول دون تحميلها أعباء جديدة.
ودعت الحكومة لبدء مناقشات جادة بشأن التحول إلى الدعم النقدى بدلاً من العينى من خلال آلية الحوار الوطنى، لوضع خطة واضحة للدولة والحكومة بكيفية التحول، إذ تستهدف الوصول إلى تصور، خلال العام الجارى، حتى يبدأ التطبيق الفعلى اعتباراً من موازنة عام 2025 – 2026.
«سعادة»: الدعم النقدى يتطلب قاعدة بيانات كبرى لتحديد المستحقين
«التحول للدعم النقدي يحتاج إعداد قاعدة بيانات كبرى لتوضيح إجمالى عدد المستحقين الحقيقيين؛ حتى يتسنى للحكومة وضع خطة تتناسب مع مستهدفات منظومة الدعم»، بحسب ما قالته سارة سعادة، كبير محللى الاقتصاد الكلى فى بنك الاستثمار سى آى كابيتال.
وأشارت إلى أن الحكومة لها تجربة قائمة بالفعل فى الدعم النقدى، وهى برنامجا «تكافل» و«كرامة»، لكن ستحتاج الفترة المقبلة لتطبيقها على نطاق أوسع وأشمل.
وبحسب بيانات صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعى، وصل عدد المستفيدين من البرنامجين نحو 5 ملايين أسرة بمتوسط 22 مليون شخص، يحصلون على معاش شهرى يتراوح بين 620 و740 جنيهاً.
ويثير تطبيق الدعم النقدى القلق من تقلص الدعم الموجه للمستحقين، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار؛ بسبب معدلات التضخم العالية.
“الوزراء”: 636 مليار جنيه فاتورة الدعم للسنة المالية المقبلة بارتفاع 20%
لكن «سعادة»، ترى أن الدعم النقدى أكثر مرونة من الدعم العينى، وهو أكثر كفاءة فى تحقيق أهدافه ووصوله للمستحقين، وسيُحقق وفراً فى الموازنة تستطيع الحكومة تحويله لتعزيز جودة القطاع الصحى.
ووصل الإنفاق الحكومى على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية إلى 371.1 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى أبريل للعام المالى 2023 – 2024، تمثل نحو 15.1% من إجمالى المصروفات الحكومية التى بلغت نحو 2.45 تريليون جنيه.
وأوضحت «سعادة»، أن التحول سيُراعى تآكل قيمة النقود؛ نتيجة التضخم من خلال تطبيق زيادة سنوية، تتم وفقاً لمعادلات سعرية دورية، أسوة بالمعادلات المتبعة فى التسعير التلقائى للمواد البترولية.
وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، إنَّ قيمة الدعم لن تظل ثابتة، لكنها ستُحدد وفقاً لمعادلات سعرية مرتبطة بالتضخم تُمكن الدولة من زيادة مبلغ هذا الدعم.
«جنينة»: توجيه فاتورة أجور البطالة المقنعة فى الوظائف الحكومية للدعم النقدى أكثر فاعلية
وقال هانى جنينة، رئيس قسم البحوث لدى كايرو كابيتال، إنه نظرياً من الأفضل تطبيق الدعم النقدى بدلاً من الدعم العينى، وهو الأنسب للاقتصاد؛ لأنه يضمن تسعير كل منتج بقيمة واحدة فى السوق، وتتيح للمواطن اختيار السلع الأساسية بالنسبة لاحتياجاته، وبناءً عليه يتم الترشيد المستهدف من قِبل المُستحق نفسه.
وأضاف «جنينة»، أن التطبيق يجب أن يراعى عدة معايير؛ حتى يحقق مستهدفات الدعم، كما يجب مُراعاة منح قيمة مُجزية تتناسب مع تلبية الاحتياجات القصوى للمستحق مثل السلع الغذائية الأساسية، بما يتناسب مع مستوى التضخم الحالى.
وأشار إلى أنه يُمكن تحقيق وفر من بند الأجور والمرتبات لصالح الدعم النقدى، خاصة أن رئيس الوزراء له تصريحات بأن الحكومة لا تحتاج أكثر من ثلث قوتها العاملة، لذلك إيجاد حلول لتخفيض العمالة حتى لا تُهدر عشرات المليارات لعدد كبير من الوظائف لا تحتاجها الحكومة فعلياً.
وتطرق إلى أن بعض المستحقين لا يملكون فرصة عمل مناسبة، وهم بحاجة للدعم أكثر من موظف حكومى لديه وظيفة أخرى أو مصدر دخل إضافى أو لديه القدرة على إيجاد فرصة عمل أخرى لدى القطاع الخاص، خاصة إذا كانت الدولة تتحمل راتبه فى وظيفة لا تحتاجها.
وتابع: «يجب توفير تكلفة العمالة الزائدة وتحويلها لمستحقى الدعم النقدى تحت خط الفقر».
وتمثل فاتورة الأجور نحو 3.4% من الناتج المحلى فى موازنة العام المالى المقبل، وهى أقل قليلاً من فاتورة الدعم البالغ 3.7%.
«أبوباشا»: تأثير الدعم النقدى على التضخم قصير المدى
وقال محمد أبوباشا، كبير الاقتصاديين فى قطاع البحوث فى شركة «إى إف جى القابضة»، إنَّ الدعم النقدى يمنح المستفيدين مرونة فى استخدام الدعم وفقاً لاحتياجاتهم، مُستبعداً التأثير القوى له على التضخم فى المديين المتوسط والطويل، رغم أنه سيرتفع مؤقتاً فى البداية نتيجة تحرير أسعار السلع المُدعمة، وزيادة المعروض النقدى.
وأشار إلى أن المراجعات الدورية للدعم بما يتماشى مع مستوى التضخم ستحمى قيمة الدعم النقدى من التآكل.
وذكر أن من التجارب الدولية الناجحة فى التحول للدعم النقدى، النموذح البرازيلى وهو ملهم، والذى يمنح الدعم النقدى شهرياً باشتراطات معينة، مثل التركيز على التعليم والصحة، كما هو الحال فى برنامج تكافل وكرامة، ويُنصح بالتوسع فى هذا الاتجاه، خاصة أن الإنفاق على برنامج تكافل وكرامة أقل كثيراً من الإنفاق على الدعم العينى.
وقالت عالية المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، إنَّ الدعم العينى تأثيره التضخمى محدود عكس الدعم النقدى، ولكن الخطوة الأساسية لضبط منظومة الدعم وترشيدها، تكمن فى استهداف المستحقين الحقيقيين، إذ يُمثل الاستهداف الدقيق 60% من نجاح المنظومة.
وأضافت أن التحول للدعم النقدى ينعكس سلباً على التضخم.
«حمدى»: تحرير أسعار السلع المدعمة يجذب الاستثمار الأجنبى
وقال هشام حمدى، نائب رئيس قسم البحوث فى شركة النعيم القابضة، إنَّ ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ضاعف فاتورة الدعم خلال العامين الماضيين؛ نظراً إلى ارتباط الأسعار المحلية بالأسعار العالمية، ما ترتب عليه تحريك بعض أسعار المنتجات المدعمة، عكس الدعم النقدى الذى يُخضع السلع لآلية العرض والطلب، ولذلك يعتبر أكثر كفاءة.
وأشار إلى أن تطبيق الدعم النقدى قد يؤدى إلى زيادة التضخم؛ بسبب نمو القوة الشرائية وتحرير الأسعار.
وتطرق إلى أن التحول للدعم النقدى وتحرير أسعار السلع المدعمة حالياً، سيسهمان فى جذب الاستثمار الأجنبى المباشر.
«الشواربى»: الدعم النقدى يسهم فى خفض عجز الموازنة
تحول الحكومة نحو الدعم النقدى بدلاً من السلعى يسهم فى خفض عجز الموازنة، إضافةً إلى أنه يعمل على تفادى التقلبات الحادة فى الأسعار خارجياً، بحسب شيرين الشواربى، أستاذ الاقتصاد، عضو مجلس إدارة معهد التخطيط القومى.
وقالت «الشواربى» لـ«البورصة»، إنَّ تحديد مستهدفات أى برنامج جديد للدعم ضرورة قبل الشروع فى تنفيذها.
وأوضحت أن برامج الحماية المجتمعية تختلف فى مستهدفاتها، على سبيل المثال منها ما يستهدف تحسين مستويات المعيشة، وتعزيز الأمن الغذائى، وسهولة الوصول لخدمات وسلع معينة، لذلك تعتبر منظومة الحماية المجتمعية منظومة متكاملة من البرامج المتعددة.
وأشارت إلى أن الحكومة عليها تحديد من يجب أن يكفله برنامج الدعم النقدى الجديد، هل هم الفقراء أم شبه الفقراء أم من الممكن أن يشمل فئات من الطبقة المتوسطة.
ونوهت بأن برنامج «تكافل وكرامة» يستهدف تحسين مستويات المعيشة لمن هم تحت خط الفقر، وبالرغم من أن العدد الحالى للمستفيدين من البرنامج تخطى 22 مليون مواطن، فإنه لم يتعد 60% من عدد الفقراء فى مصر.
ولفتت إلى أنه من الصعب تحديد رقم معين لقيمة الدعم النقدى، ولكن من الممكن ربط الدعم بخط الفقر، بحيث تغطى الحكومة جزءاً من القيمة، ولتكن 60% من قيمة خط الفقر، مشيرةً إلى أن الربط له دلالة كبيرة فى السيطرة على الضغوطات التصخمية على الطبقات الأكثر احتياجاً؛ لأن ارتفاع الأسعار يتناسب مع قيمة خط الفقر دوماً، لذلك هناك مرونة دائمة فى تلك الآلية لمواجهة الضغوط التضخمية، وآثارها السلبية على الطبقات الأكثر احتياجاً.
مدحت نافع: التحول للدعم النقدى بدون طرح آليات الاستفادة ليس فى مصلحة الاقتصاد
ولكنها أشارت إلى أن الكثير من الدول لا تلجأ لتلك الآلية؛ بسبب محدودية الموازنة العامة لديها، مؤكدة أن قيمة الدعم النقدى يجب ألا تزيد على الحد الأدنى للمعاشات.
وذكرت «الشواربى»، أن من مساوئ الدعم النقدى ارتفاع الضغوط التضخمية؛ حيث إنَّ النقدية فى أيادى الفقراء غير موجهة للإنتاج، وبالتالى ترفع نسب الطلب الكلى على السلع والخدمات.
وقالت إن برنامج تكافل وكرامة لا يؤثر حالياً على التضخم أو عجز الميزان التجارى؛ بسبب توجيه الأفراد قيمة الدعم نحو تأمين احتياجاتهم الأساسية فقط.
ولفتت إلى أنه يجب الإعداد الجيد للآلية التى سوف يتم تطبيقها لبرنامج الدعم النقدى؛ حتى لا تؤدى إلى ضم فئات لا تستحق الدعم، أو استبعاد الأكثر احتياجاً.
وأشارت إلى أنه يمكن الاستعانة بآليات تطبيق برنامج تكافل وكرامة، من حيث استخدام قواعد البيانات لديها، إضافة إلى عمل تطبيقات إكتوارية تعزز حصر تلك الفئات التى سوف يشملها الدعم.