لا يمكن للاقتصادات أن توزع ثرواتها لتصل إلى الرخاء
جددت عودة الحكومة الائتلافية في الهند بعد فترتين متتاليتين، حدة النقاش السياسي حول ما إذا كانت البلاد بحاجة إلى تنفيذ سياسات إعادة توزيع أكثر عدوانية، وهو ما أبدى الناخبون تفضيلهم له عبر صناديق الاقتراع.
ومع ذلك، ربما يكون أحد المحركات الرئيسية لقصة النمو الهندي، والتي تتوقع “مورجان ستانلي” أن تكون صحية جدًا بمعدل 6.5% العام المقبل، هو التحسن في الاستثمار الخاص، فاستمرارية السياسات التي تركز على تعزيز الاستثمار في البنية التحتية وتشجيع الاستثمارات الخاصة من خلال الحوافز الضريبية هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك.
وذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية أن هناك مجموعة من العوامل توضح أن صناع السياسات سيبقون على المسار الحالي.
أولاً، الميل نحو سياسات إعادة التوزيع لا يؤدي بالضرورة إلى إعادة الانتخاب.
على عكس التفكير التقليدي، فإن إبقاء عجز الإيرادات واسعًا قبل الانتخابات العامة لا يرتبط عادةً ببقاء الحكومة الحالية في السلطة.
وكان هذا هو الحال بالفعل في انتخابات 2004 و2014، وبدلاً من ذلك، كانت النتائج الانتخابية مواتية للحكومات الحالية عندما يكون نمو الاقتصاد الكلي معتدلاً إلى مرتفع مع تسجيله معدل تضخم معتدلا.
ثانيًا، نعتقد أن النمو يظل أولوية سياسية قصوى، والإشارات الواردة تشير إلى أن صناع السياسات سيستمرون في العمل على تعزيز الاستثمار الخاص.
وبالفعل، استمر رئيس الوزراء ناريندرا مودي في التأكيد على أجندة “الهند المتقدمة” حتى بعد الانتخابات.
علاوة على ذلك، رفع صناع السياسات أسعار شراء الحكومة للمحاصيل الزراعية الأساسية بما يتماشى مع الاتجاهات السابقة، ما يشير إلى عدم وجود تغيير في نهجهم.
كما أظهرت الاتجاهات في الدخل الحقيقي أن إعادة التوزيع لم تكن مفيدة كثيرًا في الحد من الفقر.
توضح قاعدة بيانات عدم المساواة العالمية أنه في الفترة من 1999 إلى 2003 ومن 2009 إلى 2013، نما الدخل الحقيقي للخُمس الأدنى في الهند بنفس المقدار بنسبة 1.3% فقط على أساس معدل النمو السنوي المركب.
وخلال الفترة من 2004 إلى 2008 ومن 2014 إلى 2018، نما بنسبة 3.4% و5% على التوالي.
وهذا يعني أن سياسات إعادة التوزيع وتنفيذها الضعيف لن يسهم بشكل كبير في رفع النمو وتحسين فرص العمل للفقراء على المدى الطويل.
كما أن لها تأثيرًا غير مرغوب فيه، بزيادة التضخم، الذي يثقل كاهل الفئات ذات الدخل المنخفض بشكل غير متناسب.
وبعبارة أخرى، بينما قد تساعد سياسات إعادة التوزيع العدوانية الفقراء في البداية، فإنها تخلق أيضًا مخاطر التضخم والاستقرار الاقتصادي الكلي التي تضر بهم في النهاية.
وببساطة، لا يمكن للاقتصادات أن توزع ثرواتها لتصل إلى الرخاء.
ويتمثل النهج المختبر لتحقيق نمو الاقتصاد ورفع دخل الفرد وتخفيف الفقر بشكل مستدام فى التركيز على الإصلاحات الهيكلية لتعزيز الاستثمار العام والخاص، وهذا النهج نجح في اقتصادات أخرى حول العالم وفي السياق التاريخي للهند نفسها.
ويمكن أن تؤدي الإصلاحات الهيكلية التي تعزز الاستثمار إلى تسريع الإنتاجية، وخلق فرص العمل وزيادة الدخل، ما يقلل الفقر بشكل فعال على المدى المتوسط.
وبينما قد يجادل النقاد بأن صناع السياسات اتبعوا هذا النهج في الأعوام الأخيرة مع نجاح محدود، من المهم أن نلاحظ أن الاقتصاد واجه صدمات خارجية كبيرة في شكل جائحة كوفيد والخلفية التضخمية العالمية اللاحقة، وهذا يعني أن نهج النمو القائم على الاستثمار عانى انتكاسة مطولة.
هناك الآن سبب للاعتقاد بأن دورة نمو قوية جارية، فقد كانت وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الهند قوية، إذ بلغ متوسطها 8.2% على مدار الأرباع الأربعة الماضية.
كما رفع بنك الاحتياطي الهندي توقعاته للنمو من 7% إلى 7.2% للعام المالي 2025.
تعد الدورة الحالية مختلفة تمامًا عن العقد الذي سبق كوفيد من حيث أن الدولة تشهد نموًا مدفوعًا بالاستثمار، كما أن النمو يتوسع أيضًا من الإنفاق العام إلى النفقات الرأسمالية الخاصة ومن الاستهلاك الحضري إلى الريفي.
ويشير الاتجاه القوي المستمر في نمو الاستثمار إلى أن تحسين نمو الإنتاجية واستمرار السياسات تحت الحكومة الجديدة سيبقي هذا الاتجاه قائمًا.
حجة أخرى هي أن هذا النموذج التنموي يعزز عدم المساواة في الدخل.
وستظل هناك حاجة إلى بعض إعادة التوزيع، لكن لا يمكن أن تصل السياسات التوزيعية إلى الحد الذي يؤثر على الاستقرار الاقتصادي الكلي، كما حدث بين 2009 و2013، عندما بلغ متوسط التضخم حوالي 10%.
وإذا أدت هذه البرامج إلى تشويه حوافز سوق العمل والديناميكية الإنتاجية، فسيخلق ذلك تحديات حقيقية للاستقرار الاقتصادي الكلي.
مع وضع هذا في الاعتبار، يُتوقع أن يواصل صناع السياسات الإصلاحات الهيكلية.
ولخلق فرص عمل كافية لاستيعاب القوة العاملة التي تنمو بسرعة، ستحتاج السياسات إلى خلق بيئة نمو أعلى تتراوح بين 8% و10% مع تضخم منخفض.
ولتحقيق ذلك، يتطلب التركيز بشكل أكثر حدة على الإصلاحات الهيكلية.








