أكدت دراسة حديثة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، المعروف باسم “بريكست”، له تأثير “عميق ومستمر” على التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالصادرات والواردات البريطانية لا تزال متأثرة بالحواجز البيروقراطية التي نتجت عن مغادرة السوق الموحدة.
وأظهرت النماذج الاقتصادية التي أعدها باحثون من جامعة أستون، أن الصادرات السنوية البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي تراجعت بنسبة 17%، فيما انخفضت الواردات بنسبة 23% مقارنة بما كان متوقعًا لو لم يحدث بريكست، مع تزايد الآثار السلبية خلال عام 2023.
وأشار مؤلفو الدراسة، إلى أن “النتائج تُظهر تراجعًا حادًا في التبادل التجاري بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يعكس التحديات المستمرة التي يفرضها بريكست على القدرة التنافسية التجارية للمملكة المتحدة”.
ومن المتوقع أن تزيد هذه النتائج من الدعوات الموجهة للحكومة البريطانية لتكون أكثر طموحًا في تحسين العلاقات التجارية مع بروكسل، وفقًا لما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
قاد البحث البروفيسور جون دو، أستاذ الاقتصاد في جامعة أستون، الذي يعمل منذ فترة طويلة على دراسة آثار بريكست منذ تطبيق اتفاقية التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في يناير 2021.
ورغم أن حزب العمال البريطاني استبعد العودة إلى السوق الموحدة أو إنشاء اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنه وعد في بيانه الانتخابي بالعمل على إزالة الحواجز التجارية مع أوروبا من خلال سلسلة من التحسينات.
تشمل هذه التحسينات اتفاقًا بيطريًا لتقليل الفحوصات الحدودية على المنتجات الغذائية والنباتية، واتفاقيات لتحسين دخول الموسيقيين المتنقلين إلى الأسواق الأوروبية، بالإضافة إلى خطوات تسهيل عمل المهنيين البريطانيين مثل المهندسين المعماريين والمحامين في دول الاتحاد الأوروبي.
الدراسة تناولت تأثيرات “بريكست” على قطاعات متعددة، بما في ذلك الزراعة والخشب والمنسوجات والأحذية، وأظهرت أن الشركات الكبرى في قطاعات مثل السيارات والفضاء كانت أكثر قدرة على التكيف مع تأثيرات بريكست مقارنة بغيرها.
وأضافت الدراسة: “تشير النتائج إلى أن اتفاقية التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تعيق التجارة بين الجانبين بشكل مستمر وعميق”.
كما كشف التحليل عن سلسلة إمدادات تجارية متأثرة بشدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد الاتفاقية.
وأكدت الدراسة أن نتائجها تتماشى مع تحليل اقتصادي سابق لمؤسسة “ريزيليوشن فاونديشن”، التي حذرت من أن اتفاق بريكست أدى إلى إبعاد المملكة المتحدة عن الأنشطة الصناعية الأكثر إنتاجية والتي كانت تعتمد بشكل كبير على التكامل مع سلاسل التوريد في الاتحاد الأوروبي.
وقالت صوفي هيل، كبيرة الاقتصاديين في المؤسسة: “ما زالت الآثار الاقتصادية لبريكست مستمرة، ومن الواضح أن ثمة حاجة ملحة لتحرك حزب العمال سريعًا لتصحيح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحماية المصالح الاقتصادية للمملكة المتحدة”.
وأضافت: “في كلتا الحالتين، من الواضح أن هناك حاجة ملحة لحزب العمال للتحرك بسرعة في استراتيجية إعادة ضبط العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لمنع المزيد من التدهور وحماية المصالح الاقتصادية للمملكة المتحدة”.
واستخدم الباحثون نماذج اقتصادية مبتكرة لإنشاء “بريطانيا اصطناعية” لمقارنة أداء الصادرات والواردات مع المملكة المتحدة الحقيقية التي تأثرت بتغييرات العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
وأشار جون سبرينجفورد، الخبير الاقتصادي في مركز إصلاح أوروبا، إلى أن نتائج بحث جامعة أستون تتفق مع البيانات العامة حول التجارة البريطانية، التي تظهر أن الصادرات والواردات البريطانية نمت ببطء أكثر مقارنة بنظيراتها في دول الاتحاد الأوروبي وبقية العالم.
وأوضح أن “القلق الرئيسي في نتائج البحث هو التدهور المستمر في أداء بريطانيا في التجارة خلال عام 2023، مقارنة بالاقتصادات المماثلة”.
من جانبه، أكد البروفيسور جون دو أن على الحكومة البريطانية التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية لتحسين التجارة مع الاتحاد الأوروبي، وهي: المفاوضات القطاعية في مجالات مثل الأغذية الزراعية والمنسوجات، وتعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية لتسهيل المعاملات الحدودية، وتحقيق توافق تنظيمي أكبر مع الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، تدعو المجموعات المؤيدة للاتحاد الأوروبي، مثل الحركة الأوروبية، وهي مجموعة ضغط تسعى إلى تعزيز العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، الحكومة إلى اتخاذ خطوات أكثر طموحًا لتعميق العلاقات التجارية مع بروكسل، بما في ذلك السعي لإعادة الانضمام إلى السوق الموحدة.
وفي ردها على التقرير، قالت وزارة شؤون مجلس الوزراء إن الحكومة ستواصل التركيز على “النظر إلى الأمام، وليس إلى الوراء” في التعامل مع التحديات التي خلقها بريكست، لكنها أكدت التزامها بالخطوط الحمراء المحددة في البيان الانتخابي.
وأضافت الوزارة: “سنستمر في تحسين علاقاتنا التجارية والاستثمارية مع الاتحاد الأوروبي وإزالة الحواجز التجارية غير الضرورية، مع الاعتراف بأنه لن يكون هناك عودة إلى السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي أو حرية الحركة”.