عندما حان الوقت، تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، والتي كان قد أعلن عنها قبل أيام.
ومع ذلك، حتى لو لم تصل أجندة ترمب المتعلقة بزيادة الرسوم الجمركية إلى مداها الكامل، يتعين على الشركات متعددة الجنسيات التأقلم مع عالم شديد التقلب وعدم اليقين.
بدأ المسؤولون التنفيذيون في قطاع السيارات بأمريكا الشمالية مؤخراً الاستعداد لصدمة في سلاسل التوريد قد تكون أكثر اضطراباً من جائحة كورونا، رغم أن تأجيل الرسوم الجمركية على الدول المجاورة للولايات المتحدة منحهم مهلة 30 يوماً.
في المقابل، ألغت شركة “دياجيو” أهداف مبيعاتها، مشيرة إلى نقص الوضوح في السوق الأمريكي، وهو أكبر أسواقها.
أما شركة “ماتيل”، المصنعة لدمى “باربي”، فقد حذرت من احتمال رفع الأسعار في الولايات المتحدة لتعويض أي تأثير للرسوم الجمركية على قواعد تصنيعها العالمية، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
سجلت مؤشرات عدم اليقين الاقتصادي مستويات قياسية جديدة، متجاوزة تلك التي شهدتها الولاية الأولى لترامب.
أما إدارته الثانية، فتظهر استعداداً أكبر لاستخدام الأوامر التنفيذية لتهديد بفرض الرسوم، حتى ضد الحلفاء.
ورغم التأجيل الذي شهدته الأسبوع الماضي، فإن من غير الحكمة أن تفترض الشركات التي تعتمد سلاسل توريدها على أكبر سوق استهلاكي في العالم أن الرئيس الأمريكي ينظر إلى العقوبات التجارية باعتبارها مجرد أداة تفاوضية.
فقد دخلت بالفعل رسوم إضافية بنسبة 10% على الصين حيز التنفيذ، بينما تعمل الدول المستهدفة على تطوير تدابير انتقامية.
لا يمكن للشركات أن تبقى مكتوفة الأيدي، فمحللو “وول ستريت” يطالبون الشركات الأمريكية بتوضيح استراتيجياتها لتخفيف مخاطر الحرب التجارية.
ونظراً لاحتمال حدوث اضطرابات واسعة، فإن وضع خرائط المخاطر وخطط الطوارئ يُعد خطوة أولى منطقية.
في بعض الحالات، تعبر المدخلات الحدود بين أمريكا والمكسيك وكندا عدة مرات قبل أن تصل إلى بائعي التجزئة، مما يزيد تعقيد تأثير الرسوم الجمركية عبر خطوط الإنتاج.
كما ستضيف الحملات المكثفة من أجل استثناءات جمركية مزيداً من التعقيد.
وحتى الشركات غير المتأثرة مباشرة بالرسوم ستشعر بالضغط، إذ يقوض عدم اليقين جهود ترامب المتزامنة لإثارة روح الاستثمار والمخاطرة في السوق.
كيف يمكن للشركات مواجهة هذه الأزمة؟
قد يتيح تأجيل الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا لبعض الشركات الأمريكية فرصة لبناء احتياطات من المواد.
في الواقع، يعود جزء من الارتفاع في الصادرات الصينية العام الماضي إلى تخزين البضائع مسبقاً تحسباً لاضطرابات الرسوم الجمركية.
وقد تلجأ بعض الشركات إلى إعادة تصميم منتجاتها وتعديل مكوناتها لتفادي الرسوم، رغم أن ذلك يمثل نهجاً عالي المخاطر، خاصة مع ترويج فريق ترامب لفكرة فرض رسوم شاملة.
أما الشركات التي تتوقع ارتفاع الأسعار لحماية هوامش أرباحها، فقد تجد فرصة للاستحواذ على حصة سوقية عبر تقديم أسعار تنافسية تقل عن منافسيها.
وعلى المدى الطويل، ستحتاج الشركات إلى إعادة تقييم عمليات التوريد والإنتاج والتوزيع على نطاق أوسع.
فمنذ الجائحة، تسارعت خطوات تنويع سلاسل التوريد، لا سيما تقليل الاعتماد على الصين.
لكن حتى هذه الاستراتيجيات التي تهدف إلى تقليل المخاطر أو “توطيد الإنتاج بين الحلفاء” باتت معرضة للخطر، إذ أدركت الإدارة الأمريكية أن بعض الشركات تتبع استراتيجية “الصين زائد واحد”، عبر نقل جزء من إنتاجها إلى دول مثل المكسيك وفيتنام ثم تصديره إلى الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن استكشاف طرق جديدة للتوريد ومراكز لوجستية بديلة، إلى جانب البحث عن أسواق جديدة، يمكن أن يوفر مرونة تشغيلية رغم تكلفته العالية، كما أنه يشكل تحوطاً ضد تصاعد التوترات الجيوسياسية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن البحث عن أسواق ناشئة وسريعة النمو قد يفتح آفاقاً جديدة ومربحة.
وتبقى هناك دائماً إمكانية نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يكون الهدف النهائي وراء سياسات ترامب الجمركية.
وهذه الخطوة قد تكون منطقية بالنسبة للمصنعين الذين يعملون في مجالات تنافسية عالية أو متخصصة، مثل صناعة أشباه الموصلات.
لكن هذا الخيار يأتي بتكاليف مرتفعة، سواء في بناء المصانع أو دفع أجور العمال، الذين أصبحوا أكثر ندرة بسبب تشديد سياسات الهجرة.
يعتمد نهج ترامب المتقلب واعتماده على الرسوم الجمركية على إثارة التقلبات في الأسواق.
لكن، كما أثبتت الأزمات السابقة، من الجائحة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، فإن سلاسل التوريد العالمية أظهرت مرونة غير متوقعة.
وفي هذا العصر الجديد من عدم اليقين، ستكون الشركات الرابحة هي تلك القادرة على التكيف السريع واتخاذ قرارات استراتيجية مرنة.