تُعيد روسيا محاولاتها لتوسيع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بعد أن أعاقت العقوبات الأمريكية جهودها العام الماضي.
رست سفينة غاز طبيعي مسال في منشأة التصدير التابعة لمشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” (Arctic LNG 2) لأول مرة منذ أكتوبر، وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها “بلومبرج” وصور الأقمار الاصطناعية.
كان من المفترض أن تكون هذه المنشأة منصة رئيسية لتحقيق هدف موسكو المتمثل في زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، لكنها ظلت معطلة لأشهر بعد أن تعثرت روسيا في العثور على مشترين مستعدين لمخالفة العقوبات الغربية.
تمتلك روسيا كل المقومات اللازمة لتعزيز صادراتها بشكل ملموس من الغاز الطبيعي المسال على خلفية توسيع أسطولها الخفي.
منذ حربها على أوكرانيا عام 2022، تراجعت صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، ويوفر شحن المزيد من الوقود عبر ناقلات الغاز الطبيعي المسال البحرية مصدر دخل مهم لملء خزائن موسكو.
أسطول الظل
تم حشد ما لا يقل عن 13 سفينة، بما في ذلك تلك القادرة على الإبحار في المياه الجليدية، لخدمة مشروع “القطب الشمالي للغاز المسال 2″، مع تغيير بعض شركات الإدارة عدة مرات للمساعدة في إخفاء هوية المالكين الفعليين.
وفقاً لبيانات تتبع السفن التي جمعتها “بلومبرج”، تشمل هذه السفن ما يلي:
4 سفن قادرة على الإبحار في المياه المتجمدة حول مشروع “القطب الشمالي للغاز المسال 2”. ثلاث منها راسية حالياً في بحر بارنتس، بينما ترسو ناقلة أخرى حالياً بالمشروع.
3 سفن تقليدية أخرى لنقل الغاز الطبيعي المسال في بحر بارنتس.
تخضع سفينتان للإصلاح في الصين، فيما يبدو أن سفينة أخرى في الطريق.
سفينة واحدة بالقرب من مخزن عائم في أقصى شرق روسيا.
سفينتان راسيتان في خليج فنلندا. هاتان السفينتان كانتا تخدمان منشأة روسية أخرى تُدعى “بورتوفايا”، والتي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في يناير.
أكبر عدد من السفن
قال مالتي همبرت، مؤسس معهد القطب الشمالي وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “روسيا لديها بالفعل عدد أكبر من السفن المتاحة مقارنةً بصيف وخريف عام 2024. وإذا تمكنت من إيجاد مشترين، فسيكون هذا الأسطول الصغير كافياً لنقل الشحنات”.
تم تصدير ثماني شحنات من منشأة “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” بين أغسطس وأكتوبر 2024، لكنها لم ترسُ على شواطئ أجنبية. وبدلاً عن ذلك، تم تفريغ الغاز في وحدتي تخزين روسيتين في بحر بارنتس ومنطقة الشرق الأقصى. توقف الإنتاج بأحجام كبيرة في أكتوبر، بعد أن تراكم الجليد حول المنشأة، مما جعل النقل بالسفن التقليدية مهمةً صعبة.
أفادت وكالة “إنترفاكس” يوم الأربعاء، نقلاً عن إيغور تونكوفيدوف، الرئيس التنفيذي لشركة “سوفكومفلوت”، بأن أول ناقلة غاز طبيعي مسال روسية محلية الصنع من فئة السفن التي تعمل في الجليد، قد تدخل الخدمة في النصف الثاني من هذا العام، إذا اجتازت ما تبقى لها من التجارب البحرية.
محاولات الوصول إلى مشترين
تراقب السوق عن كثب ما إذا كان مشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” سيلاقي طلباً من مشترين. ومن شأن تصدير المزيد من الغاز أن يصب في صالح المستهلكين، إذ سيضغط على أسعار الغاز العالمية.
حرصت إدارة جو بايدن على فرض عقوبات على السفن والشركات المرتبطة بتصدير الوقود من مشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” العام الماضي.
وليس من الواضح ما إذا كانت إدارة ترمب ستنتهج نفس الصرامة، أو ما إذا كانت الحكومة ستفرض قيوداً على الموانئ التي تقبل هذه الشحنات. وقد أدى تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات إلى إبعاد المشترين العام الماضي.
ولم يتوقف المسؤولون المشاركون بمشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” عن محاولة بيع الوقود، حيث سافروا إلى مشترين محتملين في الهند والصين خلال العام الماضي، وفقاً لتجار مطلعين على الأمر. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانوا قد تمكنوا من تأمين أي مبيعات.
وقال جان إريك فانريش، كبير المحللين في شركة “ريستاد إنرجي”، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “لا تزال أكبر عقبة هي العثور على مشترين، إضافة إلى طاقة الشحن”. وتابع: “هم سيواصلون البحث عن مشترين في آسيا وستقدم شركة ’نوفاتيك’ خصومات على الأسعار”.
لم تستجب شركة “نوفاتيك بي جي إس سي” (Novatek PJSC)، المساهم الأكبر والمشغّل لمشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2″، لطلبات التعليق عبر البريد الإلكتروني.
ناقلة النفط “إيريس”، الراسية حالياً في مشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2″، هي سفينة من طراز “آرك 4″، بهيكل مُعزز يسمح لها بسلوك طريق أقصر عبر الإبحار في المحيط القطبي الشمالي باتجاه آسيا عندما تسمح الظروف الجوية بذلك خلال الصيف. ومن المرجح أن تقوم السفينة برحلتها، إذ تُعتبر آسيا موطناً للمشترين الذين هم على استعداد للالتفاف حول القيود الغربية.
ضيق سعة الخزانات
قال همبرت من معهد القطب الشمالي: “تبدو الصين المشتري الأكثر احتمالاً، ولكن مع مواصلة انخفاض الطلب الصيني خلال الأشهر الثمانية الماضية، لن تكون هذه المهمة سهلة”.
وأضاف: “بقاء أكثر من مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال الذي تم تحميله العام الماضي من دون بيع، وفي مخازن عائمة، لا يُبشّر بنجاح محاولات جديدة لتسويق كميات إضافية هذا الصيف”.
قد يكون من الضروري أيضاً تحميل السفن في مشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” لتخفيف امتلاء خزانات الغاز. وتشير صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة في 25 يونيو إلى أن قطاري إنتاج في المنشأة كانا يحرقان الغاز، ما يُشير إلى أنهما قد يكونان قيد التشغيل أو يُبرّدان المعدات.
وبدون صادرات ثابتة ستمتلئ مخازن المنشأة بسرعة، وكان ضيق المساحة أحد أسباب توقف الإنتاج بكميات كبيرة بمشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” في أكتوبر الماضي.
وفي غضون ذلك، يترقب التجار ليروا ما إذا كان المسؤولون الأميركيون أو الأوروبيون سيُشددون القيود على المنشأة بعد استئناف الصادرات.
قال جيفري بيات، الباحث البارز في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي ومساعد وزير الخارجية الأميركي السابق الذي ساهم في صياغة العقوبات ضد مشروع “القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2” خلال إدارة بايدن: “حان الوقت لزيادة الضغوط” على عائدات الطاقة الروسية.
وأضاف: “أعرب القادة الأوروبيون عن عزمهم مجدداً على التوقف نهائياً عن شراء الغاز الروسي، ما يزيد من أهمية أن تواصل الولايات المتحدة ضغوطها على (نوفاتيك)”.
