سجلت قيم محفظة خطوط الائتمان الخضراء المدارة من مكتب “دي إف إيه” للاستشارات التنموية، بالتعاون مع عدد من البنوك المحلية، أكثر من مليار يورو خلال 5 سنوات، بحسب محمد عبدالحميد الشريك المؤسس للمكتب، وضمت قائمة الممولين مؤسسات دولية رائدة منها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية.
كشف عبدالحميد في حوار لـ”البورصة”، عن طموح “DFA” للوصول إلى حجم أصول مُدارة يتراوح بين 50 ـ 100 مليون دولار بنهاية 2025، من خلال ترتيبات استثمارية مع شركاء من القطاع الخاص في المنطقة.
وتعمل الذراع الاستثمارية الشقيقة في دبي “دي إف إيه كابيتال” على تدشين صندوقين استثماريين من نوع “الملكية الخاصة” بإجمالي استثمارات يصل إلى 150 مليون دولار، بالتحالف مع مستثمرين خليجيين وبنوك دولية، في إطار دعم توجهات التحول الأخضر والاقتصاد المستدام في مصر.
قال عبدالحميد، إن الأداء الفعلي للصندوق الأول، بقيمة 50 مليون دولار، ومن المتوقع أن يبدأ بعد الإغلاق المالي المقرر الربع الأول 2026، مشيرًا إلى أن الاستراتيجية تعتمد على “الاستثمار القائم على الأثر” لتحقيق توازن بين العائد المالي والمردود البيئي والاجتماعي.
أضاف أن الأصول المُدارة حاليًا لا تعكس الحجم المستهدف، وهو ما يدفع المكتب لتأسيس صناديق جديدة، إذ يُعتبر الصندوقان الجاري الإعداد لهما مع المستثمرين الخليجيين نواة قوية للتوسع في السوقين المصري والإقليمي.
وأشار عبدالحميد، إلى أن النشاط الاستشاري للمكتب، لعب على مدى الأعوام الماضية، دورًا محوريًا في بناء شبكة واسعة من الشراكات الاستراتيجية مع القطاع المصرفي المحلي والمؤسسات التنموية الدولية، وهو ما مهّد الطريق أمام الكيان الشقيق في دبي “دي إف إيه كابيتال”، لتحقيق نمو متسارع في مجال إدارة الأصول المستدامة، وبناء قاعدة قوية لإطلاق صناديق استثمارية متخصصة في مجالات التغير المناخي والاستدامة خلال الفترة المقبلة.
ووفقًا لعبدالحميد، تركز “دي إف إيه كابيتال” على إدارة الأصول الخاصة، مع تركيز أكبر على الفرص الاستثمارية المرتبطة بالتمويل المستدام، والمشاريع الخضراء، والبنية التحتية منخفضة الكربون.
كما تعمل على توسعة نطاق عملها ليشمل الأدوات المالية البديلة وصناديق الاستثمار ذات الأثر (Impact Investing)، إلى جانب تصميم وإدارة الهياكل التمويلية المشتركة مع المؤسسات المالية الدولية.
تنفيذ 20 مهمة استشارية باستثمارات 150 مليون دولار العام الماضي
أضاف أن “دي إف إيه” قدم خدمات استشارية مالية متكاملة لأكثر من 20 مشروعًا خلال العام الماضي، بإجمالي استثمارات تتجاوز 150 مليون دولار.
وشملت هذه الخدمات ترتيبات التمويل المعقدة، وإجراء تحليلات الجدوى الفنية والمالية المتعمقة، وتقديم الاستشارات الاستراتيجية المرتبطة بعمليات الدمج والاستحواذ، وخاصة تلك التي تراعي معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG).
وشارك المكتب خلال عام 2024 في ترتيب وتقديم المشورة لـ 12 مشروعًا أخضر في مصر، بإجمالي استثمارات تقارب 80 مليون دولار، وتركزت هذه المشاريع بشكل أساسي في مجالات الطاقة النظيفة والتصنيع منخفض الانبعاثات، مما يعكس التوجه القوي للسوق نحو القطاعات الخضراء.
أكد عبدالحميد، أن التمويل الأخضر لم يعد ظاهرة عالمية، بل أصبح يشكل أحد الركائز الأساسية لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، خاصة في ظل التزامات مصر الدولية الطموحة تجاه قضايا المناخ، كما تجسدت في استضافة قمة COP27 وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 2050.
وحول أبرز المعوقات التى تحول دون انتشار حلول التمويل المستدام في السوق المصرى، قال عبدالحميد، إن ضعف الوعي المؤسسي وضعف المعرفة الفنية اللازمين لتحويل مفاهيم الاستدامة المجردة إلى استراتيجيات عملية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع تأتى فى مقدمة التحديات، بالإضافة إلى نقص حاد في الكوادر الفنية المؤهلة القادرة على إعداد دراسات الجدوى وملفات التمويل التي تتوافق مع متطلبات مؤسسات التمويل الدولية، خاصة فيما يتعلق بدمج مؤشرات انبعاثات الكربون وتقارير ” إي إس جي”.
كما أن العقبات الهيكلية تمتد أيضاً لتشمل ضعف آليات العمل داخل الشركات، إذ يُعيق غياب التنسيق بين الإدارات المختلفة مثل البيئة والمالية والإنتاج وضع استراتيجية موحدة للتمويل المستدام.
البيئة التشريعية المحلية لاتزال تفتقر إلى الحوافز الحكومية الكافية
أشار عبدالحميد، إلى أن البيئة التشريعية المحلية لاتزال تفتقر إلى الحوافز الحكومية الكافية، مثل المزايا الضريبية أو التمويل التفضيلي.
كما أن العديد من الشركات ترى في الاستثمار في الاستدامة تكلفة إضافية يصعب تبريرها بسبب غياب بيانات محلية دقيقة تُظهر العائد المالي طويل المدى، إلى جانب ضعف البنية التحتية للقياس والإفصاح الذي يعيق قدرتها على توثيق الأداء وتقديم تقارير متوافقة مع المعايير الدولية مثل معايير الإبلاغ المالي الدولية.
وعن أداء البورصة المصرية، أشار عبدالحميد إلى أنها تمر بمرحلة من التقلبات المرتبطة بشكل أساسي بالظروف الاقتصادية الكلية العامة، غير أنها ماتزال توفر فرصًا استثمارية واعدة، خاصة في القطاعات المرتبطة بمسار التحول الأخضر مثل الطاقة المتجددة والصناعة منخفضة الانبعاثات.
ولفت إلى أن تقييمات بعض الشركات لا تعكس قيمتها الحقيقية بدقة بسبب عوامل مثل ضعف السيولة ونقص تنوع الأدوات المالية المتاحة.
أضاف أن دعم الشركات لتعزيز ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG)، وتطبيق معايير الإفصاح الدولية، هو المفتاح السحري لجذب المستثمرين المؤسسين، وخاصة أولئك المهتمين بالاستثمار المستدام، الذين يمتلكون رؤى استثمارية طويلة الأجل.
وبحسب عبدالحميد يتبنى “دي إف إيه” استراتيجية واضحة تستهدف التوسع في قطاعات استراتيجية تعتبر ركائز للاقتصاد المستقبلي، تشمل الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والطاقة الشمسية، والتكنولوجيا البيئية، ومعالجة المياه، والاقتصاد الدائري، بالإضافة إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات الطابع المستدام.
وشدد على أن تنوع الأدوات المالية في السوق المصري لايزال محدودًا، خاصة فيما يتعلق بأدوات التمويل المستدام والمناخي، مؤكدا على الحاجة الملحة لتفعيل وتطوير أدوات جديدة مثل السندات الخضراء، والقروض المرتبطة بتحقيق أهداف استدامة محددة، وصناديق تمويل المناخ المتخصصة، وذلك بما يتماشى مع تطلعات واحتياجات المستثمرين المؤسسين العالميين، الذين يولون أهمية متزايدة للبعد البيئي والاجتماعي في قراراتهم الاستثمارية.
وأشار إلى أن مصر شهدت تطورًا ملحوظًا وإيجابيًا في الإطار التنظيمي الداعم للتمويل المستدام خلال السنوات الأخيرة، وظهر ذلك بشكل أساسي في إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، والتي مثلت خريطة طريق واضحة لدمج العمل المناخي في صميم سياسات التنمية والتمويل المختلفة. كما أن مساهمات الدولة المحددة وطنيًا (NDCs) عكست التزامًا واضحًا بتسريع التحول نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات، مع تحديد أهداف كمية طموحة في قطاعات رئيسية مثل الطاقة والنقل والصناعة والزراعة.
طالب عبدالحميد بتسريع وتيرة تنفيذ الأطر التنفيذية لهذه الاستراتيجيات الطموحة، وتوسيع نطاق وآليات مشاركة القطاع الخاص، وتحفيز تطوير أدوات التمويل الخضراء في السوق المحلي، من خلال حزمة من الحوافز الضريبية والتنظيمية الجريئة التي تشجع على إصدار السندات والقروض المرتبطة بالاستدامة.
أضاف أن الاستدامة، ليست مجرد التزام بيئي أو اجتماعي، بل تمثل فرصة استثمارية استراتيجية كبيرة، يمكن من خلالها دفع عجلة النمو الاقتصادي، من خلال الدمج الذكي لمبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في صلب قرارات الاستثمار، وتقديم حلول تمويلية مبتكرة قادرة على مواجهة أكبر التحديات التي تواجه الكوكب، وعلى رأسها تحديات التغير المناخي.








