بينما أحدث الذكاء الاصطناعي بعض الاضطراب في سوق العمل، يرى الخبراء أن التراجع الأخير في فرص التوظيف يرتبط بشكل أكبر بحالة عدم اليقين الاقتصادي.
قال كوري ستاهل، كبير الاقتصاديين في موقع البحث عن الوظائف “إنديد”: “حين ننظر إلى سوق العمل بشكل أوسع، نرى أن تأثير الذكاء الاصطناعي ما زال محدوداً إلى حد كبير. الملاحظة المهمة هي أن ذلك لا يعني أنه صفر”.
وتوافقت معه ماندي وودروف-سانتوس، المدربة المهنية، قائلة: “لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي هو السبب، أعتقد أن حالة عدم اليقين الاقتصادي هي السبب”.
لم يكن سوق العمل جيداً في الأشهر الأخيرة، سواء للباحثين عن وظائف أو حتى للعاملين حالياً، بحسب ما نقلته شبكة “سي إن بي سي” الإخبارية.
فقد أضاف الاقتصاد الأمريكي نحو 22 ألف وظيفة فقط خلال أغسطس، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، بحسب تقرير مكتب إحصاءات العمل الصادر الجمعة.
وكان الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع “داو جونز” يتوقعون ارتفاع الوظائف بمقدار 75 ألفاً.
ومن بين الموظفين الحاليين، أظهر تقرير لشركة الاستشارات التنظيمية “كورن فيري” في أغسطس أن البعض يتمسكون بوظائفهم بقوة فيما يسمى “التمسك بالوظيفة”.
في المقابل، يعاني آخرون مما يسمى “الانهيار الصامت”، وهو شعور دائم بالتعاسة في مكان العمل يؤدي إلى الانفصال، وضعف الأداء، وزيادة الرغبة في الاستقالة، وفقاً لمنصة التعلم السحابي “تالنت إل إم إس”.
يقول الخبراء إن تصاعد انعدام اليقين الاقتصادي منع الموظفين من ترك وظائفهم، ودفع الشركات إلى التباطؤ في قرارات التوظيف.
وقالت وودروف-سانتوس: “لا توجد أي شركة تعلم ما الذي ستفعله إدارة ترامب المقبلة بالاقتصاد. وفي مثل هذا المناخ الاقتصادي، لا تكون الشركات متأكدة من أي شيء، ولذلك فهي حذرة جداً في أسلوب التوظيف”.
كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على القوى العاملة؟
رغم أن بعض الشركات أعلنت عن تسريح موظفين بهدف إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أن معظم التأثير كان محصوراً في قطاع التكنولوجيا، بحسب ستاهل من “إنديد”.
ومؤخراً، قال الرئيس التنفيذي لشركة “سيلزفورس” مارك بينيوف إن الشركة سرحت نحو 4 آلاف وظيفة في خدمة العملاء بسبب التوسع في استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي.
كما أظهرت دراسات أخرى أن الذكاء الاصطناعي أثر بشكل أكبر على الموظفين الأصغر سناً مقارنةً بأصحاب الخبرة.
فقد كشف تقرير صادر في أغسطس عن أساتذة بجامعة ستانفورد أن الموظفين في بداية مسيرتهم المهنية (أعمار 22 إلى 25 عاماً) في الوظائف الأكثر عرضة للذكاء الاصطناعي شهدوا تراجعاً في التوظيف بنسبة 13%.
في المقابل، ظل التوظيف مستقراً أو في نمو في المجالات الأقل تعرضاً أو بين الموظفين ذوي الخبرة.
وخلصت الدراسة أيضاً إلى أن الانخفاض في التوظيف يتركز في المهن التي يكون فيها الذكاء الاصطناعي أكثر ميلاً إلى الأتمتة الكاملة بدلاً من دعم العمل البشري.
ومع ذلك، أوضح ستاهل أن قطاع التكنولوجيا ليس قطاعاً ضخماً في حد ذاته.
عمليات التسريح المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
وبحسب تحليل أجرته جمعية “كومبتيا” غير الربحية في مارس 2025، شكل “صافي التوظيف التكنولوجي” نحو 5.8% فقط من إجمالي القوى العاملة.
ويمثل هذا المفهوم جميع العاملين في القطاع، بما فيها الوظائف التقنية مثل الأمن السيبراني، والمهنيين العاملين في شركات التكنولوجيا، وكذلك العاملين بدوام كامل أو العاملين لحسابهم الخاص في المجال التكنولوجي.
ولكي تُعتبر عمليات التسريح المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تهديداً واسع النطاق لسوق العمل، يجب أن يبدأ التأثير في قطاعات أخرى مثل البيع بالتجزئة والتسويق، بحسب ستاهل.
تتوقع بعض الدراسات أن يكون أرباب العمل أكثر ميلاً لإعادة تدريب الموظفين بدلاً من تسريحهم، وفقاً لتقرير جديد من معهد “بروكينجز”.
وكتب معدو التقرير: “قد يكون الذكاء الاصطناعي أكثر ميلاً لتعزيز العمل البشري بدلاً من استبداله بالكامل”.
وأكد ستاهل: “نرى طلباً متزايداً على مهارات الذكاء الاصطناعي”.
ويقول الخبراء إنه من الذكاء أن يتعلم الموظفون كيف يستخدم مجالهم أو صاحب عملهم الذكاء الاصطناعي.
وقالت وودروف-سانتوس: “سيكون من الغباء ألا تجري أبحاثاً في مجالك لفهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة في صناعتك؟”.
وأضافت أنه يمكن البحث عن برامج تدريبية أو ندوات عبر الإنترنت يمكن المشاركة فيها، أو حتى تجارب مجانية لأدوات الذكاء الاصطناعي يمكن الاستفادة منها.








