ناقش المركز المصري للدراسات الاقتصادية رؤيته لأداء أسواق المال خلال الربع الثالث من العام الجارى وتوقعاته للفترة المقبلة.
وقال المتحدثون خلال الندوة التى عقدت بعنوان “نظرة على الأسواق المالية” إن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة يمثلان محورًا رئيسيًا لتعزيز الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة.
وشدد المشاركون على أن الإصلاحات الحكومية الأخيرة تمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى تسريع وتيرة التنفيذ لمواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة عالميًا.
سيجورا: خفض الفائدة لن يضر بتدفقات رؤوس الأموال.. والمحافظ المالية ليست حلًا دائمًا
وقال أليكس سيجورا أوبيرجو، الممثل المقيم الأول لصندوق النقد الدولي في مصر، إن التطورات الجيوسياسية المتسارعة تجعل إدارة السياسة الاقتصادية أكثر تعقيدًا، ما يستدعي التركيز على الإصلاحات الهيكلية التي تعزز الإنتاجية وتدعم النمو المستدام.
وأكد أن مسار خفض التضخم في مصر يسير في الاتجاه الصحيح، مشيدًا بالإجراءات الحكومية الأخيرة، ومنها تقليص فترة الإفراج الجمركي من 14 يومًا إلى نحو نصف المدة مع خطط لخفضها لاحقًا إلى يومين، وهو ما يسهم في تحسين بيئة الأعمال.
وأشار إلى أن خطة الدولة لطرح بعض الأصول ستسهم في زيادة التدفقات المالية وخفض الدين العام، مضيفًا أن نجاح وثيقة سياسة ملكية الدولة في توسيع دور القطاع الخاص سيخلق فرصًا واعدة للاستثمار.
وأوضح سيجورا أن معالجة التشوهات الناتجة عن منح مزايا خاصة لبعض الهيئات الحكومية سيعزز قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية، مؤكدًا أن الموقع الجغرافي للبلاد يمثل ميزة تنافسية مهمة.
ورداً على سؤال “البورصة”، أوضح أن مصر أحرزت تقدمًا في ملفات عدة أبرزها استقرار الاقتصاد الكلي وتطوير الإجراءات الجمركية، غير أن تنفيذ سياسة ملكية الدولة وجذب الاستثمارات يتطلبان تسريع وتيرة الإصلاح.
وشدد على أهمية توجيه الاستثمارات العامة نحو مشروعات ذات عائد مرتفع مثل البنية التحتية والتعليم والصحة، مع الالتزام بسقف إنفاق استثماري لا يتجاوز تريليون جنيه لضمان الاستقرار المالي.
كما أكد أن صندوق النقد الدولي يولي البعد الاجتماعي أهمية كبيرة، ويعمل مع الحكومة على تعزيز برامج الحماية الاجتماعية، داعيًا إلى إعادة هيكلة دعم الطاقة تدريجيًا لتقليل تكلفته وتوجيه الوفر لدعم الفئات الأكثر احتياجًا.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، أشاد سيجورا بأداء البنك المركزي في السيطرة على التضخم، مشيرًا إلى أن استمرار تراجعه سيفتح المجال لخفض تدريجي لأسعار الفائدة.
وأوضح أن خفض الفائدة لن يضر بتدفقات رؤوس الأموال، إذ إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تعتمد بشكل أساسي على الفائدة، فيما تظل تدفقات المحافظ المالية أكثر تقلبًا ولا يجب الاعتماد عليها كمصدر رئيسي للتمويل.
وأكد أن المرحلة المقبلة تتطلب تكامل الإصلاحات المالية والهيكلية مع الحفاظ على الاستقرار النقدي بما يضمن بيئة أكثر جذبًا للاستثمار وتوليد فرص عمل ونمو شامل ومستدام.
مهنا: الاستثمار الأجنبي المباشر ركيزة أساسية للنمو وتحسين بيئة الأعمال هو الفيصل
من جانبه، شدد عمر مهنا، رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، على أن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يمثل ركيزة أساسية لدعم النمو، وأن تحسين بيئة الاستثمار هو العامل الأكثر تأثيرًا في قرار الشركات العالمية بتوجيه رؤوس أموالها إلى مصر.
وأضاف أن وجود فجوة بين قدرات القطاع الخاص والامتيازات الممنوحة لبعض الجهات الحكومية يضعف من قدرة الشركات الخاصة على المنافسة، داعيًا إلى تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي وإتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص.
وفي قطاع السياحة، أشار مهنا إلى أن ارتفاع عدد السائحين إلى 15.7 مليون يظل متواضعًا مقارنة بدول إقليمية، رغم ما تمتلكه مصر من مقومات متميزة، ما يستدعي تطوير البنية السياحية وتعزيز الترويج الخارجي.
وأشاد بالإصلاحات الجارية في تبسيط الإجراءات الجمركية وتحسين شفافية النظام الضريبي وإزالة معوقات الاستثمار، معتبرًا أنها خطوات تعزز ثقة المستثمرين وتدعم جهود استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية.
وأكد أن المرحلة المقبلة تتطلب تسريع تنفيذ السياسات الداعمة للقطاع الخاص وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص لتحقيق نمو مستدام.
عبد اللطيف: الاستفادة من كفاءات المصريين بالخارج ضرورة لتعزيز التدفقات الأجنبية
وفي السياق ذاته، قالت عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، إن التحولات التكنولوجية العالمية مثل الذكاء الاصطناعي أصبحت ذات تأثير مباشر على الأسواق ولا يمكن فصلها عن السياسات الاقتصادية، مؤكدة ضرورة الاستفادة من موارد مصر البشرية في الخارج ليس فقط كمصدر للتحويلات بل أيضًا كطاقة خبرات ومهارات.
وأوضحت أن المركز يعمل على رصد التطورات القطاعية عبر تقرير “البزنس بارومتر” ربع السنوي لرصد نبض القطاعات الاقتصادية والتحديات التي تواجهها، مشيرة إلى أهمية تطوير المؤشر بإضافة مؤشرات نوعية جديدة.
وأكدت وجود فرص ضائعة في بعض القطاعات مثل السينما والسياحة، حيث نجحت دول إقليمية في استغلالها بينما تواجه مصر تحديات تعيق استثمار إمكاناتها.
سبع: تنويع الخدمات المالية وزيادة الطروحات لاستعادة ثقة المستثمر الأجنبي وتنشيط التداول
وعلى جانب آخر، أفاد علاء الدين سبع، رئيس مجلس إدارة شركة بساطة القابضة للمدفوعات الرقمية، أن السوق المصرية أمام فرصة ذهبية لاستعادة جاذبيتها شرط البناء على التحسن الأخير وتفادي التراجع.
وأوضح أن تراجع عقود مبادلة مخاطر الائتمان من 6 و7% إلى أقل من 4% يعكس تغيرًا جوهريًا في النظرة للاقتصاد، مشيرًا إلى أن السوق بدأت بالفعل مرحلة تعافٍ تدريجي.
وأشار إلى أن 85% من تداولات البورصة تأتي من المستثمرين المحليين، فيما تراجعت مشاركة الأجانب، ما يتطلب زيادة عدد الشركات المقيدة وتحفيز الطروحات الجديدة.
وأوضح أن التداول اليومي لا يتجاوز 50 إلى 60 مليون دولار مقارنة بنحو 100 مليون قبل 10 إلى 15 عامًا، رغم كبر حجم الاقتصاد حاليًا، وأن تقييمات الأسهم المصرية منخفضة مقارنة بالأسواق المجاورة، ما يتيح فرصًا حقيقية لعوائد مرتفعة حال استقطاب استثمارات جديدة.
في سياق متصل، قال شريف سامي، رئيس هيئة الرقابة المالية الأسبق، إن الاقتصاد بحاجة إلى الانتقال من السياسات الكلية العامة إلى رؤى قطاعية واضحة تستهدف صناعات بعينها مثل السيارات والبتروكيماويات والزراعة والخدمات اللوجستية، مع وضع خطط تفصيلية للنمو وتعزيز التنافسية.
وأوضح أن غياب هذه الرؤية يمثل تحديًا للمستثمرين، لافتًا إلى أن تجربة الأسمنت تعكس نجاح السياسات الموجهة نحو التصدير.
وأضاف أن جذب أموال المصريين بالخارج لا يجب أن يقتصر على التحويلات التقليدية، بل يتطلب تقديم منتجات مالية أكثر تطورًا وإزالة العقبات البيروقراطية.
الشنيطي: فجوة 5% بين السعر الرسمي والدولار الموازي خلال الشهرين الماضيين
فيما أوضح عمر الشنيطي، الشريك التنفيذي لشركة زيلا كابيتال، أن الأشهر الأخيرة شهدت تحولًا في تكلفة التمويل وحركة النقد الأجنبي، حيث أدى تراجع التضخم إلى انخفاض تكلفة الاقتراض وتراجع تكلفة تأمين الديون السيادية.
وأشار إلى أن قرار المركزي بخفض أسعار الفائدة جاء مدفوعًا بتحسن التدفقات النقدية وزيادة تحويلات المصريين بالخارج، ما وفر مساحة أكبر للسياسة النقدية.
واعتبر أن ارتفاع صافي الأصول الأجنبية وتحسن الاحتياطي النقدي يعكس استقرارًا نسبيًا في ميزان المدفوعات، لافتًا إلى أن الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي تُقدر بنحو 5%، ما يمثل مؤشرًا غير صحي يستوجب العمل على تقليصه.
من جانبه، قال محمد فؤاد، رئيس مركز العدل لدراسة السياسات العامة، إن الأسواق الناشئة لم تعد تتحرك في اتجاه واحد بسبب اختلاف السياسات النقدية، موضحًا أن مصر تعد من أبرز المستفيدين من هذه التحولات حيث تجاوزت تعاملات السوق الثانوي 10 مليارات دولار، وبلغت حيازات الأجانب في أدوات الدين المحلية أكثر من 42%.
وأكد أن الفترة الحالية تمثل مرحلة انتقالية عالميًا من سياسات التشديد النقدي إلى نهج أكثر مرونة، ما يمنح الاقتصادات الصاعدة فرصًا لتعزيز قدرتها على جذب الاستثمارات وتنشيط الأسواق.
وفي سياق التحولات القطاعية، حذر فؤاد من افتراض استمرار النمو التاريخي لقطاع التكنولوجيا العالمي بالوتيرة نفسها خلال السنوات المقبلة، موضحًا أن الأسواق قد تشهد إعادة تموضع للاستثمارات بين القطاعات التقليدية والناشئة وفقًا لمعادلات المخاطر والعائد وتغير السياسات النقدية عالميًا.
وأضاف أن مصر تُعد من أبرز المستفيدين من هذه التحولات، خاصة في السوق الثانوي الذي تجاوزت تعاملاته 10 مليارات دولار، مشيرًا إلى أن حيازات المستثمرين الأجانب في أدوات الدين المحلية تخطت 42%، ما يعكس عودة الثقة التدريجية في الاقتصاد المصري وقدرته على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية.








