على مدار الأشهر التسعة الماضية خفضت إدارة «ترامب» النفقات وأبعدت موظفين
توقفت تمويلات الحكومة الأمريكية، بعد فشل الحزب الجمهورى بزعامة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى التوصل إلى اتفاق مع خصومه الديمقراطيين بشأن المضى قدماً فى مشروع قانون الإنفاق.
وهذا يعنى أن بعض الخدمات الحكومية الأمريكية، وليس كلها، ستتوقف مؤقتاً.
ورغم أن المواجهات بشأن الميزانية أمر شائع فى السياسة الأمريكية، فإن هذه المعركة بالذات أكثر توتراً، إذ إن ترامب قضى الأشهر التسعة الماضية فى تقليص حجم الحكومة الوطنية بشكل حاد.
تعود أسباب الإغلاق الحكومى إلى عجز الحزبين عن التوصل إلى اتفاق لإقرار مشروع قانون يمول الخدمات الحكومية خلال أكتوبر وما بعده، حسب ما أوضحته شبكة «بى بى سي» الإخبارية البريطانية.
ورغم أن الجمهوريين يسيطرون على غرفتى الكونجرس، فإنهم فى مجلس الشيوخ يفتقرون إلى 60 صوتاً لتمرير مشروع القانون.
وهذا يمنح الديمقراطيين نفوذاً، إذ يرفضون دعم مشروع قانون جمهورى معتبرين أنه سيجعل من الصعب على الأمريكيين تحمّل تكاليف الرعاية الصحية، وجعلوا هذه المواجهة مرتبطة أساساً بأهدافهم فى مجال الرعاية الصحية.
استمرار خدمات حماية الحدود والرعاية الطبية وتطبيق القانون ومراقبة الحركة الجوية
يطالب الديمقراطيون بتمديد الاعتمادات الضريبية التى تجعل التأمين الصحى أرخص لملايين الأمريكيين، وهى على وشك الانتهاء، وبالتراجع عن تخفيضات برنامج «ميديكيد» التى أجراها ترامب.
كما أنهم يعارضون تقليص الإنفاق على «مراكز السيطرة على الأمراض» والمعاهد الوطنية للصحة، وكان مجلس النواب قد أقر مشروع قانون مؤقت، لكنه لم يمرر بعد فى مجلس الشيوخ.
بدأ الإغلاق رسمياً عند الساعة 00:01 صباح الأربعاء بتوقيت الساحل الشرقى (04:01 بتوقيت جرينتش)، ليكون الأول منذ نحو سبع سنوات.
المرة الأخيرة كانت فى نهاية عام 2018 خلال الفترة الأولى لترامب.
فقد بذل الجانبان جهوداً أخيرة لتفادى التكرار، إذ اجتمع ترامب يوم الاثنين مع قادة الكونجرس الأربعة، وهم أبرز الديمقراطيين والجمهوريين فى المجلسين، لكن لم يتحقق تقدم يُذكر، وبدا أن كلا الطرفين متمسكان بمواقفه أكثر فأكثر.
من جانب الجمهوريين، رفض مسئولو إدارة ترامب حتى الآن تقديم تنازلات جوهرية، ويبدو أنهم يعتقدون أن الديمقراطيين، بصفتهم الطرف الذى يطرح المطالب مقابل إبقاء الحكومة مفتوحة، سيتحملون اللوم الشعبي، كما حدث فى بعض الإغلاقات السابقة.
أما الديمقراطيون فيرون أن دفاعهم عن دعم التأمين الصحى يحظى بشعبية، كما أن قادتهم فى الكونجرس تعرضوا لانتقادات من ناشطين يساريين بسبب تراجعهم فى مواجهة الميزانية السابقة فى مارس، ما يدفعهم إلى خوض معركة أكبر هذه المرة، وإغلاق الحكومة يمثل ساحة ضغط مهمة.
ما المختلف فى رد فعل البيت الأبيض هذه المرة؟
ما يميز المواجهة الحالية هو موقف فريق ترامب، إذ فى السابق كانت الإغلاقات الطويلة تُعتبر خطراً سياسياً يضر بحياة المواطنين اليومية وصورة الرئيس والنواب، لكن هذه المرة يبدو أن الإدارة سعيدة بإغلاق أجزاء كبيرة من الحكومة لفترة طويلة، بل إن بعض المسئولين هددوا باستخدام الإغلاق لتحديد الموظفين «غير الأساسيين» والاستغناء عنهم بشكل نهائي.
وقال ترامب يوم الثلاثاء: «سنقوم بالاستغناء عن عدد كبير من الموظفين». وعادةً ما كانت الحكومة تعود إلى طبيعتها بعد الإغلاقات السابقة، حيث تستعيد مستويات الإنفاق والعمالة.
لكن على مدار الأشهر التسعة الماضية خفضت إدارة ترامب النفقات وأبعدت موظفين، فى اختبار لحدود السلطة الرئاسية، والإغلاق الحالى قد يتيح للإدارة تسريع خفضها الضخم.
لن تتوقف كل أجهزة الحكومة، فحماية الحدود، والرعاية الطبية داخل المستشفيات، وتطبيق القانون، ومراقبة الحركة الجوية يُتوقع أن تستمر خلال فترة الإغلاق.
وستُرسل شيكات الضمان الاجتماعى والرعاية الطبية، لكن قد تتوقف خدمات التحقق من الاستحقاق وإصدار البطاقات.
بوجه عام، يواصل الموظفون الأساسيون أعمالهم ـ بعضهم من دون أجر مؤقتاً ـ فيما يُمنح الموظفون غير الأساسيين إجازة مؤقتة غير مدفوعة.
وفى السابق، كان هؤلاء يتلقون رواتبهم بأثر رجعى بعد انتهاء الإغلاق.
وهذا يعنى أن برامج مثل المساعدات الغذائية، ورياض الأطفال الممولة اتحادياً، وإصدار القروض الطلابية، وفحوصات الأغذية، وتشغيل الحدائق الوطنية قد تُقلّص أو تُغلق.
كما قد تحدث تأخيرات فى السفر إذا طال الإغلاق وتوقف الموظفون غير مدفوعى الأجر، عن الحضور.
بشكل عام، يتوقع محللون أن يكون هذا الإغلاق أكبر من إغلاق عام 2018 المتأخر، حيث أُقرّت بعض بنود التمويل وقتها.
ومن المتوقع أن يُمنح نحو 40% من موظفى الحكومة الفيدرالية ـ أى أكثر من 800 ألف شخص ـ إجازة مؤقتة. يعتمد حجم الضرر الاقتصادى على مدة الإغلاق ومدى اتساعه.
وعادةً ما تكون الاضطرابات مؤقتة، ويُعوَّض النشاط المفقود فى الأشهر اللاحقة.
لكن هذه المرة، يقدر محللون أن الإغلاق قد يقتطع بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية من النمو الاقتصادى لكل أسبوع يستمر فيه، مع إمكانية استعادة معظمها لاحقاً. هذا الأثر المحدود نسبياً قد يفسر سبب تجاهل الأسواق المالية لهذا التهديد.
مع ذلك، يظل الوضع مختلفاً، إذ هدد ترامب بفصل بعض الموظفين نهائياً لا مجرد منحهم إجازة، ما قد يجعل الأثر أطول.
المعركة تضيف اضطراباً جديداً إلى اقتصاد يعانى تداعيات الرسوم الجمركية
كما أن المعركة تضيف اضطراباً جديداً إلى اقتصاد يعانى بالفعل من تداعيات الرسوم الجمركية وتغيرات الذكاء الاصطناعي، مع احتمال تأجيل بيانات مهمة مثل تقرير الوظائف الشهري، ما يزيد من حالة عدم اليقين. والإغلاقات الحكومية شائعة نسبياً فى الولايات المتحدة على مدى العقود الخمسة الماضية، فقد شهدت الفترة الأولى لترامب ثلاثة إغلاقات، بينها الأطول فى التاريخ عند 36 يوماً وانتهى فى يناير من عام 2019 بسبب الخلافات حول تمويل الجدار الحدودى مع المكسيك.
وقدّر مكتب الموازنة فى الكونجرس أن هذا الإغلاق خفض الناتج المحلى الإجمالى بنحو 11 مليار دولار، منها 3 مليارات لم تُستعد.
أما الرئيس الجمهورى رونالد ريغان فقد شهد ثمانية إغلاقات فى الثمانينيات، لكنها كانت قصيرة نسبياً.
وتبقى الإغلاقات المتعلقة بالميزانية سمة تكاد تنفرد بها السياسة الأمريكية، إذ يتوجب على فروع الحكومة المختلفة الاتفاق على خطط الإنفاق قبل أن تصبح قانوناً.
وبينما فى معظم الدول، تُعتبر التصويتات على الميزانية بمثابة تصويت على الثقة بالحكومة نفسها، لكن فى الولايات المتحدة، ومع وجود فروع متساوية وغالباً منقسمة، فإن الأمر يختلف.








