كشف الدكتور خالد العناني، أول مصري وعربي وثاني إفريقي يتولى منصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، أن أحد أبرز أهدافه في المرحلة المقبلة هو توسيع آفاق التعاون بين اليونسكو ومؤسسات التمويل الإقليمية والدولية مثل البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية وصناديق التنمية العربية، بما يسهم في دعم استراتيجيات التنمية في الدول الناشئة.
أضاف لـ«البورصة»، في أول حوار يجريه بعد إعلان فوزه مديرا لليونسكو، أن المنظمة تواجه عالمًا سريع التغير، تتداخل فيه الأزمات البيئية مع النزاعات الثقافية والتعليمية. وتكمن أبرز التحديات في الحفاظ على رسالتها الإنسانية وسط عالمٍ يميل نحو الاستقطاب والتنافس بدل التعاون.
وحصد العنانى 55 صوتًا من إجمالي 57 دولة أعضاء بالمجلس التنفيذي للمنظمة، وهو أعلى عدد أصوات يحصل عليه مرشح لمنصب المدير العام في انتخابات تنافسية منذ إنشاء «اليونسكو»، ما يؤكد الثقة الواسعة في الدبلوماسية المصرية، وكفاءة المرشح، وإسهاماته الثقافية ورؤيته المتكاملة لتطوير عمل المنظمة.
كما يُعدّ واحدًا من أبرز الأكاديميين المصريين الذين جمعوا بين الخبرة العلمية والإدارية والثقافية، وبرز اسمه في مجالات التعليم والبحث العلمي والسياحة والعلاقات الدولية.
إعادة توزيع الموارد لتصبّ مباشرة في المشاريع الميدانية وليست النفقات الإدارية
وأشار إلى أن أول قراراته سيكون مراجعة هيكل العمل الداخلي للمنظمة لضمان مزيد من الكفاءة والشفافية وإعادة توزيع الموارد لتصبّ مباشرة في المشاريع الميدانية، لا في النفقات الإدارية.
وأوضح العناني، أن اليونسكو يجب أن تكون أقرب إلى الواقع، وأقل بيروقراطية، متابعا:” سنُطلق برنامجًا لتقييم الأداء وربط التمويل بالنتائج، حتى يشعر كل موظف بأن جهده يصنع فارقًا حقيقيًا في حياة الناس حول العالم”.
الثقافة ليست ترفًا.. بل محرك للتنمية وفرص العمل
ولفت إلى أن رؤيته أن تتحول الثقافة من نشاط رمزي إلى رافعة للتنمية من خلال دعم الصناعات الإبداعية، وتشجيع المشروعات التي تربط التراث بالاقتصاد المحلي، مؤكدا أن الثقافة ليست ترفًا .. بل قوة اقتصادية ناعمة.
كما أشار إلى أهمية إطلاق مبادرات لتمكين الشباب من تحويل التراث والحرف التقليدية إلى مشروعات حديثة قادرة على المنافسة، ووقتها ستصبح الثقافة مصدر دخل واعتزاز في الوقت ذاته، وسنكون قد ربطنا الهوية بالتنمية.
نسعى لجعل صوت الجنوب أكثر حضورًا داخل المنظمة وتحقيق توازن مع الشمال
قال العناني، إن مصر تاريخيًا هي أحد أعمدة اليونسكو، وقدّمت عبر عقود خبرات علمية وثقافية أثرت على المنظمة بعمق.
وتابع:” قيادة مصر لليونسكو، لا تعني منحها امتيازات، بل تعني أن صوت الجنوب سيُسمع بوضوح أكبر، وأن التوازن بين الشمال والجنوب سيترسخ، وسنعمل على إبراز مساهمة الدول العربية والإفريقية في الفكر الإنساني، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات التعليم والثقافة والعلوم”.
برامج جديدة لدعم الصناعات الإبداعية وتمويل المبدعين الشباب في الدول النامية
أضاف أن الاقتصاد الإبداعي هو لغة المستقبل، واليونسكو تملك من الخبرة ما يؤهلها لأن تكون منصّته العالمية، متابعا:” سنُطلق برامج لدعم الصناعات الثقافية في الدول النامية، وتوفير التدريب والتمويل للمبدعين الشباب في مجالات مثل السينما، والفنون، والتراث الحي”.
وأوضح أنهم سيعملون على تحويل المدن ذات التاريخ العريق إلى مراكز للإبداع والتنمية الثقافية، تجمع بين الماضي والحاضر، في مصر والمنطقة العربية.
قال العناني، إن الاقتصاد الإبداعي لا يصنع فقط فرص عمل، بل يصنع كرامة وانتماء، لأنه يجعل من الثقافة موردًا للعيش، لا مجرد ذكرى للماضي.
ويسعى عناني إلى بناء نموذج شراكة ثلاثي بين دولة مستفيدة، ومنظمة راعية، ومؤسسة ممولة، لتحويل الأفكار إلى مشروعات واقعية، خصوصًا في الدول النامية ومصر نموذج مهم في هذا السياق.
أضاف أن استقرار التمويل هو شرط لبقاء الرسالة، موضحا أنه سيعمل على تنويع مصادر التمويل لتقليل الاعتماد على عدد محدود من الدول المانحة، مع توجه لتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية الدولية، وإطلاق صناديق تمويل إقليمية مشتركة، بجانب مراجعة هيكل الإنفاق الداخلي للمنظمة لزيادة الكفاءة وتوجيه الموارد للمشروعات ذات الأثر الميداني المباشر.
أشار العناني، إلى أن الملفات التي يعمل عليها شخصيًا هى العالم وتمويل العمل الدولي الذي يجب أن يتغير، موضحا أن سندات الأثر الاجتماعي تمثل مستقبل التمويل التنموي لأنها تربط بين النتائج والمردود الفعلي.
وأكد على إمكانية تطبيق نموذج “الشراكات الثقافية الاستثمارية” التي تتيح تمويلًا مستدامًا لمشروعات التعليم والثقافة والتراث، عبر أدوات مالية عصرية تحقق توازنًا بين البعد الإنساني والاستدامة الاقتصادية.
قال العناني، إن مصر تستطيع أن تقدم مبادرات فكرية وتنموية تضعها في مقدمة الدول المؤثرة في صياغة السياسات العالمية الخاصة بالتعليم والثقافة والعلوم وزيادة التعاون والتمويل لمشروعات مصرية ذات بعد دولي، وفي إبراز مكانة مصر كقوة ناعمة في المنطقة والعالم.
وأكد أن منظومة التحول الرقمي ليست ترفًا بل ضرورة تنموية وأن اليونسكو رائدة عالمية في دمج التكنولوجيا بالتعليم والثقافة، متابعا:” سنعمل على إنشاء منصات تعليمية رقمية مفتوحة تتيح المعرفة للجميع، خصوصًا في الدول النامية، مع تطوير مبادرات لحماية التراث الرقمي وتوثيقه”.
وسيتم تعزيز التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى لتوفير حلول تعليمية ذكية منخفضة التكلفة ومفتوحة المصدر.
أفريقيا شريك في التنمية الثقافية لا متلقٍ للدعم
أوضح العناني، أن أفريقيا كانت دائمًا في قلب أولوياته، وهدفه أن تتحول أفريقيا من متلقٍ للدعم إلى شريك في صياغة المبادرات العالمية الخاصة بالتنمية الثقافية والتعليمية ، من خلال إضافة البرامج التعليمية والثقافية المشتركة مع الاتحاد الأفريقي، مع التركيز على التعليم الفني، والتدريب المهني، وحماية التراث الأفريقي المادي وغير المادي.
مبادرة “جسور الجنوب” ستجذب استثمارات في الصناعات الثقافية
وقال مدير عام منظمة اليونسكو، إن مبادرة “جسور الجنوب”، وهي منصة عربية أفريقية للتعاون الثقافي والتعليمي، تهدف إلى تبادل الخبرات وبناء قدرات الشباب، وستجذب استثمارات في الصناعات الثقافية، ودعم المشاريع التي تربط الثقافة بالاقتصاد، وإيجاد فرص تدريب وتمويل للمبدعين الشباب في القارتين، فالثقافة يمكن أن تكون أداة تنمية بقدر ما هي أداة تواصل إنساني.
أكد عناني أن المرحلة القادمة تحتاج إلى إعادة صياغة أولويات المنظمة لتصبح أكثر ملامسة لاحتياجات الناس من خلال تعليم يواكب الذكاء الاصطناعي، وثقافة تصنع التنمية، وعلم يخدم السلام، ويجب أن نعيد التوازن بين القيم والابتكار، بين الهوية والعولمة، وأن نجعل من اليونسكو منبرًا للعقل والضمير في آنٍ واحد.
وتستمر ولاية الدكتور خالد العناني مديرًا عامًا للمنظمة من عام 2025 حتى 2029، حيث تراهن الحكومة على أن تسهم أفكاره وتصوراته الطموحة في تطوير أداء منظمة “اليونسكو” واستعادة دورها الريادي في مجالات التربية والثقافة والعلوم، وفقًا للسفير تميم خلاف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية.
وتضم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة 194 دولة عضواً وتسهم في بناء السلام وإحلال الأمن عبر قيادتها للتعاون المتعدد الأطراف في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال والمعلومات. تتخذ المنظمة من باريس مقراً لها، ولديها مكاتب موزعة على 54 بلداً، وتوظف أكثر من 2300 شخص.
وتشرف اليونسكو على أكثر من 2000 موقع للتراث العالمي ومحمية للمحيط الحيوي وحديقة جيولوجية عالمية؛ وشبكة للمدن المبدعة ومدن التعلم والمدن المستدامة الشاملة للجميع؛ وتشرف أيضاً على أكثر من 13 ألف مدرسة منتسبة وكرسي جامعي ومعهد للتدريب والبحوث، وشبكة عالمية تضم 200 لجنة وطنية.








