تسلمت مصر، ممثلة في الجهاز المركزي للمحاسبات، رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة “الإنتوساي” لمدة ثلاث سنوات مقبلة.
ويُعد هذا الاختيار تتويجًا لمسيرة طويلة من العمل المؤسسي الجاد والدور الريادي الذي اضطلعت به مصر في دعم قيم النزاهة وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، ليأتي توليها رئاسة المنظمة بمثابة اختيار صادف أهله، إذ تمتلك الدولة، ممثلة في جهازها الرقابي —الأقدم في المنطقة— من الخبرة والجاهزية ما يؤهلها لقيادة المجتمع الرقابي الدولي نحو مرحلة جديدة من الفاعلية ومواكبة التحديات المعاصرة.
ومنذ انضمامها إلى المنظمة عام 1963، انخرط الجهاز المركزي للمحاسبات بفاعلية في عدد من مجموعات العمل داخل الإنتوساي، وتولى رئاسة مجموعة العمل المعنية بمكافحة الفساد وغسل الأموال، كما أسهم من خلال بحوثه ودراساته ومقالاته المتخصصة في تطوير الأدبيات الرقابية العالمية، ما عزز من مكانته داخل المجتمع الرقابي الدولي.
وعلى الصعيد الإقليمي، لعب الجهاز دورًا محوريًا في إطار منظمة الأفروساي، حيث واصل دعمه للأجهزة الرقابية الإفريقية عبر برامج التدريب ونشر المعرفة المهنية، إلى جانب رئاسة تحرير المجلة الإفريقية الشاملة التي لا تزال تصدر تحت إشرافه حتى اليوم.
وفي هذا السياق، رسخ الجهاز المركزي للمحاسبات مكانته الدولية كإحدى المؤسسات الرقابية الموثوقة، إذ يتولى مهمة المراجع الخارجي لعدد من منظمات الأمم المتحدة، من بينها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) ومنظمة الأمم المتحدة للسياحة، كما فاز مؤخرًا بمنصب المراجع الخارجي لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمدة ست سنوات تبدأ عام 2026.
كذلك، يضطلع الجهاز بمهمة المراجع الخارجي للاتحاد الإفريقي، في تأكيد على الثقة الدولية والإقليمية بقدراته المهنية واستقلاليته وكفاءته في صون المال العام وتدقيق موارد المنظمات الدولية الكبرى.
وتُعد رئاسة مصر للإنتوساي انطلاقة جديدة للمجتمع الرقابي الدولي في مواجهة أزمات عالمية متشابكة تشمل التغير المناخي، وتمويل التنمية المستدامة، وارتفاع معدلات التضخم والفقر، والتحديات المرتبطة بالفساد داخل المؤسسات الحكومية.
وتتبنى مصر رؤية شاملة لتعزيز التكامل بين الرقابة والتنمية، من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في أعمال المراجعة العامة، بما يحدث نقلة نوعية في أدوات العمل الرقابي، ويجعلها أكثر قدرة على رصد الإنفاق العام وتحليل البيانات وتعزيز الشفافية.
وتأتي رئاسة مصر للإنتوساي في مرحلة دقيقة يشهد فيها العالم تحولات اقتصادية متسارعة، ما يجعل الدور الرقابي أكثر أهمية من أي وقت مضى في خدمة الحكومات والشعوب، وصون الثروات العامة، وتحقيق العدالة في توزيع موارد التنمية.
وترتكز الرسالة التي تحملها مصر على المبدأ:«نعمل بالعدل.. من أجل غدٍ أفضل للشعوب»، تأكيدًا على أن تعزيز الدور الرقابي ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لخدمة الإنسان وصون مقدرات الدول، وبناء مستقبل تتوازن فيه العدالة مع التنمية، وتتساوى فيه فرص الشمال والجنوب في مواجهة الأزمات العالمية.








