تعتزم شركات سعودية كبرى ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في سوريا، في إطار نهج المملكة القائم على دعم تعافي البلاد من خلال التنمية الاقتصادية، غير أن العقوبات الأمريكية وتفكك مؤسسات الدولة السورية يشكّلان عقبتين كبيرتين أمام ذلك.
وقال الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال السعودي-السوري عبد الله ماندو إن من بين الشركات التي تتطلع إلى دخول السوق السورية شركة “أكوا باور” السعودية، عملاق الطاقة المتجددة، وشركة الاتصالات السعودية (إس تي سي).
وأضاف أن الخطة تهدف إلى البدء من أساسيات الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب، عبر إعادة بناء البنية التحتية للطاقة وقطاعي المال والاتصالات.
وأوضح لرويترز: “الهدف هو جذب مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الفعلية إلى سوريا خلال السنوات الخمس المقبلة.”
عقوبات شديدة لا تزال مفروضة
تُعدّ الرياض محركًا رئيسيًا لإعادة التواصل الدولي مع سوريا منذ أن أطاحت المعارضة المسلحة بالرئيس السابق بشار الأسد العام الماضي، في خطوة تهدف إلى إخراج دمشق من فلك النفوذ الإيراني وإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.
وفي مايو، استضافت المملكة اجتماعًا تاريخيًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، حيث أعلن ترامب أنه سيرفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا.
لكن رغم الإعفاءات الواسعة، فإن الإجراءات الأشد صرامة المعروفة باسم عقوبات قيصر لا تزال قائمة، ويتطلب إلغاؤها موافقة الكونغرس الأمريكي الذي لا يزال أعضاؤه منقسمين بشأنها، إلا أن من المتوقع أن يتخذوا قرارًا قبل نهاية العام.
وقال ماندو إن قانون عقوبات “قيصر” هو “آخر قيد يخنق الاقتصاد السوري. قد تظل هناك استثمارات كبيرة ممكنة، لكن تحريك رؤوس الأموال يظل أمرًا صعبًا.”
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة ترامب تدعم إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر من خلال مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، الذي يناقشه المشرّعون الأمريكيون حاليًا.
وأضاف المتحدث: “الولايات المتحدة على تواصل منتظم مع شركائها في المنطقة، وترحب بأي استثمار أو مشاركة في سوريا من شأنها أن تتيح الفرصة لجميع السوريين لبناء دولة يسودها السلام والازدهار.”
صفقات بمليارات الدولارات
قدّر البنك الدولي تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 216 مليار دولار، بعد حرب أهلية استمرت قرابة 14 عامًا وخلفت دمارًا واسعًا في البلاد.
وأعلنت السعودية في يوليو عن استثمارات تتجاوز ستة مليارات دولار في سوريا، منها 2.93 مليار دولار لمشروعات العقارات والبنية التحتية، ونحو 1.07 مليار دولار لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وعقدت شركة الدرعية، وهو مشروع سعودي ضخم يركّز على تطوير موقع تاريخي في الرياض كوجهة عقارية وسياحية، مناقشات الأسبوع الماضي مع مسؤولين سوريين حول دورها المحتمل في إعادة إعمار مواقع تاريخية في سوريا.
وقال رجال أعمال سعوديون وسوريون إن الأموال السعودية قد تتدفق قريبًا أيضًا إلى قطاعات الطيران المدني والتعليم والطب في سوريا، كما تُجري الرياض محادثات مع دمشق لإنشاء خط سكة حديد يمر عبر الأردن.
ووقّعت سوريا مذكرات تفاهم مع شركات قطرية وإماراتية وجهات أخرى لإقامة مشاريع في قطاعي الطاقة والبنية التحتية، لكن المسؤولين السوريين يقولون إن الأموال الفعلية التي تم جمعها لا تزال محدودة بسبب العقوبات وتعثر القطاع المالي في البلاد.
ويؤكد المسؤولون السعوديون والسوريون ثقتهم بقرب إلغاء عقوبات قانون قيصر، ويستعدون لذلك.
وقال ماندو، وهو واحد من 60 رجل أعمال سعوديًا في مجلس الأعمال، كثير منهم من أصول سورية: “هناك رأس مال متاح كبير، لكن حجم الإنفاق الفعلي ما زال محدودًا.”
رؤية 2030
يقول محللون إن رهان الرياض على سوريا مرتبط بالأوضاع الجيوسياسية، لكنه يتماشى أيضًا مع رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (رؤية 2030)، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن الاعتماد على النفط.
وقال عادل حمايزية، العضو المنتدب في شركة “هايبريدج أدفايزوري”: “يتماشى هذا النهج تمامًا مع الهدف الأوسع لرؤية 2030، الذي لا يقتصر على التحول المحلي فحسب، بل يشمل أيضًا تحويل المملكة إلى مركز للتواصل الإقليمي والعالمي”.
وأضاف: “إنه اعتراف بأن ازدهار المملكة وطموحاتها في تنويع اقتصادها لا ينفصلان عن استقرار جيرانها واستعادة التكامل بينهم.”








