أقرت الهيئة العامة للرقابة المالية تعديلات تشريعية تتيح صرف الأرباح النقدية والعوائد على المحافظ الاستثمارية عبر الحسابات البنكية أو المحافظ الإلكترونية، بدلًا من الصرف النقدي التقليدي بهدف تحفيز الاستثمار وسد فجوة تأخير صرف الأرباح بالسوق المصرية.
ويرى الخبراء، أن القرار الجديد يُكمل سلسلة إجراءات رقابية وتشريعية أطلقتها الهيئة خلال العامين الماضيين لتطوير البنية التكنولوجية للقطاع المالي غير المصرفي، ويمثل امتدادًا لتوجهات الدولة نحو التحول الرقمي في كل القطاعات الاقتصادية.
ومن شأن تفعيل هذا القرار أن يرفع كفاءة السوق في إدارة التوزيعات النقدية، ويزيد من ثقة المستثمرين في المنظومة الإلكترونية، خاصة أن عمليات صرف الأرباح كانت من أبرز نقاط الضعف التي واجهت المتعاملين خلال السنوات الماضية بسبب التأخير والازدحام في المقاصة.
وسيسهم النظام الجديد في تحسين تجربة المستثمرين الأفراد، وتقليص الفجوة الزمنية بين إعلان الأرباح وصرفها فعليًا، بما يدعم الانضباط التشغيلي ويزيد من تنافسية السوق المصرية أمام الأسواق الإقليمية.
وترى راندا حامد، العضو المنتدب لشركة عكاظ لتكوين وإدارة محافظ الأوراق المالية، أن القرار يمثل خطوة مهمة نحو تسهيل حصول المستثمرين على مستحقاتهم بطريقة أسرع وأكثر أمانًا، ويعزز من نشر الثقافة الرقمية في سوق المال.
وأضافت أن إتاحة تحويل الأرباح مباشرة إلى المحافظ الإلكترونية أو الحسابات البنكية سيجعل متابعة المحفظة الاستثمارية أكثر سهولة، حيث يمكن للمستثمر معرفة الأرباح المودعة في حسابه لحظة بلحظة دون الحاجة لمراجعة شركات السمسرة أو شركة المقاصة.
وأوضحت أن القرار سيقلل الضغط التشغيلي الواقع على شركة مصر للمقاصة والإيداع المركزي خلال مواسم صرف الأرباح، خصوصًا أن الهيئة سمحت بصرف الأرباح من خلال توكيل شركة الوساطة لصالح العميل، ما يختصر الوقت والإجراءات.
وتوقعت حامد، أن القرار سيحفز المستثمرين على الإقبال على الأسهم المنتظمة في توزيع الأرباح، بما يدعم عمق السوق ويشجع على الاستثمار طويل الأجل.
وأضافت أن البنية التحتية الرقمية الحالية قادرة على استيعاب التحول، في ظل الجهود الحكومية لتحديث الأنظمة التكنولوجية، مع ضرورة تشديد الرقابة على حماية بيانات العملاء.
ماهر: سرعة التسوية وتقليص الشكاوى أبرز المزايا
من جانبه، قال محمد ماهر، رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية (إيكما)، إن القرار يمثل نقلة نوعية في تسريع دورة التداول وتسوية المعاملات بين المستثمرين وأمناء الحفظ، إذ يقلل من التعامل النقدي ويُسهل التحويلات البنكية المباشرة.
وأضاف أن سوق المال بطبيعته يعتمد على وجود حساب بنكي نشط لكل مستثمر لإيداع واستلام الأموال، مشيرًا إلى أن هذا التوجه سيدعم نشر الثقافة المصرفية والمالية بين المتعاملين، كما حدث سابقًا مع إطلاق تطبيق “إنستا باي” من البنك المركزي الذي شجع آلاف الأفراد على فتح حسابات مصرفية واستخدام الدفع الإلكتروني.
وأشار ماهر إلى أن القرار سيساهم بشكل مباشر في تقليل شكاوى المستثمرين المتعلقة بتأخر صرف الكوبونات، حيث تتيح المحافظ الإلكترونية استقبال التحويلات المالية فور صدورها، ما يقلص احتمالات التأخير أو التقاعس من جانب بعض الشركات في تسليم الأرباح.
ولفت إلى أن المخاطر التشغيلية محدودة في ضوء الرقابة التنظيمية التي تفرضها الهيئة والبنك المركزي على شبكات الدفع الإلكتروني، معتبرًا أن القرار يضع السوق المصري على الطريق الصحيح نحو بيئة تداول رقمية متكاملة.
وأكد ماهر، أن شركات الوساطة أصبحت مؤهلة فنيًا لتطبيق القرار الجديد، خصوصًا بعد أن منحت الهيئة مهلة انتقالية لمدة عام لتوفيق أوضاع العملاء الحاليين وفتح حسابات بنكية، على أن يستمر الصرف النقدي مؤقتًا من خلال شركة الإيداع والقيد المركزي خلال تلك الفترة.
المصري: الخطوة إيجابية وتحتاج تسهيلات للأجانب
وفي السياق ذاته، وصف ياسر المصري، العضو المنتدب لشركة العربي الأفريقي لتداول الأوراق المالية، القرار بأنه إيجابي ويعزز البنية الرقمية للسوق، لكنه أشار إلى ضرورة وضع آليات مرنة لتطبيقه على المستثمرين الأجانب.
وأوضح أن القرار يلزم بأن يكون لكل مستثمر حساب بنكي لدى أحد البنوك المسجلة بالبنك المركزي المصري، وهو ما قد يشكل تحديًا إداريًا للأجانب غير المقيمين الذين يتعاملون عبر وسطاء أو صناديق استثمارية خارجية.
وقال المصري، إن هذه الفئة من المستثمرين قد تواجه بعض التعقيدات الإجرائية في فتح الحسابات أو استلام الأرباح، ما يتطلب تعاونًا أكبر بين الهيئة والبنوك لتبسيط الإجراءات وضمان سهولة التطبيق دون تعطيل لحركة الاستثمار الأجنبي في البورصة.
وأشار إلى ضرورة توضيح آليات التعامل مع العملاء المتعاملين بنظام الهامش، خاصة في كيفية حصول شركات السمسرة على مستحقاتها بعد تطبيق التحويل الإلكتروني للأرباح، موضحًا أن هذه المسائل تحتاج إلى تنسيق تشغيلي واضح بين المقاصة والهيئة والشركات العاملة.
ورغم هذه الملاحظات، أكد المصري أن القرار يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو رقمنة الأسواق المالية وتقليل استخدام النقد، ما يعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في السوق المصرية، ويدعم قدرتها على جذب استثمارات جديدة.
أقرت الهيئة العامة للرقابة المالية مهلة عاماً كاملاً لتوفيق أوضاع العملاء الحاليين، بحيث يتم خلال تلك الفترة فتح الحسابات البنكية المطلوبة أو ربط المحافظ الإلكترونية، على أن يستمر صرف الأرباح نقدًا من خلال منافذ شركة مصر للمقاصة خلال فترة الانتقال.
وأكدت الهيئة في بيانها، أن التعديل يهدف إلى تعزيز حماية حقوق المستثمرين وتطوير البنية المؤسسية للسوق وفق الممارسات الدولية، مشيرة إلى أن الخطوة تمهد لبيئة مالية أكثر كفاءة وتنافسية، وتدعم خطط الدولة للتحول نحو المعاملات غير النقدية.








