ثلاثة أرباع مساهمى الشركة يصوّتون لصالح صفقة التعويض رغم معارضة «كالبرز».
المستقبل يبدو مشرقًا للغاية بالنسبة لإيلون ماسك، لدرجة أنه حتى النظارات الواقية الصناعية لن تحجب بريق صفقة التعويض البالغة تريليون دولار (862 مليار يورو).
هذا بالطبع إذا تمكن من تحقيق أهداف مذهلة لشركة «تسلا»، شركة السيارات الكهربائية التى أسسها وحوّلها إلى عملاق تكنولوجي.
وذكرت شبكة «دويتشه فيله» الإخبارية الألمانية أن ماسك بحاجة للوصول إلى محطات تبدو أقرب إلى الخيال العلمى منها إلى الاستراتيجية المؤسسية، حتى يتمكن من الحصول على القيمة الكاملة لحزمة التعويض.
تشمل هذه الإنجازات نشر مليون سيارة أجرة ذاتية القيادة «روبوتاكسي»، وهى تقنية تولّد إيرادات دون وجود سائقين بشريين، وإنتاج مليون روبوت بشرى من طراز «أوبتيموس» سنويًا، تعمل بالذكاء الاصطناعي.
لن يصبح ماسك أول تريليونير فى العالم – وإن كان ذلك عبر خيارات الأسهم – إلا إذا وصلت «تسلا» إلى قيمة سوقية قدرها 8.5 تريليون دولار، أى ما يعادل ستة أضعاف قيمتها الحالية البالغة 1.43 تريليون دولار.
وحتى إن أخفق فى ذلك، فلن يعانى من نقص المال، لكن السؤال الحقيقى هو: هل يستطيع تحقيق ذلك؟
المستثمرون يثقون فى ماسك
ألكسندرا ميرز، المساهمة فى «تسلا» التى صوتت لصالح الصفقة، تؤمن بشدة بأن إيلون ماسك «هو أفضل منفّذ على هذا الكوكب».
فقد قالت لتلفزيون «بلومبرج»: «أنا واثقة جدًا من أنه سيحقق الأهداف، لقد أرانا من قبل ما هو ممكن».
وافق أكثر من ثلاثة أرباع مساهمى «تسلا» على صفقة تعويض ماسك يوم الخميس الماضي، بعد معركة قانونية استمرت سبع سنوات، رغم معارضة بعض المستثمرين المؤسسيين، من بينهم صندوق التقاعد العام الأكبر فى الولايات المتحدة «كالبرز».
وأشار «كالبرز» إلى مخاوفه بشأن توسّع سيطرة ماسك على «تسلا»، إذ يمكنه بموجب الصفقة أن يحصل على ما يصل إلى 25% من حقوق التصويت، مقارنة بنسبة 13% حاليًا.
ويرى المنتقدون أن امتلاك ماسك لربع أسهم «تسلا» سيمنحه سلطة مفرطة قد تُخمد المعارضة وتُمكّنه من توجيه الشركة بأقل قدر من الرقابة.
سلطة مفرطة محتملة
تُعد نيل مينوو، نائبة رئيس شركة «فاليو إيدج أدفايزرز»، من أبرز المنتقدين لهذه الصفقة، معتبرة أنها تمنح ماسك سيطرة مفرطة وتضعف حصص المساهمين الآخرين.
وقالت مينوو لشبكة «دويتشه فيله» إن «الأمر أكثر من مجرد فضيحة، إنه احتيال»، مشيرة إلى أن ماسك نقل مقر «تسلا» من ولاية ديلاوير الصديقة للأعمال إلى تكساس بتكاليف باهظة بعد أن ألغت محاكم ديلاوير مرتين صفقة تعويضه السابقة البالغة 56 مليار دولار.
وأضافت: «ثم، وبتكلفة باهظة أيضًا، دفع للوبيين والمحامين والمشرعين لتمرير قانون جديد يقيد بشدة قدرة المساهمين على الطعن فى خطة التعويض»، موضحة أن هذا القانون يمنح مجلس الإدارة سلطة منح التعويض لماسك «وفق تقديرهم، حتى لو لم تتحقق الأهداف».
رمز لعدم المساواة المتطرفة
ترى جوانا برايسون، أستاذة الأخلاقيات والتكنولوجيا فى «مدرسة هيرتى للحوكمة» فى برلين، أن صفقة ماسك تمثل مثالًا لمشكلة أوسع فى حوكمة الشركات الأمريكية، حيث أدى نمو شركات التكنولوجيا الكبرى إلى خلق تفاوتات اقتصادية مفرطة تعتبرها «غير مستدامة».
وقالت: «هناك مشكلة أمنية كبيرة عندما يمتلك الأفراد نفوذًا يفوق نفوذ الدول».
وأشارت برايسون إلى فترات فى التاريخ كانت فيها الفوارق شديدة، مثل فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى وفقاعة سوق الأسهم الأمريكية قبل عام 1929.
وأضافت أن «أى نظام يمنح شخصًا واحدًا مبالغ طائلة وغير متناسبة يخلق حالة من الفوضى».
المخاطر الكبرى تكمن فى اعتماد الشركة على شخص واحد، وهو ما يُعرف بمخاطر «الرجل المحوري».
ففى حالة ماسك، فإن أى غياب أو مرض أو وفاة أو انشغال قد يترك «تسلا» فى وضع هش.
تعتمد نجاحات «تسلا» بشكل كبير على قيادة ماسك ورؤيته وقدرته على التنفيذ، وقد تصبح الشركة عرضة للضرر إذا انشغل بمشروعاته الأخرى مثل «سبيس إكس» أو «إكس إيه آي».
اتهامات بالتشتت السياسى
تعرّض ماسك لانتقادات فى وقت سابق من هذا العام لابتعاده عن التركيز على «تسلا» بعد انضمامه لإدارة الرئيس دونالد ترامب بصفته رئيس وزارة كفاءة الحكومة، وهى هيئة جديدة أنشأتها الإدارة الأمريكية.
وقد أثار هذا المنصب المؤقت ردود فعل غاضبة أثّرت على عمليات «تسلا»، شملت احتجاجات أمام المصانع ودعوات للمقاطعة وحتى حوادث تخريب عطّلت الإنتاج وأضعفت ثقة المستثمرين.
استقال ماسك من منصبه فى وزارة كفاءة الحكومة بعد 130 يومًا فقط، وأطلق فى يوليو حركة سياسية جديدة تحمل اسم «حزب أمريكا»، تهدف إلى تحدى النظام الحزبى الثنائى وإعادة تشكيل الخطاب الوطني.
بالنسبة لبعض المستثمرين، لم تعد مسألة التشتت مجرد احتمال، بل واقعًا ملموسًا.
وقالت مينوو لـ«دويتشه فيله»: «إذا لم يعد ماسك متحفزًا بما يكفى من خلال حصصه الحالية، فلن تكون هذه الصفقة الجديدة كافية لثنيه عن مشاريعه الجانبية أو عن تعليقاته السياسية المثيرة، التى أظهرت دراسة من جامعة ييل أنها كلفت الشركة والمساهمين خسارة مليون عملية بيع».
وأوضح مجلس الإدارة أن الهدف الأساسى من الصفقة الضخمة هو إبقاء انتباه ماسك مركزًا على «تسلا»، مشيرًا إلى أنه لن يتمكن من بيع الأسهم الممنوحة حديثًا لمدة تصل إلى عشر سنوات بعد حصوله عليها.
-شكوك حول واقعية أهداف الروبوتات
حتى إذا ركز ماسك بالكامل على «تسلا»، يرى المنتقدون أن الأهداف نفسها قد تكون بعيدة المنال، خصوصًا خطة إنتاج مليون روبوت «أوبتيموس» سنويًا.
فبينما عرضت «تسلا» نماذج أولية تؤدى مهام بسيطة، يعتقد العديد من الخبراء أن التكنولوجيا لا تزال فى مراحلها الأولى جدًا.
كتب عالم الروبوتات الأسترالى رودنى بروكس فى مقال نُشر فى سبتمبر أن روبوت «أوبتيموس» وغيره من الروبوتات البشرية «محكوم عليها بالفشل» بسبب ضعف مرونتها.
وأضاف أن «الخطة العامة هى أن تحل الروبوتات البشرية محل العمالة اليدوية البشرية بكفاءة وتكلفة أقل، لكن الاعتقاد بأن ذلك سيحدث خلال العقود القريبة ضرب من الخيال».
يرى متشككون آخرون أن وضع مثل هذه الأهداف المستقبلية قد يكون وسيلة لتبرير حزمة التعويض الضخمة مع إبقاء آلة الدعاية مستمرة.
وإذا فشل «أوبتيموس» فى تحقيق إنتاج واسع النطاق، فقد يقوّض مصداقية الصفقة بأكملها.
مع ذلك، تشير أكثر التقديرات تفاؤلًا إلى أن الروبوتات البشرية المتقدمة قد تكون جاهزة خلال عامين إلى خمسة أعوام، ما يدفع مؤيدى ماسك إلى الاعتقاد بأنه الرجل القادر على الوفاء بالوعد.
وقالت ميرز لـ«بلومبرج»: «بصفتى مساهمة، أفضل أن يكون إيلون هو من يملك مفاتيح جيش الروبوتات، لا أى شخص آخر. أرونى رئيسًا تنفيذيًا واحدًا أنجز حتى نصف ما حققه إيلون».
يبقى السؤال التريليوني: هل يستطيع ماسك التوفيق بين «تسلا» والسياسة وجيش الروبوتات؟
لكن ما هو مؤكد أننا سنحتاج إلى نظارات شمسية وكثير من الفشار لمتابعة المشهد حتى النهاية.








