يترقب مجتمع الأعمال اتجاه أسعار الفائدة الذي يمثل «بوصلة الاستثمار» خلال المرحلة الراهنة، إذ أصبحت قرارات الاقتراض والتوسع مرهونة بتكلفة التمويل، في ظل حساسية عالية لدى الشركات تجاه مستويات الفائدة التي ما زالت عند حدود مرتفعة، رغم التخفيضات التي شهدها العام الجاري.
ويتوقع المستثمرون مواصلة سياسة التيسير النقدي، باعتبارها المفتاح الحقيقي لاستئناف خطط النمو التي جرى تأجيلها على مدار العامين الماضيين نتيجة التشديد النقدي وارتفاع تكلفة التمويل.
ورغم أن قرار البنك المركزي الأخير بتثبيت أسعار الفائدة عند 21% للإيداع و22% للإقراض و21.5% للائتمان والخصم جاء متسقاً مع توقعات شريحة واسعة من المحللين، إلا أنه جاء مدفوعًا بضرورة مراقبة المسار الفعلي للتضخم قبل استكمال دورة الخفض، خصوصًا في ظل موجة ارتفاع أسعار السلع عالميًا وقرارات محلية مرتبطة بإعادة هيكلة دعم الطاقة.
وتشير تقديرات مؤسسات بحثية، إلى أن دورة الانخفاض لم تبلغ ذروتها بعد، وأن البنك المركزي يتحرك بحذر لضمان هبوط مستدام في معدلات التضخم قبل تقديم أي تيسير جديد، ورغم ذلك، تبدو الشركات أقل اهتمامًا بقرار التثبيت من اهتمامها بـ«الهدف النهائي»، وهو الوصول إلى مستويات فائدة تتماشى مع قدرة السوق على الاستثمار.
وفي هذا السياق، تبرز قطاعات بعينها ـ لا سيما العقارات والتكنولوجيا المالية والقطاع الصناعي ـ باعتبارها الأكثر حساسية للتغيرات في تكلفة التمويل.
شفيع: أي خفض يعزز شهية الاقتراض.. وتوقعات بتراجع الفائدة 8% خلال 2026
وأكد مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة «عربية أون لاين»، أن تثبيت أسعار الفائدة لم يوقف خطط الشركات، لكنه أبقى حالة الترقب قائمة. ويوضح أن «كل خفض بمقدار 1% في أسعار الفائدة يضيف زخماً فورياً لشهية الاقتراض لدى الشركات»، وهو ما يعزز الاستثمارات القائمة ويشجع على تنفيذ توسعات جديدة كانت مؤجلة.
ولفت شفيع إلى أن التضخم يتحرك في اتجاه هبوطي مستدام بعد تجاوز تأثير الارتفاع المؤقت في أسعار المحروقات خلال أكتوبر، مشيرًا إلى أن السوق تجاوز هذه الصدمة، ما يمنح البنك المركزي مساحات أوسع للتحرك خلال الأشهر المقبلة.
وتوقع شفيع خفضًا للفائدة يتراوح بين 6 و8% خلال عام 2026، وهو ما سيُحدث ـ بحسب تعبيره ـ «نقلة نوعية» في القطاعات ذات الرافعة المالية العالية، وعلى رأسها التطوير العقاري، الذي تمثل تكلفة التمويل ما يصل إلى ثلث تكلفة التسعير النهائي للوحدات.
وذكر أن دورة السياسة النقدية المقبلة ستتسم بتيسير أكبر، خصوصًا إذا واصل التضخم تراجعه إلى النطاق المستهدف، مشيراً إلى أن الشركات باتت تُخطط لخطوات توسعية تمتد لعامين، بناءً على توقعات انخفاض تدريجي للفائدة، وليس وفق المستويات الحالية.
إمام: العقارات والقطاع المالي أكبر المستفيدين من انخفاض الفائدة
وتبنى عبد الحميد إمام، رئيس قسم البحوث بشركة «بايونيرز»، رؤية أقل تشاؤماً تجاه تأثير قرار التثبيت، مؤكداً أن «الخفض الذي تم منذ بداية العام أطلق موجة توسعية حقيقية في السوق»، وأن الشركات التي بدأت بالفعل مسار الاقتراض لن تتراجع عنه. ويرى أن التثبيت لا يعطل التوسع، بل يمثل محطة انتقالية لحين استكمال دورة الخفض.
وحدد إمام القطاع العقاري في صدارة المستفيدين من أية تخفيضات جديدة، موضحًا أن «كل نقطة خفض في سعر الفائدة تنعكس على تكلفة الوحدات وهوامش الربحية»، كما تستفيد البنوك من زيادة حجم محافظها الائتمانية ونمو الطلب على التمويل الشخصي والتمويل الموجه للمشروعات.
ولفت إلى أن شركات التكنولوجيا المالية والتجزئة والأسمنت تأتي ضمن قائمة القطاعات المرشحة لتحقيق استفادة قوية من أي تخفيضات مقبلة، نظرًا لارتفاع مستويات المديونية فيها وقدرتها على تحويل انخفاض تكلفة التمويل إلى توسع إنتاجي أو زيادة في المبيعات.
ويتوقع إمام خفضًا إضافيًا في الفائدة خلال 2026 يتراوح بين 4 و5%، ما سيعيد رسم خريطة المنافسة داخل السوق.
فهمي: التوسع مرهون بالوصول إلى معدلات الفائدة المستهدفة
على الجانب الآخر، يرى هيثم فهمي، رئيس قسم البحوث بشركة «برايم»، أن الفائدة الحالية مازالت عند مستويات مرتفعة، وأن الشركات «لن تدخل في موجة توسع حقيقية قبل الاقتراب من المستهدف الحكومي المعلن للفائدة عند 10% ±2% بنهاية 2026».
وأشار فهمي إلى أن قرارات الاقتراض ليست «تسعيرية» بقدر ما هي استراتيجية متشابكة ترتبط بهيكل التكلفة ومصادر التمويل وطبيعة النشاط، موضحًا أن بعض الشركات باتت تفاضل بين الاقتراض بفائدة متغيرة أو ثابتة، بناءً على رؤيتها لمسار التضخم وتوقعاتها للتغيرات المستقبلية في السوق.
ورجح أن يشهد نهاية العام خفضًا محدودًا يتراوح بين 50 و100 نقطة أساس في أفضل السيناريوهات، مع تحذيره من استمرار الضغوط التضخمية التي قد تدفع البنك المركزي إلى المزيد من التريث.








