شهدت السوق العقارية خلال الشهور الأخيرة تحولات لافتة انعكست بوضوح على حركة المبيعات وأنماط الاستثمار، وسط تباين في تقديرات المطورين بشأن مستقبل الأسعار وموعد بدء التصحيح المتوقع.
لكن رجح مستثمرون خلال حديثهم لـ “البورصة” أن يدخل السوق العقارية مرحلة تصحيح قريبًا، عقب استقرار سعر الصرف وتراجع معدلات التضخم، لإعادة ضبط الأسعار وتوازن العلاقة بين القدرة الشرائية والعائد الاستثماري للشركات.
فى السياق ذاته، قال الدكتور معتز شلبي، خبير التطوير العقاري، إن السوق العقارية يمر حالياً بمرحلة تصحيح واسعة تشمل آليات التسعير وطرق السداد ومواعيد التسليم، إلى جانب ضبط آليات التسويق بعد دخول عدد كبير من غير المتخصصين خلال السنوات الماضية.
وأكد أن السوق العقارية شهد تراجعاً في المبيعات خلال الفترة الأخيرة، بالتوازي مع ارتفاع طلبات الاسترداد، مشيراً إلى أن المستثمرين الذين يشترون بهدف إعادة البيع يمثلون السبب الرئيسي للتراجع، في ظل عجز عدد كبير منهم عن بيع وحداتهم.
وأضاف أن الشركات الكبرى تحافظ عادة على أسعار ثابتة للجميع، بينما تتيح بعض الشركات الأخرى مساحات للتفاوض تشمل خصومات أو تسهيلات إضافية بحسب العميل ومرحلة التعاقد.
وأوضح أن العروض والتسهيلات قد تساعد في تحريك السوق العقارية، لكنها لن تُعيد المبيعات إلى مستوياتها الطبيعية في ظل ضعف السيولة لدى العملاء.
وأكد على ضرورة تدخل البنوك والدولة لدعم العملاء الذين يمتلكون وحدات جاهزة أو شبه جاهزة لتسهيل عملية البيع وتمكينهم من تسييل أموالهم.
وأشار إلى أن الشركات فقدت ما بين 50 و60% من شريحة المستثمرين النشطين، وهي الشريحة التي كانت تمثل المحرك الرئيسي للطلب، مؤكداً أن استعادتها ضرورة لإعادة التوازن.
ودعا شلبي إلى إنشاء هيئة أو كيان تشريعي شامل لإدارة المنظومة العقارية، لحماية جميع الأطراف بدءاً من المطور والمستهلك وحتى العاملين في التسويق والتمويل، موضحاً أن غياب الإطار التنظيمي الواضح يضعف الثقة ويحد من قدرة الشركات على التوسع.
فكري: التصحيح ضرورة صحية لاستعادة التوازن وتحفيز الاستثمارات
قال علاء فكري، رئيس مجلس إدارة شركة بيتا للتطوير العقاري، إن التصحيح في السوق العقارية سلوك طبيعي وصحي، بينما غيابه يعد أمراً غير منطقي.
وأوضح أن أي سوق يحتاج إلى مرحلة تصويب تعيد التوازن بين الأسعار والقدرة الشرائية، مؤكداً أن التصحيح يعد أحد أهم أدوات منع تراكم الأزمات وضبط السوق.
وأشار إلى أن القطاع مر خلال الفترة الماضية بحالة ضبابية أثرت على خطط الشركات، لكن تراجع أسعار الفائدة وانخفاض التضخم أسهما في تحسين المشهد ودفع السوق نحو التعافي.
وأضاف أن التطورات الاقتصادية الأخيرة ستعزز خطط الشركات للتوسع وضخ استثمارات جديدة.
عيد: نراهن على التسهيلات.. وعودة خطط السداد الطويلة بديل آمن
قال طارق عيد، الرئيس التنفيذي للمجموعة العربية الكويتية، إن السوق فقد خلال الشهور الماضية شريحة المستثمر السريع الذي كان يتجه للعقار كملاذ آمن أثناء موجات التضخم، ومع تراجع تلك الضغوط لم يعد هذا المستثمر يندفع للشراء كما كان سابقاً، لتبقى القوة الشرائية الحقيقية في يد المستثمر طويل الأجل والمستهلك الفعلي.
وأوضح لـ«البورصة»، أن السوق العقاري يتجه إلى الاستقرار بدعم من ثبات سعر الصرف وتراجع التضخم، ما خلق حالة من الثقة لدى العملاء وثبّت أسعار العقارات عند مستوياتها الحالية.
ولفت إلى شركته ستعتمد بدلاً من تخفيض الأسعار إلى الاعتماد على آليات سداد مرنة تشمل عودة خطط التقسيط الممتدة 10 و12 عاماً، ومقدمات منخفضة أو صفرية.
وأضاف أن القدرة التنافسية للمشروعات باتت تعتمد على العائد الاستثماري لا على الإعلانات أو السعر فقط، موضحاً أن عشوائية التسعير لدى بعض الشركات تسببت في ارتباك قرارات العملاء، في حين تظل الشركات ذات المشروعات المنفذة فعلياً الأكثر قدرة على اكتساب الثقة.
وكشف عن تراجع واضح في المبيعات خلال الربع الأخير من 2025، يمتد حتى مناطق كانت نشطة مثل الساحل الشمالي، نتيجة انحسار المضاربة العقارية واستقرار أسعار الصرف.
وأشار إلى أن التسهيلات التي تمنحها الشركات تحتاج إلى دعم حكومي موازٍ، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وتكاليف البناء، مشدداً على ضرورة توفير آليات سداد ميسرة للأراضي وإعادة النظر في زيادات الأسعار التي فرضت مؤخراً على بعض المناطق.
كما دعا إلى إحياء برامج التمويل العقاري منخفض الفائدة، مؤكداً أن الفوائد الحالية ترفع تكلفة التمويل لدرجة قد تجعل نصف قيمة الوحدة يذهب إلى تكلفة الفائدة في أنظمة السداد الممتدة.
فوزي: خصومات غير معلنة لتحريك المبيعات.. وخفض متوقع العام المقبل
قال فتح الله فوزي، رئيس مجلس إدارة شركة مينا لاستشارات التطوير العقاري، ورئيس لجنة البناء والتشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن السوق العقاري يشهد دورات تصحيح طبيعية، ومن المتوقع أن يبدأ تصحيح جديد مطلع 2026 قد يصاحبه خروج شركات من السوق وعمليات استحواذ من شركات أكبر.
وأوضح لـ«البورصة» أن عدداً من الشركات يقدم حالياً خصومات غير معلنة للعملاء الجادين لتحريك المبيعات، في ظل تحديات أبرزها ضعف القدرة الشرائية وتأخر تسليم بعض المشروعات.
وأكد أن الأسعار الحالية ليست مبالغاً فيها، لأنها تشمل تكلفة التمويل المرتفعة وتضم فائدة السداد ضمن السعر.
وأشار إلى أن أزمة التمويل تمثل التحدي الأكبر، بعدما اضطرت الشركات لمد فترات السداد لـ 8 و10 سنوات، مما خلق ضغطاً تمويلياً كبيراً على المطورين، داعياً إلى تدخل حكومي أكبر لتنظيم السوق على غرار التجربتين السعودية والإماراتية.
ولفت إلى أن عدم استكمال المشروعات يعد من أكبر مشكلات المرحلة الحالية، حيث تسبب في تراجع ثقة العملاء وامتد أثره ليؤثر على صورة السوق المصري خارجياً.
سعد الدين: انخفاض الأسعار مستبعد والخصومات الخاصة المخرج الوحيد
قال أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، إن حجم المعروض خلال العام الحالي أقل بكثير من العام الماضي الذي شهد موجة مبيعات قوية، مما يجعل فرص انخفاض الأسعار ضعيفة للغاية، بل إن السوق أقرب إلى الثبات السعري.
وأوضح أن شائعات انخفاض الأسعار دفعت شريحة كبيرة من العملاء لتأجيل قرارات الشراء، مؤكداً أن الأسعار لا تسجل تراجعاً، بل ربما تشهد زيادات في النصف الثاني من 2026.
وأشار إلى أن بعض الشركات بدأت تقديم خصومات غير معلنة وجدولة خاصة للعملاء الجادين لتحفيز القرار الشرائي، إلا أن التحديات مستمرة، وعلى رأسها ضعف السيولة لدى المواطنين وتراجع ثقة العملاء في بعض المطورين، بجانب ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء.
وأكد أن الأسعار النهائية للوحدات ترتبط مباشرة بمدخلات التطوير التي تشهد زيادات مستمرة تشمل تكلفة العمالة والمواد الخام ومعدلات التضخم.
قال الخبير العقاري محمد مجيد، إن التسهيلات التي تقدمها الشركات أصبحت ضرورة للبقاء في السوق وسط تباطؤ المبيعات وتوجه بعض المستثمرين لسحب سيولتهم لصالح أدوات استثمارية أخرى عقب تراجع الفائدة.
وأكد أن تقدير ما إذا كان السوق على أعتاب تصحيح لا يعتمد فقط على سلوك الشركات، بل على إعادة هيكلة المنظومة العقارية بالكامل، باعتبار القطاع قاطرة تنمية ترتبط بها أكثر من 200 مهنة.
وشدد على ضرورة تبني علوم حديثة لخفض التكلفة دون الإضرار بالجودة، وعلى رأسها “الهندسة القيمية”، وتطوير تصميمات شقق تقلل الهدر في المساحات.
كما دعا إلى تبني مبادئ “العمارة الخضراء” و“الاستدامة” لخفض تكاليف التشغيل والصيانة.
أشار إلى أن مستقبل القطاع يعتمد على أربعة أركان: إطار قانوني عادل، كوادر هندسية مؤهلة، إدارة علمية للتكلفة، ونظام واضح لضبط الجودة.
قال المهندس محمد البستاني، رئيس جمعية المطورين العقاريين والرئيس التنفيذي لشركة منصات العقارية، إن السوق شهد تباطؤاً واضحاً في النصف الثاني من العام، وهو تباطؤ طبيعي بعد موجة النشاط المرتبطة بفترة التعويم.
وأوضح أن التشبع في الطلب نتيجة شراء العملاء بكثافة خلال مرحلة التعويم خلق مرحلة هدوء حالية، كما أدى دخول عدد كبير من الشركات الجديدة إلى زيادة المنافسة وتعزيز جودة التنفيذ وتنويع المنتجات.
وأكد أن الأسعار لن تنخفض خلال الفترة المقبلة، نظراً لارتفاع تكلفة التطوير سواء في مواد البناء أو التشطيبات أو العمالة، موضحاً أن زيادة فترات السداد وتقليل المقدم ساعدت العملاء على الشراء لكنها رفعت تكلفة التمويل على المطورين.








