تشهد مصر مرحلة من التحسن المتسارع فى مؤشرات الاقتصاد الكلي، ما أعاد فتح ملف المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، فى ظل تقديرات دولية ومحلية ترجّح اقتراب القاهرة من استيفاء متطلبات الصرف.
ويؤكد خبراء الاقتصاد والمصرفيون أن تراجع التضخم، وارتفاع الاحتياطى النقدي، وتحسن تدفقات الاستثمار الأجنبي، جميعها عوامل دعمت موقف الحكومة المصرية أمام بعثة الصندوق، ورفعت فرص حصول مصر على الشريحتين المقبلتين قبل نهاية العام الحالي.
وعقد حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، اجتماعًا موسعًا الأسبوع الحالي مع بعثة صندوق النقد الدولى فى إطار المراجعتين، لمناقشة آخر تطورات الأداء الاقتصادى والإصلاحات المالية والمؤسسية والتجارية الجارية.
وأكد الوزير، أن المؤشرات الأخيرة تعكس تسارع وتيرة التحسن بما يفوق توقعات المؤسسات الدولية، مدعومة بإجراءات إصلاحية أكثر انضباطًا.
ورفع صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الحالي إلى 4.5% بدلًا من 4.1% سابقًا، مع توقع انخفاض التضخم إلى 11.8% بحلول 2026، بينما توقع الصندوق متوسط سعر الصرف عند 51.48 جنيه للدولار خلال الفترة المقبلة.
أبوالفتوح: المؤشرات الاقتصادية تدعم احتمالات الصرف.. لكن بعض البنود لاتزال متباطئة
قال هاني أبوالفتوح الخبير المصرفي، إن التقارير الحديثة الصادرة عن صندوق النقد الدولي تشير إلى أن المؤشرات الاقتصادية الحالية توفر أساسا لدعم احتمالات صرف الشريحتين الخامسة والسادسة ضمن برنامج التعاون بقيمة 8 مليارات دولار.
وأضاف لـ «البورصة»، أن بعثة الصندوق أبدت تقييما إيجابيا للتقدم فى برنامج الإصلاحات خلال الاجتماعات التى انطلقت الشهر الحالي، مشيرا إلى أن صرف الدفعتين يظل مرهونا باستكمال المراجعتين بنجاح، مع التركيز على استمرار التنفيذ الفعلى للإصلاحات الهيكلية المطلوبة.
وتوقع أبوالفتوح، استمرار المناقشات بين الجانبين خلال الأسبوعين المقبلين بهدف التوصل لقرار نهائي قبل نهاية العام، موضحا أن أهم المؤشرات الداعمة تتضمن نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.3% خلال الربع الأول من العام المالي 2025-2026، بالإضافة إلى تقدم فى مجالات الاستثمار والتجارة الخارجية من خلال تعزيز دور القطاع الخاص وتسريع التحول الرقمي لتحسين الكفاءة والشفافية، كما أسهم الدعم الخارجي فى تحسين السيولة الأجنبية وانخفاض التضخم تدريجيا.
ولفت أبوالفتوح، إلى أن بعض البنود لاتزال تشهد تباطؤا فى التنفيذ، أهمها الإصلاحات غير الضريبية المرتبطة بتقليل الأعباء الإدارية، وتحقيق مستويات أعلى من الشفافية فى الجهاز الإداري، بالإضافة إلى تحديات فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كامل وتحقيق توازن أفضل فى الميزان التجاري.
كما لفت إلى أن نتائج الربع الأول من العام المالي 2025/ 2026 تجاوزت بعض توقعات صندوق النقد الدولي، إذ بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 5.3%، مقارنة بتوقعات سابقة بنسبة 4.3% لعام 2025 بشكل عام، مدعوما بتحسن فى الاستهلاك والاستثمارات.
أيضا حدث انخفاض جزئي في التضخم، يتوافق مع توقعات الصندوق بانخفاضه إلى 20.4% لعام 2025، مع تحسن فى السياسات النقدية، ومع ذلك لم يتم تحقيق التقدم الكامل فى بعض الإصلاحات الهيكلية، مثل تقليل العجز المالي الذى كان متوقعًا أن ينخفض تدريجيًا.
وأشار أبوالفتوح، إلى أن صندوق النقد يتوقع استمرار التحسن التدريجي فى النصف الثاني من العام المالي 2025- 2026 مع نمو اقتصادي يصل إلى 4.5% للعام بأكمله، مقارنة بتوقعات سابقة بنسبة 4.3% لعام 2025 يشمل ذلك انخفاض التضخم إلى مستويات أقل.
كما من المتوقع تراجع العجز فى الميزان الجاري، وزيادة جذب الاستثمارات الأجنبية، شريطة استمرار تنفيذ الإصلاحات وإكمال المراجعتين الخامسة والسادسة بنجاح، مؤكدا أن تلك التوقعات تخضع لتأثيرات خارجية محتملة، مثل الظروف الجيوسياسية والعالمية.
بدرة: الدولة تسير وفق إجراءات واضحة فى إصلاحات الهيكل المالي أو السياسات الداعمة للنمو
وقال مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي، إن المؤشرات الاقتصادية المحققة خلال عام 2025، تعكس تطورا ملحوظا فى أداء الاقتصاد المصري، وعلى رأسها الارتفاع المستمر فى الاحتياطي النقدي الأجنبي.
أضاف لـ«البورصة»، أن الاحتياطي تجاوز حاجز 50 مليار دولار، وهو أولى الإشارات الداعمة لثقة المؤسسات الدولية فى قدرة الاقتصاد على التعافي.
وأوضح بدرة، أن زيادة موارد الدولة من العملات الأجنبية جاءت بدعم من عدة قطاعات رئيسية، تشمل السياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج، بالإضافة إلى توقعات بتحسن إيرادات قناة السويس، مشيراً إلى أن هذه المؤشرات مجتمعة أسهمت في تعزيز موقف مصر التمويلي أمام صندوق النقد الدولي.
وأشار إلى وجود تحسن واضح فى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وهو ما انعكس إيجابيا على قرار بعثة صندوق النقد بشأن صرف الشريحتين الخامسة والسادسة من برنامج الإصلاح، بإجمالى يقترب من 2.6 مليار دولار.
ولفت بدرة، إلى أن السياسات المالية التى اتخذتها وزارة المالية، وعلى رأسها تيسيرات الجمارك والضرائب والتوسع فى منظومة الشبكة الإلكترونية، دعمت كذلك قرار الصندوق باستكمال صرف الدفعات.
أضاف أن معدل التضخم أصبح محجما عند مستوى 12.5% وفق آخر بيانات معلنة، مشيرا إلى أن بيانات شهر نوفمبر سيتم الإعلان عنها خلال أيام، لكنه توقع استمرار وتيرة التراجع مع تحسن المعروض وزيادة الاستقرار النقدي.
قال بدرة، إن الاقتصاد سجل معدل نمو تجاوز 5%، وهو ما يتسق مع المستهدفات المعلنة خلال توقعات العام المالي الحالي.
أضاف أن الدولة نفذت عددا من الإجراءات الهيكلية التي طالب بها الصندوق، من بينها تحريك الدعم على بعض الشرائح خصوصا المواد البترولية، بما يعزز كفاءة توجيه الموارد.
كما تم إنشاء وحدة خاصة لإدارة الشركات الحكومية تابعة لرئيس الوزراء، بهدف تحسين الحوكمة والإدارة، متوقعا بدء عملها بشكل فعلي خلال شهر أو شهرين، وهو ما يعد خطوة أساسية فى ملف إصلاح القطاع العام.
وتابع: “الدولة تسير وفق طلبات وإجراءات واضحة تلبي متطلبات صندوق النقد، سواء فى إصلاحات الهيكل المالي أو السياسات الداعمة للنمو”.
شفيع: إجراءات الضبط المالي للموازنة تتخذ مسارا إيجابيا
وقال مصطفى شفيع الخبير الاقتصادي، إن المؤشرات التى حققتها مصر تعزز فرص انتهاء بعثة صندوق النقد الدولي من المراجعتين الخامسة والسادسة وصرف الشريحة المرتقبة، مشيرا إلى أن الصندوق نفسه أشاد بخطوات الإصلاح الاقتصادي التى نفذتها الحكومة.
أضاف أن الصورة الكلية للاقتصاد المصري باتت أكثر وضوحا أمام بعثة الصندوق، وأهمها معدلات التضخم التى تسير فى اتجاه تنازلي رغم الارتفاع الأخير المرتبط بتحريك أسعار المحروقات، فضلا عن استقرار سعر الصرف وهو ما يعد عاملا داعما لموقف مصر فى المراجعة.
وأوضح شفيع، أن إجراءات الضبط المالي للموازنة مثل تعديل أسعار المحروقات وإعادة هيكلة الدعم تسير فى مسار إيجابي، فضلا عن التحسن الملحوظ فى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وأكد أن تحسن تلك المؤشرات يدعم خطة الانتهاء من المراجعتين بنهاية ديسمبر الحالي.
قال شفيع، إن توقعات صندوق النقد بوصول معدلات التضخم إلى 11.8% خلال 2026، يمكن تحقيقها وربما أقل، مؤكدا أن غياب محركات تضخمية جديدة يجعل الهدف أكثر قابلية للتحقق.
أضاف أن الصندوق يتفهم بعض البنود التى تشهد تباطؤا نسبيا، وخاصة للجدول الزمني المرتبط بالطروحات الحكومية، وفق ما أعلنته الحكومة.
وتوقع أن يشهد عام 2026 خطوات مباشرة فى هذا الاتجاه، سواء فيما يتعلق بطرح بنك القاهرة أو بعض الشركات التى تديرها جهات حكومية مختلفة.
غنيم: تطورات الاحتياطي الأجنبي تتزامن مع طفرة فى المشروعات القومية
وقال أيمن غنيم، أستاذ الإدارة والخبير الاقتصادي والقانوني، إن الدولة المصرية دخلت مرحلة جديدة من الانضباط الاقتصادي، تظهر بوضوح فى تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، بدءا من النمو، مرورا بالموازنة العامة، وصولا إلى استقرار الأسواق، وهى مؤشرات مهدت لها إصلاحات حقيقية فى المالية العامة والسياسة النقدية.
وأضاف لـ «البورصة»، أن نمو الاقتصاد المصري إلى 4.5% فى 2025- 2026 يدعم الإصلاحات الهيكلية، وتوسع الأنشطة الإنتاجية، فضلا عن أن الدولة تعمل على تعزيز القطاعات القابلة للتصدير وتحسين مناخ الاستثمار.
وأوضح غنيم، أن السياسة النقدية التي يقودها البنك المركزي لعبت دورا فى تثبيت الأسواق عبر تحرير سعر الصرف، وضبط السيولة، ورفع جاذبية الجنيه أمام المستثمرين، ما أسهم فى خفض التضخم إلى 12.5% فى أكتوبر 2025 بعد أن تجاوز 35% فى ذروته خلال 2023.
ولفت إلى أن الاحتياطى النقدي الأجنبي وصل إلى 50.2 مليار دولار وهو أعلى مستوى فى تاريخ مصر، ما يعكس تحسن تدفقات النقد الأجنبى من الاستثمار والصادرات والسياحة، ويمنح الاقتصاد قدرة أكبر على امتصاص الصدمات العالمية.
كما تراجع عجز الموازنة من 13.9% من الناتج المحلى فى 2013 إلى مستهدف 7.2% فى موازنة 2025/2026، بينما تستهدف الدولة تحقيق فائض أولى 4%، وهو من أعلى الفوائض فى الأسواق الناشئة ويعكس ضبط الإنفاق وتحسين الإيرادات.
أشار غنيم، إلى أن هذه التطورات تتزامن مع طفرة فى المشروعات القومية التى أصبحت محركا للنمو، سواء فى النقل، أو الطاقة، أو البنية التحتية، مضيفا أن هذه المشروعات لم تبن لرفع الكفاءة فقط، بل لخلق بيئة استثمارية تخدم المستثمر المحلي والأجنبى وتعيد توزيع فرص العمل.
وأوضح أن الحوافز الاستثمارية التى أقرتها الدولة من إعفاءات ضريبية، وتسريع التراخيص، وتسهيل تملك الأراضى الصناعية تتكامل مع جهود الإصلاح فى جعل مصر واحدة من أكثر الوجهات جاذبية للاستثمار فى المنطقة، خاصة مع دخول مشروعات استراتيجية فى مراحل التشغيل الكامل.
وأكد أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أصبحت نموذجا واضحا لنجاح هذا التوجه، إذ ارتفعت الاستثمارات بها بنسبة تتجاوز 18% خلال العام الماضى، مع توسع مشروعات الهيدروجين الأخضر والصناعات الثقيلة والخدمات اللوجستية، ما يعزز قدرة مصر على أن تصبح عقدة مركزية لسلاسل الإمداد العالمية.
رفيق: صعود مؤشر مديري المشتريات يعكس تحسنا ملحوظا فى نشاط القطاع الخاص
وقال مينا رفيق، محلل أسواق المال، إن القراءة الأخيرة لمؤشر مديري المشتريات سجلت 51.1 نقطة، وهو أعلى مستوى يبلغه الاقتصاد المصرى منذ نحو 5 سنوات، بعدما ظل المؤشر لفترة طويلة دون المستوى المحايد البالغ 50 نقطة.
أضاف لـ«البورصة»، أن صعود المؤشر إلى المنطقة الإيجابية يعكس تحسنا ملحوظا فى نشاط القطاع الخاص، ويتوقع أن ينعكس مباشرة على معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى.
وتابع رفيق، أن استقرار سعر الصرف أسهم فى دعم عدة مصادر رئيسية للعملة الأجنبية، فضلا عن ارتفاع إيرادات السياحة، وزيادة الاستثمارات الخليجية، بالإضافة إلى الانتعاش الملحوظ فى المشروعات الساحلية الجديدة التى ضخت سيولة قوية فى السوق.
وأشار إلى أن هدوء التوترات الجيوسياسية يرجح أن يدعم تعافي إيرادات قناة السويس تدريجيا.
أوضح رفيق، أن تحسن التصنيف الائتماني لمصر يمثل أحد المؤشرات المهمة التى أشاد بها صندوق النقد الدولي مؤخرا.
ورغم بقاء التصنيف عند مستوى “B”، إلا أن النظرة المستقبلية شهدت تحسنا واضحا، وهو ما يعزز ثقة المؤسسات الدولية فى قدرة الاقتصاد على التعافى.
وذكر أن معدلات التضخم الحالية عند مستوى 12% تقريبا تسير فى اتجاه هبوطي، ومن المتوقع أن تستمر فى الانخفاض مع انتهاء تأثير القرارات الصعبة الخاصة برفع أسعار البنزين والسولار.
ورجح الوصول إلى توقعات صندوق النقد الخاصة بتراجع التضخم إلى نحو 11% فى 2026، مدعوماً بتحسن المعروض واستقرار الأسواق.
كما توقع رفيق أن يحقق الاقتصاد معدل نمو يقترب من 5% للعام المالي ككل، مع استمرار الانخفاض التدريجى فى التضخم، موضحا أن السياسة النقدية تتجه نحو مزيد من التيسير، مع توقعات بخفض أسعار الفائدة، وهو ما قد يؤثر على التضخم بصورة طفيفة.








