في توقيت حاسم يشهد فيه الاقتصاد المصري محاولات جادة لتعزيز الثقة مع مجتمع الأعمال وتوسيع القاعدة الضريبية، تطرح وزارة المالية «الحزمة الثانية» من التيسيرات الضريبية، استكمالًا لمسار الإصلاح الهادف إلى تخفيف الأعباء عن الممولين، وتشجيع الالتزام الطوعي، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، دون الإخلال بحقوق الخزانة العامة.
وفي هذا الإطار، فتحت «البورصة» ملف الحوار المجتمعي حول الحزمة الجديدة، ورصدت آراء عدد من خبراء الضرائب والاستشارات، الذين قدموا رؤى وملاحظات تستهدف تعظيم أثر التيسيرات المقترحة، وضمان تطبيقها بصورة عادلة ومتسقة على أرض الواقع.
رويشد: تسعير مقابل التأخير الحالي يخل بالعدالة الضريبية
قال صالح رويشد، الشريك الرئيسي للضرائب بمكتب «حازم حسن – KPMG»، إن وزارة المالية ومصلحة الضرائب بذلتا جهودًا ملموسة خلال الفترة الأخيرة عبر طرح حزم متتالية من التسهيلات الضريبية، تمثل خطوة جوهرية نحو ترسيخ مبادئ العدالة الضريبية، وتعكس رؤية واعية لتهيئة مناخ استثماري أكثر جذبًا، وتخفيف الأعباء عن الممولين، وتشجيع الالتزام الطوعي، إلى جانب دعم دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية.
وطالب رويشد بإدراج عدد من النقاط الجوهرية ضمن الحزمة الجديدة، على رأسها إعادة النظر في سعر الائتمان والخصم المستخدم في احتساب مقابل التأخير، بما يحقق التوازن بين حقوق الخزانة العامة وحقوق الممولين، ويتسق مع المستجدات الاقتصادية والسياسة النقدية للدولة.
وأوضح أن القوانين الضريبية الحالية تنص على احتساب مقابل التأخير وفق سعر الائتمان والخصم المعلن من البنك المركزي في أول يناير من كل عام، ويطبق على مدار السنة الضريبية، مشيرًا إلى أن البنك المركزي خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات متتالية خلال العام الجاري، بما يعكس تغيرًا جوهريًا في تكلفة الأموال وتوجهًا واضحًا لدعم النشاط الاقتصادي.
وأشار إلى أن الاستمرار في احتساب مقابل التأخير وفق سعر 27.5% المعمول به منذ بداية العام، رغم تراجع أسعار الفائدة فعليًا، يفرض أعباء مالية لا تعكس الواقع الاقتصادي، ويخلق عدم توافق بين السياسة الضريبية والنقدية، ويخل بمبدأ العدالة الضريبية.
وأكد أن خفض سعر الائتمان والخصم من شأنه تخفيف الأعباء غير المبررة عن الممولين، وتشجيع السداد الطوعي، وتقليل المنازعات الضريبية، بما يعزز الثقة بين الممولين والإدارة الضريبية.
وفي سياق متصل، دعا رويشد إلى اعتبار علاوة الإصدار جزءًا من رأس المال عند المقارنة بين حقوق الملكية والقروض، في ظل السياسة الضريبية والاقتصادية الحالية للدولة، التي تستهدف تقليل الاعتماد على التمويل بالقروض وتشجيع التمويل الذاتي.
وأوضح أن الدولة قدمت حوافز ضريبية للشركات التي قام مساهموها بضخ أموال جديدة بالدولار من مواردهم الذاتية، دعمًا للاحتياطي النقدي وتعزيزًا للمراكز المالية، بما يعكس فلسفة تشريعية تشجع التمويل الذاتي.
وأشار إلى أن القواعد الحالية تشترط لاعتماد الفوائد المدينة كمصروف واجب الخصم، مقارنة متوسط القروض بمتوسط حقوق الملكية بنسبة 3 إلى 1، وفي حال كانت حقوق الملكية سالبة تتم المقارنة برأس المال المدفوع فقط، متسائلًا عن أسباب استبعاد علاوة الإصدار من هذا الحساب.
وأكد أن علاوة الإصدار تمثل أموالًا حقيقية ودائمة ضخها المساهمون، وغير قابلة للاسترداد، وتُعد وفق قانون الشركات والمعايير المحاسبية جزءًا من حقوق الملكية، وتُعامل عند التصفية معاملة رأس المال المدفوع.
وشدد على أن استبعادها يؤدي إلى نتائج ضريبية غير عادلة، ويضعف الحوافز أمام المساهمين لضخ أموال جديدة، بما يتعارض مع توجهات الدولة التمويلية.
نصر: فصل تسعير المعاملات دون تطوير الفحص يزيد النزاعات
من جانبه، رأى حسام نصر، شريك الضرائب بمكتب «إرنست أند يونج»، أن استمرار وزارة المالية ومصلحة الضرائب في طرح حزم جديدة من التيسيرات يعكس تبني سياسة ضريبية مرنة وقادرة على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية.
وأشار إلى أن فصل ملفات تسعير المعاملات عن الفحص التجاري قد يبدو منظمًا نظريًا، لكنه يفتقد للواقعية التطبيقية، محذرًا من أن التركيز على الهيكل دون تطوير آليات الفحص يتجاهل جوهر المشكلة المرتبط بقدرة المنظومة الضريبية على اكتشاف ممارسات نقل الأرباح.
وأوضح أن بعض المجموعات تلجأ إلى تحميل الشركات المحلية بالخسائر عبر تسعير داخلي منخفض، مقابل تحقيق أرباح مرتفعة لشركات شقيقة في مناطق حرة أو ذات خضوع ضريبي أقل، بما يمثل حالة واضحة من نقل الأرباح.
وأكد أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الفاحص الضريبي على رصد هذه الممارسات، في ظل تفاوت مستويات الخبرة الفنية بين المأموريات، بل وأحيانًا داخل المأمورية الواحدة.
اقرأ أيضا: “المالية” تبدأ الحوار المجتمعي حول الحزمة الثانية للتسهيلات الضريبية
وأضاف أن ملفات تسعير المعاملات بطبيعتها تقديرية، وقد تخرج بنتائج متباينة باختلاف القائم على الفحص، ما يزيد من فرص النزاع، في ظل محدودية الكوادر المؤهلة وصعوبة إعداد عناصر جديدة في هذا المجال شديد التعقيد.
وطالب نصر بإنشاء لجنة متخصصة لتوحيد معايير الفحص الضريبي وتسوية المنازعات، تتولى مراجعة التفسيرات المختلفة وضمان جودة التطبيق، بدلًا من ترك كل مأمورية تجتهد منفردة في تفسير القوانين والحزم التشريعية.
وأشار إلى أن تراجع صدور التعليمات التنفيذية والتفسيرية الواضحة أسهم في اتساع دائرة الخلافات، مؤكدًا أن جوهر الأزمة لا يرتبط بنصوص التشريعات بقدر ما يرتبط بكيفية تطبيقها.
كما شدد على أن قانون ضريبة الدخل الحالي، الصادر منذ نحو 20 عامًا، لم يعد يعكس التحولات الجوهرية في بيئة الأعمال، خاصة مع بروز الأنشطة الرقمية ونماذج الأعمال المستحدثة.
العادلي: التيسيرات الضريبية تحتاج تشريعات ملزمة وآليات واضحة
وفي السياق ذاته، رحب عبدالله العادلي، عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للتشريع الضريبي ورئيس قطاع الضرائب بمكتب «مور إيجيبت للاستشارات»، بالحزمة الثانية من التيسيرات الضريبية، معتبرًا إياها خطوة مهمة لبناء الثقة بين مصلحة الضرائب والمجتمع الضريبي.
وأكد أن نجاح هذه التيسيرات مرهون بإصدار تشريعات واضحة وآليات تنفيذ ملزمة، تضمن التطبيق الموحد دون اجتهادات متباينة داخل المصلحة.
وشدد على ضرورة نقل فلسفة التيسيرات إلى المستويات التنفيذية الأدنى، محذرًا من صدور تعليمات لاحقة تُفرغها من مضمونها، كما حدث في بعض التعليمات السابقة.
وأشار العادلي إلى أن من بين النقاط الجوهرية التي يجب أن تتضمنها الحزمة الجديدة، النص صراحة على إجراء المقاصة بقوة القانون بين الأرصدة الدائنة والأرصدة المدينة للممولين، مع إضافة نص واضح يضمن وقف احتساب غرامات التأخير فور ظهور رصيد دائن للممول في أي تاريخ خلال فترة المحاسبة.
كما طالب بتطبيق تيسيرات إنهاء النزاعات الضريبية عن السنوات السابقة بصورة شاملة، مع إقرار أحقية الممولين في استرداد الضرائب المحصلة بالزيادة تحت حساب الخصم من المنبع، حال التصالح أو إنهاء النزاع ووجود رصيد دائن، بما يضمن رد المستحقات الزائدة عن الضريبة الواجبة الأداء.
