تتدافع صناديق التحوط وشركات التداول إلى أسواق السلع والخامات في إطار سعيها للبحث عن مصادر جديدة للإيرادات، على الرغم من افتقارها للخبرة والمعلومات المتراكمة منذ عقود، كالتي تمتلكها شركات التداول السلعية الراسخة مثل “ترافيجورا” و”فيتول”.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” إن الشركات المالية لديها تاريخ طويل في عقود تداول الطاقة، والغاز الطبيعي، والنفط الخام، لكن صناديق التحوط مثل باليانزي، و”جين جلوبال”، و”كوبي”، علاوة على شركة التداول “جين ستريت”، شرعت في توسيع عملياتها بما يتيح لها التداول في أسواق السلع الأساسية، وهو الأمر الذي يزيد من درجات انكشافها على تقلبات الأسعار العالمية.
وأشارت إلى أن تداولاتها اشتملت حقوق نقل الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب الناقلة له، وشراء سعات ومنشآت تخزين للنفط الخام، وتخزين الكهرباء في البطاريات المتطورة قبيل إعادة إطلاقها مجدداً خلال ساعات ذروة الطلب عليها. فالتداول في تلك الأسواق يمكن أن يتيح ميزة معلوماتية للمشاركين في الأسواق.
ويرى رئيس الاستثمار في صندوق تحوط “جالو بارتنزز”، الذي يركز على الطاقة والصناعة، “إنه اندفاع محموم نحو الحصول المعلومات. فعندما تتداول السلع المادية، تكون على اطلاع واسع بكم هائل من المعلومات، وتكون لديك دراية عما يدور فعلياً من تحولات اقتصادية قبل أن تصلك البيانات الفعلية.”
كما أن صندوق تحوط “باليازني”، الذي يدير عدداً من الصناديق الاستثمارية، قام بتوسيع فرق تداول الطاقة والباحثين التابعين له في أوروبا، وذلك من خلال الاستعانة بخبرات من شركات المرافق مثل “سنتريكا” و”نوريلز”، كما أضاف في قائمته متداولين في الغاز الطبيعي.
وخلال العام الجاري، استحوذ صندوق التحوط “جين جلوبال” على شركة “أناهاو إنيرجي”، المتخصصة في خدمات الغاز الطبيعي، ويتداول بنشاط ملحوظ حالياً في ذلك القطاع.
وتحرك صندوق التحوط الكمي “كوبي” داخل سوق الطاقة المادية في القارة الأوروبية من خلال الشركة التابعة له “فولتا”، التي قامت بدورها بالانضمام إلى “نيبول”، وهي مجموعة استشارية تساعد في صياغة قواعد سوق الطاقة المادية في ست ولايات أمريكية.
وقد انضم تسعة متداولين على الأقل في الغاز الطبيعي والطاقة إلى صندوق “كيوب” منذ عام 2024، وفق بيانات منشورة على موقع “لينكد إن”.
وألهمت الأرباح الضخمة، التي جنتها شركات التداول مثل “ترافيجورا” و”فيتول”، صناديق التحوط للاندفاع إلى أسواق السلع المادية. وتمكن صندوق تحوط “سيتادل” من حصد إيرادات ضخمة في عام 2022، في ضوء التقلبات السعرية التي طرأت على أسعار الغاز الطبيعي التي فتحت أبواب السعد والثروات لكبار المتداولين، ولاسيما في أوروبا.
ولفترات طويلة، استثمر “سيتادل” في أصول الطاقة من أجل مساعدة أنشطة التداول لديه، لكن هذا العام بالتحديد انغمس صندوق التحوط في صفقات متعددة وضخمة؛ ففي مارس استحوذ على “بالوما ناتشورال جاز”، التي أُعيد تسميتها فيما بعد “أبيكس ناتشورال جاز”، في لويزيانا بقيمة 1.2 مليار دولار.
وفي أكتوبر، اشترى صندوق “سيتادل” شركة “فليكس باور” الألمانية لتداول الطاقة، التي لديها فرع تابع لها يتولى تطوير مشروعات بطاريات تخزين طاقة واسعة النطاق.
وقبل فترة قليل، وافقت “أبيكس” على إبرام صفقتين متختلفتين لشراء أصول غاز طبيعي في تكساس ولويزيانا، حسب مصدر مسؤول قريب الصلة بالأمر. وقد امتنع المتحدث الرسمي للصندوق عن التعليق لـ”فاينانشيال تايمز”.
تشير الصحيفة إلى أن هذا العام كان أكثر هدوءاً بالنسبة لصناديق التحوط وشركات التداول مقارنة بعام 2023، حيث تم تداول السلع الأساسية مثل النفط والغاز في نطاقات أضيق.
يمثل الاستثمار في السلع المادية مصدراً للدخل الإضافي بالنسبة لصناديق التحوط الكبيرة التي تسعى لتعزيز استثماراتها. فالعائدات المحتملة من سنوات التقلبات الشديدة، مثل عام 2022 الذي شهد الغزو الروسي لأوكرانيا، تفوق فترات انخفاض العائدات.
وينتفع تجار السلع المادية من الارتفاعات الحادة للطلب التي تتمكن صناديق التحوط من التنبؤ بها من خلال تقارير الطقس المتطورة وغيرها من البيانات التي تتوافر لديها.
وقال مسؤول تنفيذي في صندوق تحوط كبير إن الطاقة الكهربائية، بصفة خاصة، تمثل فرصة استثمارية مربحة لصناديق التحوط، نظراً لقدرتها على استخدام التقنيات والأدوات التحليلية لتوقع طلب المستهلكين على الطاقة في الولايات الأمريكية والبلدان الأوروبية.
ويقول الشريك الإداري في صندوق “بينتاثلون انفستمنتس” في نيويورك، إيليا بوتشويف، إن اللاعبين الماليين كانت ميالة أكثر لاستئجار البطاريات أو إبرام عقود تتضمن خيارات أخرى بدلاً من امتلاك أصول البطاريات المادية.
وأضاف: “هذا يحاكي كيفية إدارة العمل في أنشطة تخزين النفط لمدة عقود فالبطاريات لازالت تمثل شكلاً جديداً من أنماط التخزين”، غير أن ذلك يتطلب اتخاذ قرارات مخاطرة في مجالات بعيدة عن الخبرات التقليدية لصناديق التحوط.
وكانت شركة إدارة صناديق التحوط “أمارانث” قد تعرضت لانهيار كارثي في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، في أعقاب التجربة التي خاضتها في أسواق السلع المادية. إذ تخلت الشركة عن الاستثمار في السندات القابلة للتحويل، وتسبب ذلك في خسارة نسبتها 35% من رأس مالها الاستثماري البالغ 7.5 مليار دولار في رهانات خاسرة على الغاز الطبيعي، رغم أن تلك الصفقات نفذتها باستخدام عقود المشتقات المالية بدلاً من الصفقات المالية.
وأبدى مسؤول تنفيذي في صندوق تحوط كمي كبير، يتداول السلع ولكنه لا يتواجد في الأسواق المادية الأساسية، دهشته وتساؤله حيال كيفية قيام صناديق التحوط بمنافسة شركات التداول الكبرى مثل “فيتول” وترافيجورا”، و”جونفور”، فضلاً عن الشركات العملاقة مثل “بي بي” و”شل”.








