تراجعت استثمارات الشركات القيادية بالبورصة المصرية والمكونة للمؤشر الرئيسي بنحو 53.6% خلال أول 9 أشهر من العام الجاري، وفقًا لمسح أجرته «البورصة» على 18 شركة ضمن المؤشر، لتسجل إجمالي استثمارات بقيمة 54.38 مليار جنيه خلال الفترة الماضية، مقارنة بنحو 117.16 مليار جنيه خلال الفترة المناظرة من العام الماضي.
وفي الوقت الذي سجلت فيه أسعار الفائدة عدة تخفيضات متتالية خلال 2025، كان من المتوقع أن تتجه الشركات المقيدة بالمؤشر الرئيسي EGX30 إلى زيادة استثماراتها على المشاريع والتوسعات الرأسمالية، إلا أن الأرقام كشفت مسارًا مختلفًا تمامًا.
وحافظت أغلب الشركات الكبرى على سياسة التحوط وإدارة السيولة عبر ضخ جزء كبير من استثماراتها في أذون الخزانة والأدوات المالية منخفضة المخاطر، على الرغم من تزايد الإنفاق على الأصول والبنية التشغيلية لدى قطاعات العقارات والاتصالات والاستهلاك، مقابل توسعات محدودة ظهرت فقط في كيانات التكنولوجيا.
وتصدر المشهد مجموعة طلعت مصطفى باستثمارها نحو 10 مليارات جنيه في ودائع لأجل وأصول بالتكلفة المستهلكة خلال التسعة أشهر الماضية، كما استثمرت فوري لتكنولوجيا المعلومات حوالي 1.1 مليار جنيه في أذون الخزانة.
زهير: جاذبية عوائد أذون الخزانة تعزز استثمار الشركات في أدوات الدخل الثابت
وقالت آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال، إن استمرار الشركات المدرجة في توجيه جزء كبير من استثماراتها نحو أذون الخزانة وأدوات الدخل الثابت خلال النصف الأول من 2025 يعود بصفة رئيسية إلى جاذبية العوائد المستقرة مقارنة بالعائد المتوقع من التوسعات التشغيلية.
وأوضحت أن الفترة الماضية شهدت وضوحًا أكبر في اتجاه الفائدة نحو الخفض، إلا أن معظم الخطط التوسعية لم تكن جاهزة للتنفيذ مطلع العام، خاصة مع انتهاء السنة المالية ووجود حالة ترقب لمسار الفائدة الجديد.
وأضافت أن عدداً كبيراً من الشركات فضّل الحفاظ على استثمارات آمنة ومتوقعة العائد إلى حين اتضاح الرؤية بالكامل خلال 2026.
وأشارت إلى أن الاستثمار في أذون الخزانة يظل خيارًا جاذبًا مع استقرار الرؤية الاقتصادية، وترقب مزيد من خفض الفائدة، ما يعزز العوائد المتوقعة من أدوات الدخل الثابت على المدى القصير مقارنة بالتوسعات التشغيلية التي تحتاج إلى رؤية طويلة الأجل.
وتوقعت زهير أن يشهد عام 2026 خفضًا إضافيًا في الفائدة يتراوح بين 4 و6%، ما سيدعم بدء بعض الشركات في تنفيذ توسعات جزئية خلال النصف الثاني من العام، بينما تتجه الانطلاقة التوسعية الأكبر إلى عام 2027 مع اكتمال خفض الفائدة واستقرار مؤشرات الاقتصاد.
ومع استمرار جاذبية العائد الخالي من المخاطر خلال العام الجاري، تتسق رؤية زهير مع تقديرات محللين آخرين يرون أن السيولة ستظل مائلة نحو أدوات الدين حتى يأخذ مسار الفائدة اتجاهاً هبوطياً أكثر وضوحًا.
وعلى الرغم من أن أغلبية الشركات رفعت استثماراتها، إلا أن الهبوط في حجم الإنفاق الاستثماري للشركات الأخرى دفع الإنفاق الإجمالي للتراجع، حيث إنه وفقًا للمسح سجلت 11 شركة نموًا في حجم إنفاقها مقابل انخفاض الإنفاق في 7 شركات منهم طلعت مصطفى والمصرية للاتصالات صاحبا أكبر تراجع من حيث القيمة.
شفيع: العائد الخالي من المخاطر ما زال جاذبًا والسيولة تفضّل أدوات الدين
ومن جانبه قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن تفضيل الشركات والمستثمرين توجيه السيولة نحو أذون الخزانة وأدوات الدين خلال الفترة الماضية يُعد نتيجة طبيعية لمناخ اقتصادي اتسم بارتفاع الفائدة والضبابية، ما جعل العائد الخالي من المخاطر خيارًا أكثر أمانًا وربحية مقارنة بالإنفاق الرأسمالي.
وأوضح أن العائد على أذون الخزانة خلال العام الماضي بلغ في بعض الطروحات ما بين 30% و32% قبل الضريبة، فيما تتراوح متوسطات العائد حاليًا بين 25% و26.5%، ما يعادل نحو 20% إلى 21% بعد الضريبة، مشيرًا إلى أن هذه المستويات تُعد مرضيّة للغاية للمستثمر، وتوازي في كثير من الأحيان العائد الذي قد يحققه من نشاطه التشغيلي ولكن بدون أي مخاطر.
وأضاف شفيع أن ارتفاع التضخم وتذبذب سعر الصرف عالميًا ومحليًا عزز توجه رؤوس الأموال نحو أدوات الدين منخفضة المخاطر، مشيرًا إلى أن المستثمرين رأوا أن انتظار استقرار الأوضاع أولاً هو خيار أفضل من الدخول في توسعات تعتمد على دراسات جدوى طويلة الأمد في وقت غير واضح المعالم.
وأشار إلى أن جاذبية العوائد المرتفعة لعبت دورًا محوريًا في جذب المستثمر الأجنبي أيضًا، إذ ارتفعت استثمارات الأجانب في أدوات الدين خلال العام الجاري إلى نحو 42 مليار دولار، مدفوعة بعائد حقيقي يُقدّر بنحو 8.5% إلى 9%، ما يمثل فوزًا مزدوجًا للدولة والمستثمر على حد سواء.
وأكد شفيع أن أدوات الدين تمنح المستثمر سيولة مرتفعة وإمكانية التخارج الفوري من خلال السوق الثانوي، ما يعزز قرار توجيه الفائض النقدي إليها، مقابل تأجيل خطط التوسع التي تتطلب رؤية طويلة الأجل وتمويلًا بتكلفة ما زالت مرتفعة.
ورجّح أن يستمر هذا التوجه ما دامت الفائدة عند مستوياتها الحالية، مضيفًا أنه كلما ظلت الفائدة مرتفعة، ستظل أدوات الدين جاذبة لجزء كبير من رؤوس الأموال.
وأضاف أن بعض الشركات ترى أن الطاقة الإنتاجية الحالية كافية، وبالتالي لا تجد مبررًا لضخ استثمارات توسعية إضافية في ظل غياب نمو قوي في الطلب.
وتوقع شفيع أن يبدأ المشهد في التغير خلال النصف الثاني من 2026 أو نهايته، مع بدء الفائدة في اتخاذ مسار هبوطي أكثر وضوحًا، ما سيدفع المستثمرين إلى إعادة تدوير فوائضهم النقدية داخل أنشطتهم الصناعية والزراعية والسياحية، وهي القطاعات الأكثر ارتباطًا بالإنفاق الرأسمالي.
ومع اقتراب الفائدة من نقطة تحول أكثر وضوحًا، تبدو الشركات في مرحلة إعادة تقييم لخياراتها الاستثمارية بين الانتظار أو التحرك التدريجي. فبينما تُظهر البيانات استمرار الميل نحو أدوات الدخل الثابت خلال 2025، يرى محللون أن دورة التيسير النقدي الممتدة خلال العام الجاري والمقبل قد تعيد تشكيل توجهات الشركات، خصوصًا مع تحسن مستويات السيولة وعودة القدرة الشرائية تدريجيًا.
عبدالنبي: خفض الفائدة سيغير من خطط الشركات الاستثمارية
وقال أحمد عبدالنبي رئيس قسم البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية، إن معدلات الفائدة خلال الربع الأول من العام الحالي كانت مرتفعة مما جعل الاستثمار في أدوات الدخل الثابت أكثر جاذبية بالنسبة للشركات إضافةً إلى بعض الشركات التي تفضل بطبيعة الحال الاحتفاظ بجزء من سيولتها أو فائض النقدية لديها في صورة ودائع أو أدوات دخل ثابت بغض النظر عن مستوى معدلات الفائدة.
وأضاف أنه مع التوقعات بخفض معدلات الفائدة خلال العام المقبل 2026 بنسبة تتراوح بين 500-600 نقطة أساس بالإضافة إلى خفض 625 نقطة خلال العام الجاري مع توقع خفض إضافي من اجتماع البنك المركزي في ديسمبر الحالي ما يحفز الشركات على التوسع التشغيلى.
وأوضح أن ضعف القوة الشرائية والبطء في نمو المبيعات لعب دوراً في توسع الشركات وزيادة استثماراتها خلال الفترة الماضية.
وأشار عبد النبي إلى احتمالية وجود عمليات إعادة هيكلة محفظتها الاستثمارية وعمليات دمج واستحواذ في أنشطة مشابهة لنشاط الشركات حال توفر سيولة نقدية كبيرة.
ورفعت شركات أخرى وعلى رأسها المصرية للاتصالات وطلعت مصطفى استثماراتها التوسعية باستثمارات 18.3 مليار جنيه و6 مليارات جنيه على الترتيب، فيما أنفقت كل من فالمو القابضة “القابضة الكويتية” 2.6 مليار جنيه وبالم هيلز 2.5 مليار جنيه وجهينة 2.2 مليار جنيه لشراء أصول ثابتة لخدمة التوسعات.
فهمي: الشركات الصناعية كثيفة الاستثمارات الأكثر استفادة من تراجع الفائدة العام المقبل
وأضاف هيثم فهمي خبير أسواق المال، أن تراجع سعر الفائدة من شأنه أن يحفز الأنشطة التشغيلية بالنسبة للشركات وتقليل التكاليف التمويلية وزيادة النمو، موضحاً أن خطط الشركات الاستثمارية سواء بالتوسع الرأسمالي أو في أدوات الدخل الثابت مرتبطة بحجم مبيعاتها ونشاطها إلى جانب رؤيتها للتوسعات المستقبلية وهامش ربح الشركة الذي من خلاله تحدد الشركة ما إن كان سعر الفائدة جاذب للتوسع أو أن تنتظر خفضاً إضافياً يتماشى مع هوامشها الربحية.
ويرى فهمي أن الشركات الأكثر استفادة حال انخفاض تكلفة التمويل خلال العام المقبل هي الشركات كثيفة رأس المال كالشركات الصناعية التى تتطلب استثمارات في خطوط التشغيل والمواد الخام أكثر من شركات الخدمات.







