تعود السوق المصرية تدريجيًا إلى واجهة اهتمام المستثمرين الإقليميين والدوليين، مع تحسن بيئة الأعمال ووضوح مسار الإصلاحات الاقتصادية خلال العام الحالي، لتصبح من بين أكثر الأسواق استهدافًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.، بحسب تقرير حديث صادر عن “آرنست يونج بارثينون”- ذراع الاستشارات التابع لآرنست يونج العالمية.
وترى المؤسسة، أن مصر استعادت بالفعل موقعها داخل الخريطة الإقليمية، سواء من حيث استقطاب الصفقات الواردة أو من حيث مساهمة المستثمرين المصريين في صفقات توسع خارجية.
ورغم أن مصر لم تتصدر ترتيب الدول من حيث قيمة الصفقات، فإن التقرير يؤكد أنها كانت واحدة من أكثر الأسواق جذبًا للتدفقات الاستثمارية الجديدة خلال الفترة، كما أنها ظهرت بوضوح في قائمة الدول المساهمة بصفقات داخل المنطقة، وهو ما يعكس عودة التفاعل المصري مع حركة الاستثمار الإقليمي بعد فترة من التباطؤ. ويرى التقرير أن الدور المصري في مشهد الصفقات بات يتجاوز مجرد استقبال رؤوس الأموال، ليصبح جزءًا من ديناميكية عمليات الدمج والاستحواذ العابرة للحدود التي تشكل عصب النشاط في المنطقة حاليًا.
قوة دفع إقليمية تعيد تشكيل موقع مصر داخل السوق
وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسجيل 225 صفقة دمج واستحواذ بقيمة 46 مليار دولار خلال الربع الأول من 2025، محققة ارتفاعًا ملحوظًا بلغ 31% في عدد الصفقات و66% في قيمتها مقارنة بالفترة نفسها من العام المنصرم. وتعد هذه القفزة تأكيدًا على استمرار تعافي المنطقة من آثار تقلبات الاقتصاد العالمي، واستعادة زخم النشاط الاستثماري عبر عدة قطاعات.
وفيما يتعلق بمصر، يوضح التقرير أن الصفقات العابرة للحدود كانت المحرك الرئيسي لهذا الزخم، إذ استحوذت على 52% من عدد العمليات و81% من قيمتها في الربع الأول. وتعتبر هذه التدفقات محورية للسوق المصرية التي تعتمد بصورة كبيرة على رؤوس الأموال الإقليمية الباحثة عن فرص توسع في مجالات مثل الخدمات المالية، التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، ومراكز البيانات.
وترى EY أن استمرار مصر ضمن الوجهات المستهدفة في المنطقة يرجع إلى تزايد جاذبية قطاعات النمو المحلية، بالتوازي مع التطورات التنظيمية التي عززت من شفافية السوق وسرّعت من إجراءات الموافقات الخاصة بالصفقات. ويشير التقرير إلى أن تحسين مناخ الأعمال في مصر خلال الشهور الأخيرة أسهم في رفع ثقة المستثمرين الأجانب وإعادة البلاد إلى خريطة اهتمام المؤسسات الخليجية والدولية.
تكنولوجيا المعلومات تتصدر.. ومصر مرشحة للاستفادة بقوة
أظهر التقرير أن قطاع التكنولوجيا كان الأكثر نشاطًا على مستوى الصفقات المحلية داخل دول المنطقة خلال الربع الأول من 2025، إذ استحوذ على 37% من قيمة الصفقات المحلية و27% من عددها، مدفوعًا بازدهار الشركات العاملة في تقنيات الذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية ومراكز البيانات.
ويكتسب هذا الاتجاه أهمية خاصة بالنسبة لمصر، التي أصبحت من الأسواق الجاذبة للمستثمرين في هذا القطاع، خصوصًا الصناديق الخليجية الكبرى والمؤسسات الحكومية التي تسعى إلى تعزيز استثماراتها الإقليمية في مجالات التحول الرقمي. ويشير التقرير إلى أن “الصفقات متوسطة الحجم” باتت السمة الغالبة على نشاط المنطقة، وهو نمط يتوافق مع طبيعة الفرص المتاحة داخل السوق المصرية خلال العامين المقبلين.
الأشهر التسعة الأولى 2025.. نشاط أوسع وتدفقات أكبر
من يناير إلى سبتمبر 2025، سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 649 صفقة بقيمة 69.1 مليار دولار، بزيادة قدرها 23% عن الفترة المماثلة من العام السابق، ما يؤكد اتساع نطاق النشاط الاستثماري الإقليمي بوتيرة ثابتة.
ويكشف التقرير عن هيمنة واضحة لدول مجلس التعاون الخليجي على هذا النشاط، إذ شهدت الفترة تسجيل 500 صفقة داخل دول الخليج وحدها، بقيمة 65.9 مليار دولار. وتبرز مصر هنا كواحدة من الأسواق المستهدفة بصورة مباشرة من هذه السيولة الخليجية، خاصة في قطاعات الطاقة واللوجستيات والخدمات، وهي القطاعات التي تشهد اهتمامًا متزايدًا من قبل الصناديق السيادية والمؤسسات الاستثمارية الحكومية.
كما سجلت المنطقة 160 صفقة واردة بإجمالي قيمة 23.8 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى، وهو ما يعكس عودة قوية للتدفقات الاستثمارية الأجنبية العابرة للحدود بعد فترة من التباطؤ نتيجة اضطرابات الأسواق العالمية.
صناديق الثروة السيادية تقود المشهد
وأوضح التقرير أن صناديق الثروة السيادية والجهات الحكومية في المنطقة لعبت الدور الأكبر في تحريك النشاط خلال 2025. فقد أعلنت هذه الجهات عن 189 صفقة خارجية بقيمة 28.5 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى، فيما تركزت استثماراتها في قطاعات التكنولوجيا والخدمات والبنية التحتية للطاقة.
وتشير EY إلى أن زيادة توجه هذه الصناديق نحو الاستثمار الخارجي يعزز من فرص توسعها داخل السوق المصرية، خصوصًا بعد الاتفاقيات التي أبرمت خلال العامين الماضيين والتي رفعت جاذبية مصر كوجهة للاستثمارات طويلة الأجل. ويشكل الاستقرار النسبي في سوق الصفقات الإقليمية فرصة لمصر لتعزيز الشراكات الاستراتيجية وجذب تدفقات إضافية في القطاعات الواعدة.
وحدد التقرير 5 عوامل رئيسية تقف وراء الزخم الاستثماري خلال العام الجاري على رأسها تحسن بيئة الاقتصاد الكلي في عدد من الدول، بما فيها مصر، أدى إلى زيادة شهية المستثمرين لتنفيذ صفقات جديدة مع تراجع الضغوط التضخمية وتحسن المؤشرات المالية، والإصلاحات التنظيمية التي تشهدها عدة أسواق، ومن بينها مصر، ساعدت على تسريع عمليات المراجعة والموافقة على الصفقات، ما جعل البيئة الاستثمارية أكثر مرونة وجاذبية.
بالإضافة إلى تنويع محافظ الشركات أصبح توجهًا واسعًا بين الكيانات الإقليمية التي تسعى لاقتناص فرص نمو خارج حدودها، وهو ما يجعل مصر منصة مناسبة للوصول إلى أسواق شمال وشرق إفريقيا، والتركيز على التكنولوجيا، إذ يشير التقرير إلى أن الجزء الأكبر من قيمة صفقات 2025 جاء من عمليات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والتكنولوجيا المالية، وكذلك نشاط الصناديق الحكومية والسيادية التي أصبحت أحد أكبر المحركات في السوق، خصوصًا في قطاعات الطاقة والتحول الرقمي التي تتقاطع مع أولويات مصر التنموية.
موقع مصر داخل الخريطة الجديدة للصفقات
وأكد التقرير أن مصر باتت جزءًا من النطاق الرئيسي للأسواق المستهدفة في المنطقة، سواء من حيث الاستثمارات الواردة أو من حيث مساهمة المستثمرين المحليين في صفقات توسع خارجية. ويشير إلى أن السوق المصرية تقدم فرصًا واعدة في عدة قطاعات تشمل التكنولوجيا المالية، مراكز البيانات، الخدمات اللوجستية، الطاقة المتجددة، والقطاع العقاري السياحي والفندقي.
ويدعم دخول مصر ضمن قائمة الـ Target & Bidder Countries رؤية أكثر إيجابية لمسار السوق، إذ يعكس قدرة الاقتصاد المصري على المشاركة بشكل مزدوج في الحركة الاستثمارية، من خلال استقبال الاستثمارات من جهة والمساهمة في صفقات إقليمية من جهة أخرى.
وأشار إلى أن تعزيز جاذبية السوق المصرية يتطلب مواصلة العمل على توسيع الشفافية، تبسيط الإجراءات التنظيمية، استكمال إصلاحات سوق المال، وتمكين المستثمرين الاستراتيجيين وصناديق الاستثمار من الدخول بعمق في فرص النمو المتاحة. كما يشدد التقرير على أهمية دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا التي تمثل أحد أسرع القطاعات نموًا في المنطقة.
توقعات 2026
وتوقع التقرير زيادة زخم نشاط الدمج والاستحواذ سيستمر خلال عام 2026، مدعومًا بتحسن ظروف السيولة عالميًا، وانخفاض أسعار الفائدة، وزيادة الإنفاق السيادي في المنطقة، وتوسع الشركات في اقتناص فرص النمو داخل قطاعات التكنولوجيا والخدمات الرقمية.
وأكد التقرير أن الذكاء الاصطناعي سيكون المحرك الأكثر تأثيرًا في قرارات الاستثمار خلال العامين المقبلين، وأن تخصيص رأس المال سيشهد تحولًا كبيرًا مع تسارع وتيرة التحول الرقمي في الاقتصادات الإقليمية.
وأوضح التقرير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تدخل مرحلة من النشاط غير المسبوق في عمليات الدمج والاستحواذ، وأن مصر –رغم الظروف الاقتصادية العالمية– تعود لتصبح جزءًا فاعلًا من هذا المشهد. ومع تزايد شهية المستثمرين الإقليميين، خاصة من دول الخليج، وارتفاع الاهتمام بقطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية، تبدو الفرصة مهيأة أمام السوق المصرية لاستعادة موقعها كإحدى الوجهات الرئيسية للصفقات خلال 2025 و2026.







