التعاون الفضائى يحل مشكلة النزاع حول مياه الأنهار العابرة للحدود
أول صورة ملونة للأرض مأخوذة من الفضاء غيرت نظرة الناس؛ حيث ظهر كوكبنا المضاء بنور الشمس ينبعث من الظلام، ليصبح شعاراً للحركة البيئية، وقد نفذت وكالات الفضاء، وعلى رأسها ناسا الأمريكية رحلات عملاقة لجمع البيانات والمعلومات حول مناحى الحياة ليس فى الفضاء، فقط، بل على المعمورة.
واهتمت بعثة معروفة باسم بعثة جريس بعلم المياه، ما مكن العلماء من إدراك التغيرات فى طبقات المياه الجوفية المخفية والصفائح الجليدية، والأنهار الجليدية، والانجراف القارى، ومحتوى المياه فى الأنهار والبحيرات الكبيرة، ورطوبة التربة، والرطوبة فى الغلاف الجوى.
وقدمت البعثة على مدار 15 سنة بيانات غير منقطعة، وأدت إلى ظهور 4300 ورقة بحثية منشورة حتى الآن، وهو عدد كبير بشكل غير عادى لمهمة واحدة فى مجال علوم الأرض.
وعلى وجه الخصوص مكنت أبحاث البعثة العلماء من إجراء تنبؤات حول الكوارث الطبيعية، وتغير الطقس، والأهم من ذلك خدمت علماء المحيطات وهواة الهيدرولوجيا.
وقد كشفت بعض أهم اكتشافاتها عن ذوبان الصفائح الجليدية، كما أن طبقات المياه الجوفية المستنفدة تسهم فى التذبذب الدوار للأرض، ويجرى تصريف ثلث طبقات المياه الجوفية فى العالم بأسرع مما يمكن تجديده، لكن بضع سنوات من الأمطار الغزيرة يمكن أن يتسبب فى تخزين الكثير من المياه على الأرض.
ومن المتوقع أن يتم إجراء المزيد من الاكتشافات من خلال بعثة جريس فولو أون، وهو مشروع مشترك بين ناسا ومركز أبحاث دى إف زد الألمانى لعلوم الأرض فى مدينة بوتسدام التى بدأت عملها فى مايو الماضى.
ويحلق القمر الصناعى الخاص بالبعثة فوق الأرض كل 90 دقيقة، على ارتفاع 490 كيلومتراً ويقطع مسافته بسرعة تقارب 27 ألف كيلومتر فى الساعة.
ونجحت مقارنة البيانات فى الكشف عن مصادر التغير فى منسوب المياه؛ حيث ثبت أن مناطق الكتلة الأكبر، مثل الجبال، تمارس قوة جذب أكبر من مناطق الكتلة الدنيا كالأحواض والبحيرات وبالمثل يمارس الجليد جاذبية أكبر من الماء فى شكل سائل.
ويمثل هذا الرصد فرصة لتفسير نتائج حول تباين توزيع الثلج والماء، وكيف يتغير من وقت لآخر.
بالإضافة إلى جهاز تحديد المدى الأصلى للوحدات متناهية الصغر، يوجد جهاز جديد من معدات علوم الأرض يقوم بقياس تداخل الليزر التجريبى، والذى يعطى الأمل فى تحسين دقة القياسات عشر مرات أفضل من الوضع الحالى.
ويقول ماثيو رودل، رئيس مختبر العلوم الهيدرولوجية فى مركز ناسا لرحلات الفضاء فى واشنطن، إنه يمكن أن يساعد فى الوصول إلى الدقة المكانية بشكل أفضل، ما يعنى تحقيق فهم لمصادر بعض التغيرات التى ظهرت مؤخراً.
ونظراً إلى الاستمرارية الطويلة للأبحاث، أظهرت المقارنة التاريخية للبيانات، أنَّ الأراضى الرطبة أصبحت أكثر رطوبة، وأن المناطق الجافة أصبحت أكثر جفافاً؛ بسبب مجموعة متنوعة من العوامل، بما فى ذلك إدارة المياه البشرية والتغير المناخى والدورات الطبيعية.
ومع ذلك يحتاج الباحثون لفترة أكثر من 15 عاماً لإقرار بعض الحقائق بشكل يقينى فيما يتعلق بالتغييرات كجزء من التغير الطبيعى وأى التغيرات التى تخلق اتجاهات جديدة طويلة المدى.
وتعتبر هذه الرحلات البحثية قبلة الحياة للمناطق الأكثر فقراً فى العالم؛ لأنها فى الواقع هى الأكثر ضعفاً من حيث توافر معلومات مهمة لرسم خطط الإصلاح؛ لأنها تفتقد لرصد الملاحظات الأرضية أو المحمولة جواً والتى تعد حاسمة بالفعل فى إجراء تنبؤات دقيقة بالطقس مثلاً.
ويمكن لخريطة التنبؤات رصد ظواهر طبيعية لمدد طويلة مثل الجفاف ومدى عمقه أو تراجع حدته، بالإضافة لرصد كمية الأمطار لتعويض جفاف التربة الأعمق.
كما تسهل الأقمار الصناعية من التعاون عبر الحدود والتى تشكل عائقاً رئيسياً أمام الإدارة الفعالة للأنهار الكبيرة وطبقات المياه الجوفية التى تعبر الحدود وفى عام 2021 ستقوم بعثة فضائية أمريكية وفرنسية مشتركة بجلب علماء المحيطات والأخصائيين الهيدرولوجيين معاً كشركاء دوليين؛ لمراقبة تدفق الأنهار حول العالم لإجراء أول مسح عالمى للمياه السطحية على الأرض. ويمكن أن يكون لذلك تأثير هائل على أحواض الأنهار التى تفتقر إلى اتفاقات الاستخدام وتلك التى تستغلها دول المنبع فى غير صالحها، من خلال توفير البيانات الجادة التى يمكن أخذها إلى طاولة المفاوضات.








