بقلم/ محمد العريان، المستشار الاقتصادى لمجموعة “اليانز”
انتهت قمة مجموعة العشرين فى الأرجنتين، دون الألعاب النارية التى عادة تطلقها الولايات المتحدة، إذ كانت تصرفات وفدها مناسبة إلى حد ما، خصوصاً نتيجة حالة الحداد التى فرضتها وفاة الرئيس الأسبق، جورج إتش دبليو بوش.
واستخدمت الولايات المتحدة، أسلوبا مخففاً بدلاً من الوقوف فى وجه الإجماع، كما فعلت مؤخراً فى منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادئ “أبيك”، وقمة مجموعة السبعة.
وبدلاً من انهاء الاجتماع نهاية درامية أو صاخبة، توصلت أمريكا إلى اتفاق لتجميد التعريفات التجارية مع الصين والذى يذهب أبعد قليلاً من الاتفاق الذى توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبى فى يوليو، ويتطلب الاتفاق متابعة مستمرة ومفصلة لتكون المكاسب أكثر من مؤقتة.
وكانت التوقعات المتعلقة بمجموعة العشرين هادئة ولكن مال ميزان المخاطر تجاه الجانب السلبي، وكانت هناك توقعات ضئيلة للتوصل إلى نهج يقوم على الفعل والتعاون للتعامل بفاعلية مع قائمة التحديات المتزايدة، بما في ذلك التهديدات للاستقرار السياسى العالمى (فى أوكرانيا وسوريا)، والتماسك الاجتماعى (تدفقات اللاجئين)، والنمو المرتفع والشمولى، والسلامة المالية، وكذلك المخاطر الناتجة عن استخدام الأدوات الاقتصادية كسلاح بشكل متزايد.
كما كانت هناك مخاوف، من أن الفروقات فى وجهات النظر بين الأعضاء في مجموعة العشرين خصوصاً بشأن التجارة والمناخ وتعددية الأطراف القائمة على القواعد والمؤسسات المتعلقة بها، ستعوق صياغة بيان ختامى.
وبعد محادثات مطولة، تم التوصل لاتفاق مكون من 31 صفحة تغطى مجموعة شاملة من الموضوعات، لكنه لم يكن مركزاً فيما يتعلق بالمواد والتفاصيل والطموح، وظهرت اللغة المخففة الوسطية بشكل خاص في الأجزاء المتعلقة بالتجارة الدولية، ووظيفة النظام العالمى والمؤسسات متعدة الاطراف والهجرة والتغير المناخى، ولم يتم ذكر الكثير من الموضوعات، منها محاربة الحمائية وممارسات التجارة غير العادلة.
وتضمنت التوقعات لحدث تم انتظاره بشغف في قمة مجموعة العشرين، وهو الاجتماع الثنائي بين الرئيسيين دونالد ترامب، والصينى شى جين بينج، أكثر من مجرد احتمالين سلبى وإيجابى، وتوقع قليلون أن يترك الاجتماع، الحرب المنهكة كما هي، مع تصعيد بطىء وثابت للتعريفات الحقيقة المهددة.
ومن بين الاحتمالات.. تدهور العلاقات إلى خطر حقيقي وحاضر لحرب تجارية عالمية مدمرة، أو أن تتوصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق ناجح مشابه لتلك الاتفاقات التي وقعتها حكومة ترامب مع كوريا الجنوبية والمكسيك وكندا مؤخراً.
وﻷسباب اقتصادية، تقع الاحتمالية الأكثر ترجيحا فى وسط هذا النطاق أى هدنة ومسار أكثر حسما لتهدئة التوترات أو استخدام السجلات التاريخية الحديثة، والتوصل لاتفاق مشابهة لذلك الذي لحق بزيارة رئيس المجلس الأوروبي، جان كلود يونكر، للبيت الأربيض، وهذا ما حدث، مع إضافة هامة وهى مهلة 3 أشهر لإحراز تقدم.
وتعد هذه النتيجة مكسباً قصير الأجل للطرفين وكذلك للاقتصاد العالمى، فالصين ستتجنب التعريفات الإضافية التى ستعوق آفاق نموها أكثر وتضع ضغوطاً أكبر على أسواقها المالية، أما الولايات المتحددة فقد حددت وقتا محددا لمكافحة الممارسات التي تضعف تنافسيتها في علاقتها الثنائية مع الصين، كما أن الاقتصاد العالمى فى وضع أفضل الآن لتجنب حرب تجارية سينتج عنها ركود تضخمي.
كما ان هذه الهدنة مكسب قصير الأجل للمستثمرين والأسواق، لأن المفاوضات لم تنهار وهو ما كان سيسحب البساط من تحت نمو عالمي ضعيف ومتباين في الأساس، وبدلا من ذلك، ستؤدي الآفاق الفورية الأقل تهديداً لربحية وإيرادات الشركات على الأرجح إلى ارتفاع فى الأصول الخطرة.
ومع ذلك، يتبقى لنرى إذا كانت هذه المكاسب قصيرة الأجل ستتحول إلى مكاسب طويلة الأجل أم لا، وسوف تتطلب النتائج الناجحة متابعة من قبل الطرفين ومقاومة للضغوط من السياسات المحلية في الدولتين خلال مهلة الثلاثة أشهر.
ويزيد على حالة عدم اليقين أن هذه العملية لن ترتكز على الجبهة والقيم المشتركة – رغم ضعفها فى الوقت الحالى – اللتان جمعتا تاريخياً بين أمريكا وأوروبا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”