يهدد ارتفاع أسعار البترول إلى نحو 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014 بتوجيه ضربة مزدوجة للاقتصاد العالمي من خلال إضعاف آفاق النمو وزيادة التضخم.
هذا المزيج مثير للقلق بالنسبة للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى في ظل سعيها لاحتواء أقوى ضغوط أسعار منذ عقود زمنية دون عرقلة التعافي من الوباء.
يجتمع وزراء المالية لدى مجموعة العشرين خلال الأسبوع الحالي تقريباً للمرة الأولى خلال عام 2022، مع وضع التضخم المرتفع ضمن أولوياتهم.
رغم أن مصدري الطاقة سيستفيدون من هذه الطفرة وتأثير البترول على الاقتصادات لم يكن كما كان من قبل، فإن كثيرين في أنحاء العالم سيتضرروا، إذ سترتفع فواتير الشركات والمستهلكين وستتراجع قوة الإنفاق لديهم بسبب ارتفاع تكلفة الغذاء والنقل والتدفئة.
تشير “بلومبرج إيكونوميكس” إلى أن ارتفاع سعر البترول الخام إلى 100 دولار بنهاية فبراير الحالي من حوالي 70 دولارا نهاية عام 2021 من شأنه أن يرفع التضخم بنحو 0.5% في الولايات المتحدة وأوروبا خلال النصف الثاني من العام الحالي.
على نطاق أوسع، يحذر بنك “جيه بي مورجان تشيس آند كو” من أن ارتفاع سعر البرميل إلى 150 دولار سيوقف تقريباً التوسع العالمي ويرفع التضخم إلى أكثر من 7%، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل الذي يستهدفه معظم صناع السياسة النقدية.
قال المسؤول في الاحتياطي الفيدرالي منذ فترة طويلة، بيتر هوبر، إن “الصدمة البترولية تغذي ما أصبح الآن مشكلة تضخم أوسع نطاقاً”.
نتيجة لذلك، “ثمة فرصة كبيرة لحدوث تباطؤ كبير في النمو العالمي”، بحسب هوبر، الذي يشغل الآن منصب رئيس الأبحاث الاقتصادية العالمية في “دويتشه بنك”.
أصبح البترول أعلى بحوالي 50% مما كان عليه قبل عام، وهو جزء من موجة صعود أوسع نطاقاً في أسعار السلع الأساسية التي أثرت على الغاز الطبيعي أيضاً، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
ثمة عدة عوامل أسهمت في رفع سعر البترول، من بينها عودة الطلب العالمي بعد الإغلاق، والتوترات الجيوسياسية التي أشعلها عملاق البترول روسيا، وتوترات سلاسل الإمداد، في حين أن احتمالات تجديد الاتفاق النووي الإيراني أدت أسهمت في تهدئة السوق في بعض الأحيان.
يذكر أن أسعار البترول انخفضت لفترة وجيزة إلى ما دون الصفر قبل عامين فقط.
يوفر الوقود الأحفوري- البترول وكذلك الفحم والغاز الطبيعي- أكثر من 80% من طاقة الاقتصاد العالمي، وقد ارتفعت تكلفة السلة النموذجية لهذا المزيج الآن بأكثر من 50% مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لشركة “جافيكال ريسيرش” الاستشارية.
في الوقت نفسه، أدت أزمة الطاقة إلى تفاقم الضغط المستمر في سلاسل الإمداد العالمية، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف وتأخير المواد الخام والسلع النهائية.
قالت فيفيان لاو، التي تدير شركة لوجستية عالمية مقرها هونج كونج، إن عملائها يراقبون بالفعل عن كثب ارتفاع تكاليف الوقود.
كذلك، قال نائب الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة “باسيفيك إير هولدينجز”، لاو، إن “أسعار البترول تشكل بالتأكيد مصدر قلق، فهذه الزيادة تأتي في وقت أصبحت فيه أسعار الشحن الجوي مرتفعة للغاية بالفعل”.
تعتقد شركة “جولدمان ساكس جروب” أن البترول سيرتفع إلى إلى 100 دولار في الربع الثالث، وترى أن زيادة بنسبة 50% في الأسعار ترفع التضخم الرئيسي بمتوسط 60 نقطة أساس، وبالتالي ستتضرر الاقتصادات الناشئة بشكل أكبر.
رفع صندوق النقد الدولي مؤخراً توقعاته لأسعار المستهلكين العالمية إلى 3.9% في المتوسط في الاقتصادات المتقدمة خلال العام الحالي، ارتفاعاً من 2.3% و 5.9% في الدول الناشئة والنامية.
كتب كل من جانيت هنري وجيمس بوميروي، وهما خبيرا اقتصاد في بنك “إتش.إس.بي.سي”: “مع ارتفاع التضخم حالياً إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود زمنية وانعدام اليقين المحيط بتوقعات التضخم غير المسبوقة بالفعل، فإن آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي المتعافي هو ارتفاع آخر في أسعار الطاقة”.
وأضافا في التقرير الصادر في الرابع من فبراير: “مع ذلك، هذا ما تحصل عليه”.
حتى الآن، تمتعت الصين، أكبر مستورد للبترول ومصدر للسلع في العالم، بتضخم معتدل، لكن اقتصادها لا يزال ضعيفاً حيث يتعامل المنتجون بالفعل مع ارتفاع تكاليف المدخلات والمخاوف بشأن نقص الطاقة.
مما لا شك فيه أن الاقتصاد العالمي لم يعد مستهلكاً للبترول كما كان خلال العقود الزمنية السابقة، خاصة في فترة السبعينيات، وتوفر الطاقة البديلة بعض الاحتياطيات.
يقدر كبير الاقتصاديين في “موديز أناليتكس”،مارك زاندي، أن كل زيادة قدرها 10 دولارات لبرميل البترول تخفض 0.1% من النمو الاقتصادي في العام التالي.
في الوقت نفسه، سيكون لدى منتجي البترول الآخرين سبب للاحتفال أيضاً. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تجني ميزانية روسيا إيرادات إضافية بأكثر من 65 مليار دولار خلال العام الجاري، مما يساعد على حماية الكرملين من العقوبات المحتملة بسبب أوكرانيا.
كما سيستفيد منتجو الأسواق الناشئة الآخرون، وكذلك كندا واقتصادات الشرق الأوسط.








