كشفت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب النقاب عن أكثر العقوبات التأديبية المفروضة حتى الآن ضد روسيا، وهي الأحدث في سلسلة العقوبات التي فُرضت رداً على الغزو الشامل لأوكرانيا، مستهدفة أحدث الإجراءات، البنك المركزى الروسى بشكل مباشر.
وتسعى هذه العقوبات لإعاقة اتصال البلاد بالنظام المالي العالمي، فضلاً عن زعزعة استقرار الاقتصاد الروسي، حيث فٌرضت هذه العقوبات الأخيرة بجانب أخرى تستهدف الأوليغارشية وكذلك البنوك وشركات التكنولوجيا الفائقة وصناع الطائرات.
قال دانييل تانيباوم، المسؤول السابق عن العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية والذي أصبح الآن شريكا في شركة “أوليفر وايمان” الاستشارية، إنه “أصبح من الواضح بشكل متزايد أن روسيا تسير في طريق كوبا وإيران من حيث أهمية العقوبات المفروضة”.
ترقى الإجراءات الجديدة إلى حد “طرد روسيا من النظام المالي الدولي” وتصبح “منبوذة اقتصادياً ومالياً عالمياً”، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية.
ما هي العقوبات المُعلنة؟
قالت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمفوضية الأوروبية إنها ستمنع البنك المركزى الروسى من استخدام احتياطياته من النقد الأجنبي والتي تقدر بـ 630 مليار دولار، ما يضر بقدرته على دعم اقتصاده وحمايته من التكاليف التي تتعلق بهجماتها على أوكرانيا.
جاء ذلك بجانب الإعلان عن عزل النظام الصرفي الروسي عن نظام التمويلات العالمي سويفت، الذي يربط آلالاف المؤسسات المصرفية حول العالم.
ويكمن الهدف الأساسي من هذه العقوبات في إعاقة قدرة روسيا على الالتفاف على العقوبات الواسعة التي فُرضت على البلاد.
قال دانيال جلاسر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية بين عامل 2011 و2017، إنها “محاولة مباشرة لضرب قدرة روسيا على تجاوز العقوبات، لأن الطريقة التي ستخرج بها من العقوبات هي الاعتماد على احتياطياتها”.
وأضاف: “كلما قل سيطرتهم على احتياطياتهم أو قل ما يمكنهم فعله باحتياطياتهم، أصبحوا أكثر عرضة للجولة الثانية من الضغط”.
إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه القيود ضارة لروسيا؟
مما لا شك فيه أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي هي أحد أعمدة قوتها الاقتصادية، لذلك يحاول الحلفاء الغربيون تقويض قدرتها على الاستفادة من هذا المخزون، لكن رغم أن روسيا قلصت بقوة احتياطياتها من الدولار، لا يزال جزء ملحوظ من مخزونها من العملات الأجنبية موجود في الخارج في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والنمسا واليابان.
إذا كانت روسيا غير قادرة على بيع أجزاء كبيرة من أصولها الأجنبية مقابل العملة المحلية، فستتعثر قدرتها على الدفاع عن الروبل الروسي، خاصة أن الروسي يتدفقون بالفعل على البنوك لسحب الأموال وسط مخاوف من توقف النظام المالي في البلاد.
اقرأ أيضا: بريطانيا تكشف عن خطوات تصعيد عقوباتها ضد روسيا
قال مسؤول أمريكي كبير: “لدي ثقة كبيرة في أن آثار هذه الإجراءات ستظهر على الفور في الأسواق المالية الروسية، حيث يدرك المشاركون في السوق أن روسيا ستدخل في حالة من السقوط الحر إذا لم يكن لديها القدرة على الدفاع عن عملتها”.
جدير بالذكر أن فائض الحساب الجاري البالغ 19 مليار دولار، وهو رقم قياسي في البلاد، والذي جُمع على خلفية صادراتها الكبيرة من الطاقة، سيوفر بعض الحماية، كما تواصل روسيا كسب كميات كبيرة من العملات الأجنبية من خلال مبيعات البترول والغاز، التي من المفترض أن تدعم الاقتصاد وتساعد في دفع ثمن الواردات.
وقال البنك المركزى الروسى إنه يدعم المقرضين المحليين من خلال منحهم سيولة بالروبل.
كيف يحتمل أن يكون رد فعل البنك المركزى الروسى؟
في ظل عدم الوصول إلى احتياطيات العملات الأجنبية اللازمة للحماية من انهيار الروبل، سيترك البنك المركزى الروسى أمام خيارين واضحين فقط، وهما رفع أسعار الفائدة، وضوابط رأس المال.
ورفع البنك المركزى الروسى بالفعل معدل الفائدة يوم الاثنين من 9.5% إلى 20%، وهو المستوى الأعلى منذ عام 2003، بسبب التغيرات الجوهرية التي يشهدها الاقتصاد، فهذه الخطوة تستهدف تعويض المخاطر المتزايدة للتضخم وانخفاض قيمة الروبل.
ربما يطلب البنك المركزي المساعدة من الصين، حيث يوجد أكثر من 14% من احتياطياتها من العملات الأجنبية، وهي أكبر حصة أجنبية منفردة، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الصين سترغب في توفير ذلك.
في حين أن التسرع في المساعدة الروسية من شأنه أن يقوض هيمنة الولايات المتحدة على التمويل العالمي، فقد تخشى البنوك الصينية المعاناة من عقوبات ثانوية من شأنها قطع الوصول إلى الدولار واليورو.
يمكن لـ”البنك المركزى الروسى” أيضاً محاولة بيع جزء من مخزون الذهب البالغ 2299 طن من الذهب، خامس أكبر مخزون في العالم، إلى حكومات أكثر صداقة، حيث يتواجد هذا الذهب موجود في مواقع في الاتحاد الروسي.
مع ذلك، يقول الاقتصادي سيرجي جورييف إن بيع هذه الاحتياطيات سيكون صعباً أيضاً، فكل من يقول أنه سيكون من السهل بيع الذهب أو اليوان يمزح، لأن البنوك الحكومية الصينية تمنع بالفعل تمويل مبيعات البترول الروسية.
وأشار إلى أن الصين خائفة وهي محقة في العقوبات الثانوية، موضحاً أن هذا الأمر “يغير حقاً قواعد اللعبة”.
كيف يتعرض المستثمرون الأجانب لروسيا؟
يعتبر تعرض المؤسسات المالية الغربية المباشر لروسيا متواضعاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى العقوبات المفروضة بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، فضلاً عن ظهور اقتصادات أكثر صداقة مع المستثمرين في آسيا.
كان المستثمرون الأجانب يمتلكون سندات مقومة بالدولار بقيمة 20 مليار دولار، بجانب سندات مقومة بالروبل بقيمة 37 مليار دولار في نهاية عام 2021، بحسب بيانات البنك المركزى الروسى.
هل فعلت الولايات المتحدة شيئاً كهذا في الماضي؟
نعم، فقد جمدت الولايات المتحدة أصول البنوك المركزي الخاصة بالأنظمة المعادية، بما في ذلك فنزويلا وإيران، ومؤخراً أفغانستان، كما طرد الرئيس الأسبق دونالد ترامب البنوك الإيرانية من شبكة سويفت في 2018.
يمكن أن تُعتبر العقوبات الإيرانية بمثابة نموذج لحظر البنك المركزى الروسى، فقد جمدت العقوبات، التي فرضتها إدارة ترامب في 2019 بعد تخفيف الإجراءات السابقة التي فرضها الرئيس باراك أوباما في عام 2012، أصول البنك المركزي المودعة في الحسابات لدى الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، منعت عقوبات إيران المؤسسات المالية من الانخراط في معاملات نيابة عن البنك المركزي أو تقديم خدمات أخرى إليه.