عندما يهم المؤرخون بالكتابة عن الآثار الدائمة للغزو الروسى لأوكرانيا، عليهم تصفح التقارير السنوية للشركات الأوروبية.
فبحسب ما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، الأحد الماضى، فإن أكبر الشركات فى أوروبا تعرضت لضربة مباشرة أفقدتها أرباحا تزيد على 100 مليار يورو، نتيجة سحب عملياتها فى روسيا أو تخفيضها.
وفى الواقع، هذا مجرد جزء بسيط من التكلفة الحقيقية، من بين 609 تقارير سنويًا وكشوفًا مالية قمنا بمراجعتها، دفعت 176 شركة رسوما لمرة واحدة، ولكن حتى فى بيانات الشركات الـ433 التى لم تتحمل أى مصاريف مباشرة، أشارت جميعها تقريبًا إلى تلقيها ضربة قاضية للأرباح ناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام، أو اضطرابات سلسلة التوريد التى أعقبت الحرب الروسية العام الماضى، كما ذكر الكثيرون زيادة ملحوظة فى الهجمات الإلكترونية.
وقال آخرون إن المستهلكين يبتعدون عن المنتجات المستدامة بيئيًا لتوفير المال فى عصر التضخم القياسى، وكان بعض الشركات مُفصلًا فى شكواه، إذ تحدثت مجموعة السوبر ماركت الهولندية “أهولد دهليز” عن “ارتفاع التكاليف عبر سلسلة القيمة، والتأخيرات فى سلاسل التوريد، ونقص العمالة”.
وقد أثرت هذه الأمور على أداء ميزانيات الشركات، ونتائج الأعمال، والتدفقات النقدية، كما كان هناك تأثير لزيادة أسعار الفائدة خاصة على أسعار الإيجارات، والتزامات المعاشات التقاعدية، ومخصصات التأمين على الأشخاص، كما أن ارتفاع الأسعار يزيد الضغط على هوامش الربح.
وبعبارة أخرى، لم تترك الحرب أى ركن من أركان العمل دون مساس، ويكاد يكون من المستحيل تحديد التكلفة الفعلية لتلك التأثيرات غير المباشرة، لكن عددًا قليلاً من الشركات – خاصة تلك التى لها وجود ضئيل أو معدوم فى روسيا – حاولت شرح مدى انتشار الضرر.
وقالت مجموعة “سان جوبان” لمواد البناء إنها عانت من ارتفاع على أساس سنوى بنحو 3 مليارات يورو فى تكاليف الطاقة، والمواد الخام نتيجة للصراع.
وقالت شركة الاتصالات السويدية “تيليا”، إن تكاليف الطاقة ارتفعت بنحو 800 مليون كرونا سويدية “74.5 مليون دولار” فى عام 2022.
وتوقعت “رايان آير” فقدان ما يصل إلى مليونى مسافر فى عام 2023، نتيجة لإلغاء جميع الرحلات الجوية من وإلى أوكرانيا.
وأشارت “جورج فيشر”، شركة الأنابيب السويسرية، إلى أن الحرب تسببت فى ارتفاع أسعار الطاقة 100% فى عام 2022، فى حين أن زيادة قدرها 25% فقط فى فاتورة الطاقة كفيلة بزيادة التكاليف حوالى 17 مليون فرنك سويسرى “19.4 مليون دولار أمريكى”، ما يشكل “أثراً مالياً بالغ الأهمية”.
ولم تعلن أى من هذه الشركات عن دفعها غرامات استثنائية بسبب وقف العمليات فى روسيا، لكن من الواضح أن تأثير الصراع الروسى مع أوكرانيا سيكون أعم على العديد من الشركات الأوروبية وأعمق وأطول أمدًا من تكاليف التخلى عما كان سوقًا صغيرًا نسبيًا.
ومثلت روسيا 3% فقط من الأرباح العالمية للشركات الأجنبية المدرجة الموجودة فى البلاد قبل الحرب، وفقًا لكلية كييف للاقتصاد، ومع ذلك، سواء كانت الأعمال التجارية حاضرة فى روسيا أم لا، فإن الكثيرين يستعدون الآن لتقلب وعدم يقين على المدى الطويل.
وتمثل روسيا حوالى ثلث الإيرادات فى “تكنيب إنرجيز” مزود خدمات الطاقة الفرنسى، بينما تمكنت المجموعة من تعويض الكثير من الدخل المفقود من خلال التركيز على مناطق جغرافية جديدة، ويقول المدير المالى برونو فيبرت إن الإدارة الآن يجب أن تكون أكثر مرونة.
وأثارت التجربة الروسية أيضًا أسئلة حول مخاطر العمل فى الأسواق الأخرى، مثل الصين.
ويدرك أصحاب العلامات التجارية المعروفة أنهم منكشفين على المخاطر بطرق أخرى، فحسبما يقول نبى عبد الله، الشريك فى شركة كونترول ريسكس للاستشارات الاستراتيجية: “بالنسبة لمعظم الشركات، تكون قيمة العلامة التجارية أكبر من قيمة أى أصول روسية، لكن ماذا سيحدث إذا كانت منتجاتهم مرتبطة بكبار السياسيين أو الجنود الروس؟، حتى لو توقفوا عن تزويد هذا السوق، فإن العلامات التجارية المعروفة لا تزال تشق طريقها إلى المتاجر الروسية من خلال مستوردين من جهات خارجية”.
ويضيف عبد الله: “إذا التقطت وسائل الإعلام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يستخدم منتج ذى علامة تجارية غربية، فإن الضرر الذى سيلحق بالقيمة السوقية لتلك الشركة قد يكون أكثر من أصولها الروسية”.
ولقد تلقت الشركات الأوروبية بالفعل ضربة كبيرة للأرباح نتيجة للغزو الروسى، وهذه ليست نهاية القصة، فإذا تم إيقاف بوتين، فلابد من أن يدفع الثمن، وبكل الأحوال الأعمال الناجحة تعرف كيف تتكيف، وقد تكون الآثار الراسخة للحرب بالنسبة للأعمال التجارية الأوروبية دافعا لها لتصبح أكثر كفاءة وقدرة على المنافسة.
بقلم: بيجى هولينجر
صحفية فى جريدة “فاينانشيال تايمز”
المصدر: فاينانشيال تايمز







