في وقت يسجل فيه السوق العقاري المصري ، نحو 11.3 مليار دولار عام 2024، مع توقعات بنمو سنوي مركب يبلغ 7.72% حتى 2033، يظل ملف الصناديق العقارية محور تفاؤل وانتظار في آن واحد.
فبينما تشكل هذه الأدوات مفتاحًا لإضفاء السيولة على الأصول العقارية، تظل محكومة بتأخيرات تشريعية وضريبية. ومع دخول مصر عصر المدن الذكية والمناطق الاستثمارية الجديدة، يتجنّد قطاع العقار لمواكبة هذا التحوّل، لكن دون أدوات تمويلية مكتملة.
على المستوى العالمي، تجاوزت سوق العقارات الخاصة 5.1 تريليون دولار من الأصول المدارة، مع نمو 47% في التمويلات العقارية الخاصة بالأسواق الأمريكية وكندا خلال الأشهر الـ12 الماضية فقط .
في أوروبا وآسيا، نما نشاط صناديق REITs بنسبة 39% و36% على التوالي منذ 2020.
مقارنة بهذا الزخم، تبدو مصر متأخرة رغم قدراتها، وهو ما يثير تساؤلاً عن موعد انطلاقة الصناديق العقارية الحقيقية في السوق المحلية.
رغم التعطش الشديد في السوق العقارية لأدوات تمويل مبتكرة تتناسب مع المتغيرات المتسارعة في الأسعار والطلب، ما تزال الصناديق العقارية حبيسة الأطر التشريعية المؤجلة، والتفسيرات الضريبية الغامضة، رغم ما تتيحه من فرص حقيقية لتمويل المطورين، وتوسيع قاعدة المستثمرين، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية. ومع تصاعد الترقب لإصدار اللائحة التنفيذية المنظمة للنشاط، تعلو الأصوات المطالبة بتحريك الملف المتجمد منذ سنوات.
وترى دوائر سوق المال والتطوير العقاري أن الصناديق العقارية تمثل طوق نجاة لم يتم استخدامه بعد، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الوحدات وركود المبيعات، ما يجعل من هذه الصناديق قناة مناسبة لتدوير الأصول وتسييل جزء منها دون الحاجة لبيعها بالكامل.
قالت راندا حامد، العضو المنتدب لشركة “عكاظ” لتكوين وإدارة محافظ الأوراق المالية، إن الصناديق العقارية تتيح نموذجًا استثماريًا يجمع بين التملك الجزئي والريع الدوري، وتُمكن الأفراد من الدخول إلى السوق العقارية دون الحاجة إلى رؤوس أموال ضخمة، وهو ما يمثل نقلة نوعية في آليات الاستثمار العقاري في مصر.
وأضافت أن بعض الشركات بدأت بالفعل الاتجاه نحو إنشاء صناديق عقارية، أبرزها صندوق المصريين العقاري، بجانب تحركات لشراء حصص إيجارية في مجمعات تجارية ومولات، يحصل فيها المستثمر على ريع من الإيجارات وفقًا لنسبة مساهمته.
وأشارت إلى أن الصناديق يمكن أن تشكل نافذة تمويلية خارج الجهاز المصرفي، وتمنح المطورين قدرة على ضخ سيولة دون اللجوء للتمويل التقليدي، كما أنها قادرة على جذب مؤسسات دولية تبحث عن فرص آمنة في الأسواق الناشئة، خاصة إذا تم تسويق الصناديق وفق معايير الشفافية الدولية.
لكن حامد أكدت أن التحديات ما تزال قائمة، وعلى رأسها المعالجة الضريبية غير الجاذبة، والتي تُخضع الصناديق حاليًا لضريبة على الدخل والأرباح، وهو ما يتعارض مع تجارب الدول الأخرى التي قدمت إعفاءات لتشجيع هذا النوع من الصناديق.
أبو زهرة: اللائحة ستفكّك الغموض الضريبي
من جانبه، قال خالد أبو زهرة، الشريك الرئيس للضرائب بمكتب MEC، إن القانون الحالي ينص على إعفاء أرباح صناديق الاستثمار العقاري، وكذلك التوزيعات والعوائد العقارية التي تحققها، بشرط أن يستثمر الصندوق 80% على الأقل من أمواله في أصول عقارية، وتأتي ذات النسبة من إيراداته من أنشطة عقارية محددة.
وأوضح أن القانون يُلزم الصناديق بالابتعاد عن أعمال المقاولات أو التطوير المباشر، بما يعزز من طابعها الاستثماري وليس التشغيلي، لكنه أشار إلى أن غياب اللائحة التنفيذية حتى الآن يعطل التطبيق العملي لهذه الإعفاءات، ويُبقي حملة الوثائق في حالة من الغموض فيما يتعلق بآلية خصم التكاليف وتحديد صافي العوائد الخاضعة أو المعفاة من الضرائب.
وأكد أبو زهرة أن اللائحة المرتقبة سيكون لها دور حاسم في توضيح معايير المحاسبة، وضوابط الرقابة، وكيفية التعامل مع إيرادات الإيجار والعوائد المتحققة، بما يمنح السوق بيئة ضريبية مستقرة وجاذبة.
العسال: المطورون جاهزون للتعاون مع بنوك الاستثمار
أما المهندس هاني العسال، مؤسس مجموعة مصر إيطاليا ووكيل غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، فأكد أن القطاع يترقب منذ سنوات تحريك ملف الصناديق العقارية دون نتيجة ملموسة، رغم الدراسات والمقترحات التي تم طرحها.
وأشار إلى أن العديد من المطورين أبدوا استعدادهم للمشاركة في إطلاق صناديق بالتعاون مع بنوك استثمار وشركاء تمويليين، لكن تأخر الإجراءات القانونية والتفسيرات الضريبية حالت دون اتخاذ خطوات تنفيذية.
السيد: هناك حاجة لتعديلات محفزة تفتح باب الانتشار
أكد هاشم السيد، الرئيس التنفيذي لشركة “صندوق المصريين العقاري”، أن الشركة، بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية، بذلت جهودًا مكثفة خلال السنوات الماضية لتعديل اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال عدة مرات، بهدف تحفيز المستثمرين على تأسيس صناديق استثمار عقاري.
وأشار إلى أن العقد الأخير شهد إدخال تعديلات تشريعية مهمة على قوانين الصناديق العقارية، أبرزها ما نص عليه قانون رقم 30 لسنة 2023 من حوافز ضريبية، شملت إعفاء الصناديق العقارية من الضرائب، بشرط الالتزام بعدد من الضوابط التنظيمية.
وأوضح السيد أن التعديلات الأخيرة منحت مرونة أكبر في هيكلة الصناديق، إذ أصبح من الممكن تحويل الشركات العقارية مباشرة إلى صناديق استثمار عقاري، إلى جانب السماح بتعدد إصدارات الصندوق الواحد.
ولفت إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية تعتزم إصدار قرار قريبًا يهدف إلى تشجيع شركات ترويج وتغطية الاكتتاب على إنشاء منصات ترويج مخصصة لصناديق الاستثمار العقاري، مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد توسعًا في انتشار هذا النوع من الصناديق، لا سيما بعد التعديلات الأخيرة المرتبطة بضريبة الدخل.
ودعا السيد إلى تسريع إصدار الضوابط المنظمة لتحويل شركات التطوير العقاري إلى صناديق استثمار عقاري، مؤكدًا أهمية تعزيز جهود الترويج لمزايا تأسيس تلك الصناديق في السوق المصري.
كما طالب بوضع آليات جديدة لتحفيز التداول على وثائق صناديق الاستثمار العقاري، وتفعيل دور شركات السمسرة في دعم هذا النوع من الصناديق، خاصة المقيدة منها في البورصة.








