تشهد سوق الملابس الجاهزة فى مصر منافسة متصاعدة بين الشركات التركية والصينية، وسط تزايد خطط التوسع واستغلال موقع مصر كنقطة تصنيع وتصدير للأسواق الخارجية.
وفى وقت سابق من العام الحالى، وقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عقدى مشروعين فى قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة باستثمارات صينية تبلغ 20.6 مليون دولار لشركتى “توب نيو جارمنت” و”جواندونج هونشين تكستايل”، فيما تستهدف شركة “أولوسوى” التركية إطلاق مشروع لإنتاج الغزل والخيوط باستثمارات مبدئية تبلغ 18 ملايين دولار.
قال محمد عبدالسلام رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات باتحاد الصناعات، إن الاستثمارات التركية والصينية عادة ما تنظر إلى مصر باعتبارها محطة للتصنيع والتصدير للأسواق الخارجية، وليس كسوق داخلي للمنافسة على المستهلك المحلي.
أضاف لـ «البورصة»، أن مصر أصبحت نقطة استراتيجية للمستثمرين الأجانب بفضل قربها من أوروبا، واتفاقيات التجارة الحرة التى تمنح منتجات المصانع العاملة فى مصر ميزة سعرية واضحة عند التصدير مقارنة بمنافسين آخرين فى المنطقة مثل المغرب وتونس والأردن.
وأشار إلى أن هذه الاستثمارات الأجنبية تستهدف فى الأساس الأسواق الخارجية الكبرى، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وهو ما يفسر توجه معظم خطوط الإنتاج للتصدير مباشرة بدلًا من طرح المنتجات فى السوق المحلى.
وأوضح عبدالسلام، أن دخول استثمارات أجنبية بهذا الحجم خلق حالة من المنافسة القوية دفعت الكثير من المصنعين المحليين إلى تطوير خطوط إنتاجهم وتحسين الجودة لتلبية معايير التصدير العالمية، بل ورفع طاقتهم الإنتاجية لمواكبة حجم الطلب المتوقع من الشركاء الأجانب أو الوكلاء الدوليين.
وأكد أن المنافسة على الجودة ساعدت كثير من المصانع المصرية على تحديث المعدات وتدريب العمالة ورفع الكفاءة، بما يعود بالنفع على صورة المنتج المصرى فى الأسواق العالمية.
أضاف رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة والمفروشات، أن المصنعين المحليين بدأوا أيضا فى استغلال هذه الفرصة لدخول أسواق جديدة، بدلاً من الاعتماد فقط على السوق المحلى.
وأوضح عبدالسلام، أن المستثمر الأجنبي يستفيد من عوامل أخرى بجانب العمالة الرخيصة، منها توافر المناطق الصناعية المتخصصة والبنية التحتية المجهزة فى المناطق الحرة، والتى توفر تسهيلات وإعفاءات تجعل التصدير أكثر تنافسية وتقلل الكثير من تكاليف التشغيل، بما يضمن سرعة النفاذ للأسواق الأوروبية والأمريكية دون عبء الرسوم الجمركية المرتفعة.
ولفت إلى أن القطاع يتمتع بمرونة عالية، وسهولة فى التوسع والإنتاج بعمالة كثيفة وتكلفة منخفضة نسبيًا، كما أن حجم الطلب الخارجى المتنامى على الملابس المصرية، خصوصًا من أوروبا والولايات المتحدة، يجعل مصر منصة مثالية للشركات الراغبة فى تصدير كميات ضخمة بسرعة وبجودة مقبولة.
لويس: تجربة المنطقة الصناعية الصينية فى العين السخنة أثبتت نجاحا باهرا
وقالت ماري لويس عضو المجلس التصديرى لصناعة الملابس الجاهزة، إن تجربة المنطقة الصناعية الصينية فى العين السخنة أثبتت نجاحا باهرا، وهو ما دفع إلى التوسع فى إنشاء مناطق صناعية جديدة بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين، من بينهم القطاع الصناعي التركى، وذلك استكمالا للتجربة التى بدأها المستثمرون الصينيون.
أضافت لـ «البورصة»، أن الحكومة ترحب بهذه التوسعات، غير أن التحدى الرئيسي الذى يواجه هذه المشروعات يتمثل فى نقص العمالة المدربة الجاهزة، خاصة فى ظل اعتماد المستثمرين الأجانب على الكفاءات المحلية العاملة فى مصانع القطاع الخاص المصري.
وأوضحت أن تركيز الاستثمارات التركية في مصر، خصوصًا في قطاع الملابس الجاهزة، يعود إلى عدة عوامل، من بينها القرب الجغرافي من السوق الأوروبية، واتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، وارتفاع تكلفة الصناعة في تركيا نتيجة ارتفاع أسعار العمالة، مما أفقد المنتج التركى قدرته التنافسية فى بعض الأسواق.
وذكرت أن هذه العوامل مجتمعة تجعل من مصر وجهة صناعية جاذبة، وتدفع بالمزيد من الشراكات الدولية لتعزيز الإنتاج المحلي وفتح أسواق تصديرية جديدة.
طلبة: مصر تكتسب ميزة استراتيجية كمركز إقليمي للتصنيع وإعادة التوزيع
وقال مجدى طلبة، رئيس شركة «تى آند سى» للملابس الجاهزة، إن تدفق الاستثمارات التركية والصينية فى قطاع الملابس الجاهزة بمصر مرتبط بتغيرات أعمق فى خريطة سلاسل الإمداد العالمية.
أضاف لـ «البورصة»، أن المستثمرين الأجانب لم يأتوا لمصر فقط بسبب العمالة الأرخص أو الموقع الجغرافي .. لكن لأن السوق المصرى أصبح يقدم ميزة جديدة وهى قدرته على لعب دور «مركز إقليمى» يجمع بين التصنيع والتصدير وإعادة التوزيع للأسواق القريبة، خصوصًا فى أفريقيا وأوروبا.
وأوضح طلبة، أن الملفت فى الاستثمار التركي والصيني تحديدا هو أن الشركات لا تركز فقط على خطوط الإنتاج، لكنها تأتى ومعها خبرة فى تطوير التصميمات وإدارة الجودة وإدخال نظم تصنيع حديثة.
مؤمن: المنافسة تحسم بالجودة والتصميم وليست بالسعر فقط
وقال شريف وجدي مؤمن رئيس مجلس إدارة شركة وجدى مؤمن وشركاه للصناعات النسيجية، إن عوامل منافسة الشركات الصينية والتركية تتطلب ضمان جودة المنتجات، والابتكار فى التصميم والتكنولجيا المتقدمة وسرعة الاستجابة للسوق وسلاسل الإمداد المرنة، موضحا أن الشركة تتبنى استراتيجيات للقدرة على التنافسية من خلال سمعة العلامة التجارية وشبكة التوزيع الواسعة والتركيز على القيمة المضافة غير السعرية.
وأضاف أن أكثر من 60% من منتجات الشركة تحرص على تجديد تصميماتها بشكل دورى، بما يتماشى مع أحدث اتجاهات الموضة العالمية من حيث الألوان والأشكال المتنوعة.
لفت وجدي، إلى أن دخول الاستثمارات التركية والصينية فى القطاع قد لا يشكل ضغطا على الشركات المحلية على مستوى الأسعار ، ولكن المنافسة تكون فى الجودة والتصاميم وعوامل جذب العمالة، ولكن المنتجات التركية لها تأثير على رفع معايير الجودة فى السوق المحلى ويشجع بعض الشركات على تطوير منتجاتها.
فتح الله: انخفاض “الليرة” يدفع الشركات التركية للتوسع فى مصر
وقال سمير فتح الله، المدير التنفيذي لشركة «ترانس أفريكا»، إن الانهيار الحاد الذي شهدته الليرة التركية خلال السنوات الأخيرة دفع كثيرًا من الشركات التركية الكبرى العاملة فى قطاع الملابس الجاهزة إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها التوسعية خارج حدود تركيا.
أضاف أن هذه الشركات لم تكتف بتقليص الإنتاج أو التراجع عن الأسواق التقليدية، بل فضلت الدخول بقوة فى السوق المصرى عبر إنشاء مصانع جديدة، وهو ما مكنها من الحفاظ على قدرتها التنافسية فى الأسواق الخارجية، خصوصا أسواق الاتحاد الأوروبى وأمريكا الشمالية.
وأوضح فتح الله، أن هذا التوجه التركي نحو مصر ليس مجرد رد فعل قصير المدى للهروب من أزمة سعر الصرف، وإنما يأتي في إطار خطة أوسع تهدف لتقليل الاعتماد على السوق التركي وحده وتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات العملة، إلى جانب الاستفادة من الاستقرار النسبي في سعر الجنيه المصري، وهو ما يمنح هذه الشركات مزيدًا من القدرة على التخطيط طويل الأجل وإبرام عقود تصدير مستقرة.
وأشار إلى أن الاتفاقيات التجارية الموقعة بين مصر وعدد من الأسواق الكبرى تمنح هذه المصانع ميزات تنافسية حقيقية لا تتوفر بسهولة في أسواق بديلة أخرى.
وتابع: “الوضع بالنسبة للشركات الصينية مختلف في تفاصيله لكن متشابه في بعض دوافعه الاستراتيجية”، موضحًا أنه بعد فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية مرتفعة على الملابس الجاهزة الصينية وجدت الشركات الصينية نفسها في مواجهة تحديات كبيرة تهدد حصتها الضخمة في السوق الأمريكي، لذلك لجأت إلى إجراء دراسات سوق معمَّقة لتحليل البدائل الممكنة، وخلصت إلى أن مصر تمثل الخيار الأمثل لإنشاء مصانع جديدة بفضل قربها الجغرافي من أوروبا.
وأشار إلى أن هذه الرؤية الصينية ساعدتها على الحفاظ جزئيًا على تواجدها في السوق الأمريكي بشكل غير مباشر، عبر شحن منتجات تُصنَّع في مصر بدلًا من شحنها مباشرةً من الصين، ما يقلل من تأثير الرسوم الأمريكية المرتفعة ويمنحها مرونة أكبر في إدارة سلاسل الإمداد العالمية.
كشف فتح الله، أن المناطق الحرة في مصر لعبت دورًا محوريًا في جذب هذه الاستثمارات التركية والصينية، وأتاحت للمستثمرين الأجانب مزايا مهمة مثل الإعفاءات الجمركية والضريبية على الصادرات، إلى جانب بنية تحتية جاهزة ومناطق صناعية متخصصة في صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة.
وأكد أن هذه العوامل مجتمعة اختصرت كثيرًا من الوقت والتكاليف على الشركات الأجنبية، وجعلت مصر وجهة أكثر تنافسية مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وهو ما شجع الشركات على زيادة استثماراتها وخططها التوسعية في السوق المصري خلال السنوات المقبلة.
