بصفته مبتكراً مالياً دائماً، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب يبتكر نوعاً جديداً كلياً من الديون القابلة للتحويل وحقل تجاربه هو شركة “ليثيوم أمريكاز”، التي تُطوّر منجماً فوق أكبر مكامن الليثيوم في الولايات المتحدة.
بالتالي، قد نشهد انطلاق تجربة كبرى في سوق الليثيوم الغريبة أصلاً.
في أواخر أيام إدارة الرئيس السابق جو بايدن، حصلت شركة “ليثيوم أمريكاز” على التزام بقرض بقيمة 2.3 مليار دولار من وزارة الطاقة لتمويل معظم تطوير المرحلة الأولى من مشروع “ثاكر باس” في نيفادا.
وفي الوقت نفسه، استحوذت شركة “جنرال موتورز” على حصة في المشروع (بعدما تحصلت على حصة مباشرة في “ليثيوم أمريكاز” نفسها) ووسّعت اتفاقية شراء إنتاج المنجم.
يتماشى كل هذا مع مساعي بايدن لإعادة سلاسل توريد المعادن الحيوية التي تُرك أمرها للصين إلى الداخل الأمريكي، وتشجيع الإنتاج المحلي للبطاريات والسيارات الكهربائية.
لقد تغيّر الزمن، وقد أبدى ترامب انفتاحاً على إلغاء الالتزامات التي قطعها سلفه تجاه مشاريع التحول في مجال الطاقة وليس فقط مراجعتها، ولعل أبرز مثال على ذلك مشاريع طاقة الرياح البحرية.
الآن، فيما تفاوض شركة “ليثيوم أمريكاز” على تعديلات على قرضها، نقلت تقارير إعلامية أن وزارة الطاقة طرحت فكرة الاستحواذ على حصة في الشركة كجزء من ذلك، ربما تصل إلى 10% وفقاً لتقرير من رويترز، كما بيّنت التقارير أنها تسعى إلى حض “جنرال موتورز” على إبرام اتفاقية لشراء قدر أكبر من إنتاج “ثاكر باس”.
شغف ينافي بغضاً
قد يبدو غريباً أن يسعى ترامب إلى زيادة مشاركة الولايات المتحدة في مشروع مرتبط بالسيارات الكهربائية، في ظل قرب إلغاء الإعفاءات الضريبية للمستهلكين التي كانت مطبقة في عهد بايدن على تلك المركبات، لكنه مولع جداً بكل ما يتعلق باستخراج المعادن الأمريكية وبيعها.
رغم أن بطاريات السيارات تُمثل حوالي 75% من الطلب العالمي على الليثيوم اليوم، إلا أنها تُستخدم أيضاً في تشغيل أشياء أخرى.
تشكل بطاريات الشبكات 15% (ومازالت في ازدياد) من الطلب على الليثيوم، ورغم أنها تيسر استخدام قطاعات أخرى تزعج ترامب، مثل الطاقة الشمسية، إلا أنها برزت كمكونات أساسية في شبكة كهرباء تواجه تحدياً هائلاً يتمثل في أولوية أخرى لترامب، وهي بناء مراكز البيانات.
حظيت بطاريات الشبكات بإعفاء مؤقت من مشروع قانون الضرائب الجمهوري غير الموائم للبيئة على نطاق واسع، بالإضافة إلى ذلك، تشغّل بطاريات أيونات الليثيوم مجموعةً متنامية من المعدات العسكرية، بما في ذلك الطائرات المسيّرة.
تملك الصين نحو ربع طاقة تعدين الليثيوم وأربعة أخماس طاقة تكرير الليثيوم الخام عالمياً، بالإضافة إلى هيمنتها على سلسلة قيمة بطاريات أيونات الليثيوم بشكل عام.
في هذا السياق، قد تكون الإدارة ببساطة تغتنم الفرصة التي أتاحتها إعادة تفاوض شركة “ليثيوم أمريكاز” للدفع نحو دور أكبر في مورد استراتيجي.
تخيّل شركة استثمار خاص عدائية جداً، معروفة بممارسة أدوات ضغطها الخاصة عندما لا تحصل على ما تريد.
سهم الشركة يحصد المكاسب
ارتفع سهم شركة “ليثيوم أمريكاز” بأكثر من الضعف، وتجاوز ارتفاعه حتى كتابة هذه السطور 90%.
يعكس هذا ارتياحاً كبيراً لأن الإدارة كان متوقع لها أن تكون معادية قد تصبح شريكاً، ويدعم ذلك مركز قوي للبيع على المكشوف، لكن هذا ليس مجرد مساهم جديد محتمل، والليثيوم ليس مجرد سوق سلعة عادي.
لقد مر بدورة ازدهار وكساد استثنائية في السنوات الأخيرة، إذ ارتفع من أقل من 7000 دولار للطن في نهاية ولاية ترامب الأولى إلى حوالي 80 ألف دولار، ثم انهار إلى مستواه الحالي عند 10 آلاف دولار.
في حين يصعب استبدال الليثيوم في التطبيقات، إلا أن العرض يستجيب بسرعة استثنائية لارتفاع الأسعار، كما أن سيطرة الصين على سلسلة التوريد بأكملها تمنح بكين دوراً كبيراً في تحريك الأسعار وفقاً لأهداف سياستها.
ساعد تعليق الإنتاج في مناجم صينية كثيرة، ربما كجزء من جهد أوسع لكبح فائض الطاقة الإنتاجية في سلسلة توريد السيارات الكهربائية في البلاد، على انتعاش أسعار الليثيوم إلى حد ما هذا الصيف.
مع ذلك، مايزال الإنتاج المعلق جزءاً من الطاقة الإنتاجية، ومخاطر الليثيوم سلبية: عالمياً، يبلغ العرض المخطط له حتى عام 2028 ضعف ما هو مطلوب كي تستقر مخزونات المعدن مقارنةً بالطلب، وفقاً لمحللين في مجموعة “جولدمان ساكس”.
كان القلق من بدء تشغيل ثاكر باس، وسط وفرة في المعروض، أحد العوامل التي أثرت على سعر سهم “ليثيوم أمرييكاز” المتراجع.
الآن، يُحتمل أن يكون أحد أكبر مساهميها كياناً مدفوعاً باعتبارات استراتيجية لتشجيع المزيد من العرض، لكنه ملتزم أيضاً أيديولوجياً بكبح الطلب المحلي من خلال تثبيط السيارات الكهربائية، في هذا الصدد، من المتوقع أن تتابع شركة “ريفيان أوتوموتيف”، وهي شركة أخرى مستفيدة من قرض وزارة الطاقة.
قد تكون النتيجة سوق ليثيوم تهيمن عليه الدولة بقدر أكبر، ما يُفاقم دورات الازدهار والكساد، لكنه يميل أكثر نحو الكساد على المدى القريب إلى المتوسط.
ليست هذه إشارةً إيجابيةً لشركات التعدين ككل، لكنها قد تكون مُمتازةً لاقتصاديات البطاريات والطلب عليها.
لكن لا تبلغوا “ترامب” بذلك.








