عندما يكون الرقيب محترفاً ومدركاً جيداً دوره الرقابى، فإنَّ ممارسته الرقابية ستعود بالنفع على القطاع الذى يراقبه أو يشرف على تنظيمه، وهذا ما نلاحظه حالياً فى هيئة الرقابة المالية.
فعلى مدى العامين الماضيين تحولت الهيئة إلى حراك ونشاط ملحوظيْن بعد صمت وسكون لأعوام سابقة، وأصبح كل يوم نُفاجأ بقرار أو ضوابط جديدة لتنظيم نشاط ما أو لمواجهة أمر ما قد يضر بالمتعاملين. فالهيئة لا تترك صغيرة أو كبيرة فى سوق المال أو القطاع غير المصرفى دون تنظيم أو ضوابط تحدد نطاق العمل، وتحمى حقوق المتعاملين، فالهيئة اتسع نطاق إشرافها؛ فلم يعد مقصوراً على سوق المال فقط؛ بل امتد للقطاع المصرفى، وهو قطاع كبير ومتنامٍ فى أعداد شركاته والمتعاملين فيه.. فهى منوطة بالإشراف على تطبيق القانون، خاصة بالأنشطة التى تراقبها الهيئة وتشرف عليها مثل قانون سوق المال، وقانون التأمين الموحد، والتشريعات المتعلقة بالتمويل غير المصرفى وغيرها.
اقرأ أيضا: حسين عبدربه يكتب: كيف نحمى الصناعة الوطنية من مخزون العالم؟
وهو أمر يتطلب باستمرار متابعة دقيقة لكل هذه الأنشطة، خاصة أنها تتعلق بحقوق متعاملين من الأفراد والمؤسسات، ما يتطلب العمل على ضمان حماية هذه الحقوق.. واحترافية الهيئة حالياً تبدو فى إدراكها متى تتدخل، وكيف، فى أمر ما يخص نشاطاً معيناً، فقد يكون الأمر تنظيمياً بإصدار تعليمات أو ضوابط تحدد نطاق عمل هذا النشاط أو أنها ترى أن تنظيم نشاط ما قد يتطلب رفع كفاءة العاملين فيه من خلال التدريب لضمان كفاءة من يديرون هذه الأنشطة، وهذا دور تصر عليه الهيئة وتنفذه وهو أمر قد لا يجد قبولاً لدى البعض فى أمور ما، وهو ما يتطلب أن يكون هناك حوار مستمر بين الهيئة والشركات بشأن التدريب.
كذلك يتدخل الرقيب، ويطلق الرصاص على من يتلاعب فى السوق؛ لأنه يضر بالمتعاملين فيه بصفة خاصة وبالاقتصاد القومى بصفة عامة، ولذلك كانت مفاجأة مدوية حينما أعلنت أسماء 13 شخصاً يتلاعبون فى سوق المال.. وقد كان رئيس الهيئة محدداً فى حديثه إلى رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية، حينما قال إنه فى حالات التلاعب لن يهدد أو يستخدم طلقات خرطوش، بل سيطلق الرصاص الحى على المتلاعبين وهذا أمر لا يختلف عليه أحد.
اقرأ أيضا: حسين عبدربه يكتب: أزمة رسوم الساحل الشمالي
ولكن احترافية الرقيب تتطلب نوعاً من المرونة بين إشرافه على نشاط ما والرقابة عليه؛ فبعض الأمور التنظيمية قد تحتاج إلى حوار لتنظيم نشاط ما مع العاملين فيه.. وأن يكون الحوار نابعاً من الرغبة فى الوصول إلى ضمان كفاءة النشاط وضمان حقوق المتعاملين فيه، أى لا يجب أن ينفرد الرقيب بإصدار أوامر أو ضوابط بحكم سلطاته دون حوار ودراسة مسبقة لهذه الضوابط وتأثيرها على سير العمل فى هذا النشاط وأن تساعد هذه الأنشطة فى ابتكار منتجات جديدة تخدم السوق.
إنَّ هيئة الرقابة دورها كبير والأنشطة التى تشرف عليه كثيرة جداً، فالهيئة دورها يتجاوز دور أكثر من وزارة؛ بل هى بنك مركزى آخر، وهو ما يعنى أن دورها فى أداء الاقتصاد القومى كبير بجانب أنها تحافظ على حقوق ملايين المتعاملين، لذلك فإنَّ هيئة الرقابة يتعاظم دورها أيضاً بألا تقف مكتوفة الأيدى فى بعض الأمور.. إذ يجب أن يكون لها دور لدى السلطات العليا فى الحكومة فى اقتراح بعض السياسات أو القرارات التى من شأنها تعظيم الأنشطة التى تشرف عليها، والتى هى مكون رئيسى من مكونات السياسة والأدوات الاقتصادية للبلاد.. مثل اقتراح سياسات محفزة لقيد الشركات فى البورصة وأن تكون الهيئة استشارى الحكومة فيما يخص برنامج الطروحات فى اختيار توقيتات الطرح واختيار مستشارى الطرح، فهى عين الحكومة على جزء كبير من الاقتصاد له مساهماته فى الناتج القومى، ولقد كان لهذه الهيئة قامات تتمتع بهدوء وتقدر وتحترم من لهم خبرة وفكر من العاملين فى أى من الأنشطة التى تخضع لرقابة الهيئة، وأخص بالذكر الراحل العظيم د. أحمد سعد، والخبير والمفكر الاقتصادى الهادئ شريف سامى.
اقرأ أيضا: حسين عبدربه يكتب: فخ الأموال الساخنة ودروس الماضى
وقد نجح رئيس الهيئة د. محمد فريد أن ينال إعجاب الزملاء رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية حينما استعرض دور الهيئة وما تقوم به لإيضاح الدور الكبير الذى تقوم به الهيئة، وأن هناك جهداً يبذل، وجزء كبير من هذا الإعجاب ناتج من الحوار الذى دار مع رئيس الهيئة بهدوء وسعة صدر.
إننى أفضل استخدام دور المشرف أو المنظم عن استخدام مصطلح الرقيب.. فلتكن الرقابة هى الخطوة الأخيرة؛ إذ يجب أن يسبقها تنظيم وتهيئة السوق، ثم تكون الرقابة على الأخطاء التى تضر بالسوق والمتعاملين فيه.. وقتها لك الحق أن تطلق الرصاص.








