لا يختلف أحد على أهمية الصناعة بالنسبة للاقتصاد القومى.. وأن المطالبة الحالية من الجميع أنه قد آن الأوان للاهتمام بالصناعة والزراعة إذا كنا نريد بناء اقتصاد قوى متماسك.. وبالفعل هناك رغبة لدى الدولة فى الاهتمام بالصناعة وحل مشاكلها.. ولكن أى صناعات نريد إقامتها؟.. إننا نريد أن يكون لدينا قلاع صناعية ضخمة فى مجالات البتروكيماويات، وكذلك الحديد والصلب، فهاتان الصناعتان تحديدًا منتجاتها تدخل كمكون أساسى فى العديد من الصناعات الأخرى السيارات والأسلحة والسكة الحديد والأجهزة المنزلية والكهربائية وغيرها، وهذا النوع من الصناعات الصلب والبتروكيماويات تحتاج إلى استثمارات ضخمة وتكنولوجيا متطورة وعمالة مدربة بجانب أن مساهمتها فى الناتج المحلى تكون فعالة ومؤثرة سواء فى توفير العملة الأجنبية من جانب ما تصدره أو من خلال تقليل حجم الواردات من منتجاتها، بالإضافة إلى أنها كثيفة العمالة أيضا.. ولا شك أن هذا النوع من الصناعة والذى نسعى لتوطينها، كما يحدث فى صناعة السيارات ومحاولة جذب العلامات التجارية العالمية لتصنيع منتجاتها فى مصر يحتاج إلى حماية ودعم من الدولة حال وجود خطر يهددها من عمليات إغراق بسبب فتح الباب على مصراعيه أمام الواردات بما يضر بالصناعة الوطنية التى نحن نحتاجها بالفعل لتنمية الاقتصاد وتوفير فرص عمل..
ولعلنا نشهد حاليًا حروبًا تجارية عالمية تقودها أمريكا بفرضها رسوما جمركية مرتفعة لحماية منتجاتها من الواردات، وتحديدًا فى الصناعات الكبرى التى تحظى بمنافسة عالمية مثل صناعة الصلب والبتروكيماويات والسيارات، فهناك دول تسعى لتصريف الفائض لديها من سلع ما فتقوم بتصديرها بأسعار أقل من سعر التكلفة بهدف التخلص منها.. وتجد مستوردين يقبلون عليها لرخص سعرها ويستوردونها وتباع بأسعار أقل من سعر تكلفة المنتج المحلى الذى يتضرر فى هذه الحالة. والمتضرر ليس المصنع فقط بل الاقتصاد القومى الذى سيخسر الضرائب والرسوم التى يدفعها المنتج المحلى وقد تدفع العمالة ثمن هذا الإغراق إذا ما تم غلق المصنع أو تقليل طاقته الإنتاجية ومفهوم الحماية للصناعة الوطنية لا يعنى حماية مطلقة تؤدى لاحتكار ورفع الأسعار دون مبرر.
بل المقصود من الحماية هو خلق سوق متوازن من حيث المنافسة من خلال تحقيق العدالة السعرية بين المنتج المحلى والمستورد.. فإذا ما فرضت الدولة رسوم حماية لمنتج ما فلا يجب النظر إلى ذلك باعتباره إجراء ماليا يترتب عليه زيادة محدودة فى أسعار بعض المنتجات بل يتعين النظر إليه من منظور استراتيجى أشمل يتقاطع مع أولويات الدولة فى تعزيز الاستقلال الصناعى ودعم الاقتصاد الوطنى. ومصر الآن لديها صناعات كبيرة فى الصلب والبتروكيماويات وصناعات السكة الحديد والسيارات والأجهزة المنزلية.. كثير منها لو تواجد فى الأسواق العالمية سينافس بقوة ونفخر أننا لدينا من ينافس باسم “صنع فى مصر” فى الخارج.
فى المقابل أى قرار هناك مستفيد منه وهناك متضرر، ولكن يجب تعظيم المصلحة العامة، خاصة إذا كان هذا المتضرر من المصانع سيقل هامش ربحه فقط وليس تحقيق خسائر.. كذلك لا يجب أن يستغل البعض فرض رسوم حماية ويرفع أسعار منتجاته بحجة أن أحد المكونات فى المنتج فرضت عليه رسوم إغراق ولا يجب المزايدة على أن المستهلك سيدفع الثمن.. أو أن القرار صدر لصالح فلان لنفوذه مثل هذه الأمور لم تعد مقبولة الآن، ففرض مثل هذه الرسوم الحمائية تراقبه منظمة التجارة العالمية والدول المصدرة للمنتج الذى تم فرض رسوم إغراق عليه لن تسكت هى الأخرى.. من هنا يأتى دور منظمات الأعمال كاتحاد الصناعات والغرف التجارية فى كيفية البحث عن تقليل الأضرار عن المصانع المتضررة وفتح حوار مع المصانع المنتجة للمنتج الذى فرض له رسم إغراق بتوفير المنتج للمصانع المحلية بتيسيرات محفزة له دون أن يلجأ للاستيراد. أما من يريد ضجيجًا فساحة القضاء تسع الجميع.








