في مدينة برمنغهام بولاية ألاباما، يجلس كاميرون باباس، مالك متجر الزهور “نورتونز فلوريست”، بعيدا غير مكترث بطفرة الذكاء الاصطناعي التي تبدو بعيدة كل البعد عن واقعه اليومي.
فبينما تدفع شركات مثل “إنفيديا” و”ألفابت” و”برودكوم” مؤشرات الأسهم إلى مستويات قياسية جديدة وتُعزز الناتج المحلي الإجمالي، يعيش باباس واقع الاقتصاد الحقيقي البعيد عن “وول ستريت” و”وادي السيليكون”.
وتعاني الشركات الصغيرة مثل “نورتونز”، ومعها مؤسسات من مختلف الأحجام في قطاعات التجزئة والبناء والضيافة، من ارتفاع التكاليف الناتج عن الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت يقلّص فيه المستهلكون المتشائمون إنفاقهم.
حقّق متجر “نورتونز” العام الماضي إيرادات بلغت 4 ملايين دولار من بيع الزهور والنباتات والهدايا للسكان المحليين.
ولتجنّب رفع الأسعار الذي قد يدفع الزبائن إلى الهروب، اضطر باباس إلى الإبداع في تعديل تصميماته.
قصص مثل قصة باباس، وكثير غيرها، تُخفيها البيانات الاقتصادية الكلية التي تُظهر قوة الذكاء الاصطناعي.
ففي النصف الأول من العام، أسهمت الاستثمارات الرأسمالية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بنسبة 1.1% من نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتقرير صادر عن بنك “جي بي مورجان تشيس” في سبتمبر.
وأوضح التقرير أن هذا الإنفاق تجاوز إنفاق المستهلك الأمريكي “بوصفه محركاً للتوسع الاقتصادي”.
وقالت وزارة التجارة الأمريكية إن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ارتفع بمعدل سنوي بلغ 3.8% خلال الربع الثاني من عام 2025 بعد انخفاضه بنسبة 0.5% في الربع الأول.
أما إنفاق قطاع التصنيع الأمريكي، فقد انكمش لسبعة أشهر متتالية وفقاً لمعهد إدارة التوريد.
كما ظل الإنفاق على البناء ثابتاً أو متراجعاً نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة التكاليف.
وأشارت شركة “كوشمان آند ويكفيلد” في تقرير هذا الشهر إلى أن التكلفة الإجمالية لمشروعات البناء في الربع الرابع سترتفع بنسبة 4.6% عن العام السابق بسبب الرسوم الجمركية المفروضة على مواد البناء.
ويُظهر سوق الأسهم بدوره انقساماً مشابهاً بين شركات الذكاء الاصطناعي وبقية القطاعات.
فثماني شركات تكنولوجية تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار أو أكثر، وجميعها مرتبطة بشكل أو بآخر بالذكاء الاصطناعي.
وتشمل هذه الشركات “إنفيديا”، و”مايكروسوفت” و”آبل” و”ألفابت”، و”أمازون” و”ميتا” و”تسلا” و”برودكوم”، التي تشكل مجتمعة نحو 37% من مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”.
وتستحوذ “إنفيديا” وحدها، بقيمة سوقية تبلغ 4.5 تريليون دولار، على أكثر من 7% من قيمة المؤشر القياسي.
يشعر المستثمرون بحماس كبير تجاه الاستثمارات الضخمة التي تُضخ في بنية الذكاء الاصطناعي التحتية.
فقد ارتفعت أسهم “برودكوم” بأكثر من 50% هذا العام بعد أن تضاعفت قيمتها في كل من العامين السابقين، بينما قفزت أسهم “إنفيديا” و”ألفابت” بنحو 40% في عام 2025.
هذا يفسّر ارتفاع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 15% ومؤشر “ناسداك” بنسبة 20% ليُسجلا مستويات قياسية يوم الجمعة، رغم استمرار الإغلاق الحكومي الذي يُثير القلق الاقتصادي.
في المقابل، لم ترتفع مؤشرات القطاعات الفرعية في “ستاندرد آند بورز 500” التي تضم شركات السلع الاستهلاكية الكمالية والأساسية بأكثر من 5% منذ بداية العام.
وجاء أحدث مؤشر مقلق في سوق المستهلكين يوم الخميس، عندما أعلنت شركة “تارجت” عن تسريح 1800 موظف من الإدارات المركزية، وهي أول جولة تسريح كبرى للشركة منذ عقد.
وقال آرون سونداراراجان، أستاذ في كلية “ستيرن” لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، في مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي”: “أعتقد أن الرسالة القائلة إن اقتصاد الذكاء الاصطناعي يدفع أرقام الناتج المحلي الإجمالي إلى الأعلى صحيحة”.
وأضاف: “قد تكون هناك نقاط ضعف في بقية الاقتصاد، أو ليس ضعفاً بالضرورة، ولكن نمواً أكثر تواضعاً”.
سيسمع المستثمرون الكثير عن الذكاء الاصطناعي خلال الأيام المقبلة، وهي الفترة الأكثر ازدحاماً في الربع بالنسبة لإعلانات أرباح شركات التكنولوجيا، وسينتظرون عن كثب توجيهات إضافية بشأن الإنفاق الرأسمالي.








