في خطوة تعكس رؤية الدولة المصرية نحو تعميق جسور الثقة مع أبناء الوطن في الخارج، أطلق البنك المركزي المصري مبادرة « افتح حسابك في مصر»، والتي تتيح للمصريين العاملين بالخارج فتح حسابات مصرفية في بنكي الأهلي المصري، ومصر، دون الحاجة إلى التواجد داخل البلاد.
وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود الدولة لتعزيز ارتباط المصريين بالخارج بالاقتصاد الوطني، وتوسيع قاعدة الشمول المالي، وجذب مزيد من التدفقات الدولارية الرسمية عبر القنوات البنكية الآمنة.
وتُعد المبادرة نقلة نوعية في آليات التعامل المصرفي، إذ تواكب التطور الرقمي في الخدمات المالية وتستجيب لاحتياجات المغتربين، بما يسهم في دمج تحويلاتهم ضمن المنظومة الرسمية ودعم احتياطي النقد الأجنبي، في وقت تسعى فيه الدولة لتعزيز مواردها من العملة الصعبة وتنشيط التعاملات البنكية العابرة للحدود.
من جانبهم اتفق خبراء مصرفيون ، على أن المبادرة تمثل خطوة هامة تعكس حرص الدولة على تعزيز ارتباط المصريين العاملين في الخارج بالمنظومة المصرفية المصرية، وزيادة التحويلات عبر القنوات الرسمية لدعم تدفق العملات الأجنبية، بما يدعم استقرار الاقتصاد المحلي وسعر الصرف وتعزيز جهود الشمول المالي والتحول الرقمي في القطاع البنكي.
قال الدكتور أحمد شوقي، الخبير المصرفي، إن المبادرة تمثل خطوة بالغة الأهمية، تعكس توجه الدولة نحو تعظيم الاستفادة من تحويلات المصريين بالخارج باعتبارها أحد أهم مصادر النقد الأجنبي.
وارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى 26.6 مليار دولار منذ بداية العام وحتى أغسطس الماضي، مقابل 18.1 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق، بمعدل نمو 47.2%، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي.
وعلى المستوى الشهري، سجلت التحويلات خلال أغسطس نحو 3.5 مليار دولار، مقابل 2.6 مليار دولار في أغسطس 2024، بمعدل نمو 32.6%.
أكد شوقي أن تلك الزيادة تعكس ارتداد المصريين العاملين بالخارج عن تحويل أموالهم بطرق غير شرعية إلى القنوات الرسمية، ما يدعم استقرار سعر الصرف وتوفير سيولة أجنبية تحقق الاستقرار الاقتصاد.
وأكد حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، أن المبادرة ستُسهم في تشجيع تحويلات المصريين بالخارج إلى البنوك المصرية، وتعزيز استثمارهم لمدخراتهم في الأوعية الادخارية المتاحة داخل مصر، فضلًا عن تيسير الخدمات المصرفية المقدمة لهم.
أضاف أن المبادرة تعزز الثقة في القطاع المصرفي المصري وتسهم في استقطاب مزيد من تعاملات المصريين بالخارج، خاصة في ظل حالة الاستقرار النسبي في سعر الصرف خلال الفترة الأخيرة، ما يدعم نمو معدلات الشمول المالي.
وارتفع معدل الشمول المالي في مصر إلى 76.3% بنهاية يونيو الماضي، مقارنة بنحو 74.8% في ديسمبر 2024، بحسب بيان صادر عن البنك المركزي.
أضاف أن هذة الخطوة ستنعكس إيجابيًا على ميزان المدفوعات والاحتياطي النقدي الأجنبي، لاعتبار تحويلات العاملين بالخارج أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية.
وارتفعت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي إلى 49.53 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، مقابل 49.25 في أغسطس 2025، بحسب بيانات صادرة عن المركزي.
ومن منظور اقتصادي، قال شوقي، إن للمبادرة دورًا في رفع معدلات الادخار والاستثمار المحلي، معتبرًا إياها بمثابة حلقة وصل تعكس قدرة السياسة النقدية على توظيف الأدوات المصرفية في دعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الثقة في الجنيه المصري.
ومن رؤية مصرفية، ذكر شوقي أن المبادرة تمثل تطورًا نوعيًا في دعم عملية التحول الرقمي في الخدمات البنكية.
وتوقع نمو قاعدة العملاء بالبنكين، الأهلي المصري، ومصر، بنحو يتراوح بين 15-20% خلال العام الأول من تفعيل المبادرة، بفضل استقطاب شرائح جديدة من العملاء.
كما رجح شوقي، أن يُتيح البنك المركزي لباقي البنوك تطبيق تلك الخدمة فور التأكد من نجاحها على أرض الواقع مع ضرورة التزامهم بالضوابط الرقابية التي يقرّها المركزي لضمان سلامة التنفيذ واستدامة النتائج الإيجابية للمبادرة.
«وجيه»: المبادرة ستفتح مجالًا أوسع لتسويق منتجات استثمارية موجهة
وقالت شيماء وجيه، الخبيرة المصرفية، إن المبادرة تشكل ركيزة أساسية في مسار التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي، من خلال تطوير علاقة القطاع المصرفي المصري مع الجاليات المصرية بالخارج.
وأضافت أن الأثر المباشر للمبادرة يتمثل في تيسير المعاملات المصرفية للمصريين بالخارج دون الحاجة إلى الحضور الشخصي لفروع البنوك داخل مصر، وهو ما يعزز الثقة في الجهاز المصرفي ويحفظ الوقت والتكاليف الإدارية.
وأوضحت أن المبادرة ترتكز على هدفين متكاملين؛ أولهما قصير المدى يتمثل في جذب تحويلات العاملين بالخارج وتعزيز موارد الدولة من النقد الأجنبي، بينما الثاني طويل المدى يهدف إلى تحقيق شمول مالي أوسع وتوسيع قاعدة المتعاملين مع البنوك المصرية على مستوى عالمي.
وذكرت أن المبادرة تخلق رؤية جديدة تجمع بين البعد المالي والاقتصادي، وتعكس حرص الدولة على ترسيخ الثقة وربط أبنائها في الخارج بالمنظومة المصرفية الوطنية.
وترى وجيه، أن المبادرة قد تسهم في فتح مجال أوسع أمام البنوك لتسويق منتجات مالية واستثمارية موجهة خصيصًا لهم، مثل شهادات الادخار بالعملة الأجنبية أو برامج التمويل العقاري للعاملين بالخارج، بما يحقق مزايا وتيسيرات مالية متعددة تدعم استدامة موارد الدولة من العملات الأجنبية.
وأكدت أن هذه الخطوة تحقق مكاسب مزدوجة للبنوك، من خلال توسيع قاعدة العملاء النشطين وزيادة حجم التحويلات الدولارية، الأمر الذي ينعكس إيجابيًا على ميزان المدفوعات ويعزز من مستويات السيولة داخل النظام المصرفي.
وأوضحت وجيه، أن تطبيق المبادرة بدأ في بنكي الأهلي المصري وبنك مصر باعتبارهما الأكبر من حيث الانتشار والحصة السوقية والأكثر امتدادًا خارجيًا مع قدرتهما على تطبيق التعليمات الرقابية وضمان الانضباط التشغيلي.
ورجحت أن يسود ذلك التوجه ويتم إتاحة التطبيق تدريجيًا ليشمل مزيدًا من البنوك خلال الفترة المقبلة بمجرد نجاح التجربة مبدئيًا وظهور مردود إيجابي على حجم التحويلات الخارجية، خاصة لدى المصارف التي تمتلك بنية تكنولوجية قوية وقدرة عالية على إدارة العمليات المصرفية.
كما توقعت أن تشهد المبادرة زيادة فعلية في عدد عملاء البنوك من المصريين بالخارج، موضحة أن الخطوة الجديدة تزيل واحدة من أبرز العقبات التي كانت تحد من تعاملهم المباشر مع الجهاز المصرفي، والمتمثلة في صعوبة فتح الحسابات من خارج البلاد.
«سليمان»: تيسير فتح حسابات للمصريين بالخارج يدعم استمرار اختفاء السوق الموازي
وقال أيمن سليمان، الخبير المصرفي، إن المبادرة ستنعكس إيجابياتها على موارد الدولة من النقد الأجنبي، فضلًا عن دعم الشمول المالي، وربط المصريين بالخارج بالاقتصاد الوطني.
وأوضح أن تيسير فتح الحسابات المصرفية يدعم استمرار اختفاء نشاط السوق الموازي وإتاحة فرصة للمغتربين للاستفادة من المنتجات والخدمات المصرفية والاستثمارية المتاحة في السوق المصرية، مثل الأوعية الادخارية وشهادات الادخار وصناديق الاستثمار.
وأشار إلي أن تبسيط الإجراءات يشكل عامل جذب محوري يدفع شريحة واسعة من المصريين بالخارج إلى الانخراط في المنظومة المصرفية المصرية، والاستفادة من الخدمات البنكية لإدارة مدخراتهم واستثمارها داخل البلاد بثقة وسلاسة.
ورجّح سليمان أن يشهد البنك الأهلي ومصر زيادة في عدد العملاء من المصريين بالخارج بعد تفعيل الخدمة.
ويتوقع أن تُتاح المبادرة مستقبلا في بنوك أخري، استنادًا إلى نتائج التقييم المستقبلي للتجربة ومستوى كفاءة تنفيذها في مرحلتها الأولى، إضافةً إلى مدى الحاجة لمشاركة مزيد من البنوك بهدف تعزيز تعميم التجربة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها على مستوى القطاع المصرفي.








