أعادت شركات القطاع المالي غير المصرفي المدرجة بالبورصة المصرية، ترتيب أولوياتها التشغيلية خلال النصف الأول من عام 2025، وسط تحوّل تدريجي في بيئة أسعار الفائدة واتجاه السياسة النقدية نحو التيسير بعد سنوات من التشديد.
ورغم أن خفض الفائدة منح تلك الشركات متنفسًا في تكلفتها التمويلية، إلا أن الأثر لم ينعكس بالكامل على هوامش الربحية، لتبدأ مرحلة جديدة من الموازنة بين تراجع العائدات التمويلية من جانب، والسعي إلى توسيع قاعدة الإقراض وتنويع مصادر الدخل من جانب آخر.
وكشفت القوائم المالية للشركات المقيدة أن آثار تراجع تكلفة الاقتراض بدأت تظهر تدريجيًا في نتائج أعمال النصف الأول من 2025، إذ تحسّنت أرباح بعض الشركات بوتيرة لافتة، فيما ظلت شركات أخرى تعاني تباطؤًا في الإيرادات نتيجة هدوء الطلب على التمويل، ما يعكس اختلاف أنماط النشاط داخل القطاع.
وبحسب مسح أجرته «البورصة»، فقد استفادت 6 شركات من أصل 10 شركات من انخفاض تكلفة التمويل في تحسين ربحيتها، كانت أبرزها برايم القابضة للاستثمارات المالية التي حققت نمواً في الأرباح بنسبة 178.5%، تلتها “جي بي كوربوريشن” بزيادة في الإيرادات بلغت 141.9%، وبلتون القابضة بنمو 123.4%.
في المقابل، تراجع الأداء لدى سى آى كابيتال بنسبة 1.4% وإى إف جى القابضة بنسبة 15.4%، نتيجة تباطؤ الطلب على التمويل وتراجع العمولات الاستثمارية مقارنة بذروة النشاط في العام السابق.
شفيع: شركات الأنشطة السوقية وخدمات الاستشارات أو الوساطة أقل حساسية
يرى مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة «عربية أون لاين» لتداول الأوراق المالية، أن تباين نتائج الشركات يعكس بالأساس اختلاف نماذج عملها.
فالشركات التي تعتمد على الإقراض المباشر للأفراد تتأثر سريعًا بتغير الفائدة، بينما الشركات التي تعتمد على الأنشطة السوقية وخدمات الاستشارات أو الوساطة أقل حساسية لهذه المتغيرات.
وأوضح شفيع أن أثر خفض الفائدة في المرحلة الحالية لم يبلغ ذروته بعد، وأن التراجع الكبير في تكلفة التمويل سيظهر تدريجيًا مع استقرار دورة التيسير النقدي خلال 2025.
وأضاف أن «العام الماضي كان نقطة الذروة في ارتفاع تكلفة الاقتراض»، إذ واجهت الشركات زيادات حادة في مصروفات الفائدة بينما ظلت عوائدها ثابتة على القروض الممنوحة مسبقًا، وهو ما ضغط على أرباحها. أما في النصف الأول من 2025 فقد بدأت هذه الضغوط تنحسر تدريجيًا، لتتحسن هوامش الربح لدى الشركات ذات التمويل المرتفع.
عبدالقادر: الأثر الكامل لخفض الفائدة لم يظهر بعد
وأشار عامر عبدالقادر، رئيس قطاع السمسرة بشركة «بايونيرز»، إلى أن المقارنة بين النصفين الأول من عامي 2024 و2025 تكشف بوضوح التحول في المناخ الاقتصادي، موضحًا أن النصف الأول من 2025 شهد بداية دورة التيسير النقدي بعد قرار البنك المركزي خفض الفائدة في أبريل بمقدار 225 نقطة أساس إلى 25.5%، ثم خفض إضافي في مايو لتستقر عند 24%، وهو ما دعم مراكز الشركات ماليًا دون أن يظهر أثره الكامل بعد.
أضاف أن انعكاس خفض الفائدة على الأداء المالي سيبدو أكثر وضوحًا في نتائج العام بأكمله، مع استمرار انخفاض التكلفة التمويلية وتراجع معدلات التضخم.
الألفي: الشركات كثيفة الاقتراض ستكون المستفيد الأكبر من خفض التكلفة التمويلية
من جانبه، يرى عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم بشركة «ثاندر» لتداول الأوراق المالية، أن العلاقة بين الفائدة وربحية الشركات ليست خطية، موضحًا أن حجم القروض وهيكل التمويل الداخلي لكل شركة يحددان مدى الاستفادة من التيسير النقدي.
قال الألفي إن الشركة التي قلّصت مديونيتها ستستفيد جزئيًا فقط من انخفاض الفائدة، بينما الشركات كثيفة الاقتراض ستكون المستفيد الأكبر من خفض التكلفة التمويلية.
وأضاف أن انعكاس الخفض على الأرباح يتأخر عادةً دورة مالية أو أكثر، إذ تبدأ التكلفة التمويلية بالتراجع تدريجيًا مع تجديد القروض أو إعادة تسعيرها بمعدلات أقل.
ولفت الألفي إلى أن تقييم الأداء ينبغي أن يستند إلى مؤشرات العائد على حقوق الملكية وصافي الربح، وليس فقط إلى تراجع تكلفة التمويل، لأن بعض الشركات قد تواجه انخفاضًا في الإيرادات التشغيلية إذا تباطأ الطلب في السوق رغم انخفاض الفائدة.
عبدالنبي: التمويل الاستهلاكي يعوّض التراجع في العوائد
وأوضح أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة «مباشر» لتداول الأوراق المالية، أن الشركات التي تعتمد على الإقراض المباشر ستشهد تراجعًا في أرباحها الاسمية نتيجة انخفاض أسعار الفائدة، لأن العائد المحصل من المقترضين ينخفض بدوره.
وقال إن الشركات التي كانت تحقق عائدًا سنويًا على القروض بنحو 28% أصبحت اليوم أمام متوسط فائدة لا يتجاوز 22%، ما يضغط على الإيرادات، إلا أن التوسع في حجم الإقراض يمكن أن يعوّض هذا التراجع.
أشار عبدالنبي، إلى أن زيادة الإقبال على التمويل الاستهلاكي تمثل «فرصة تعويضية» في هذه المرحلة، إذ يلجأ عدد متزايد من المستهلكين إلى تقسيط مشترياتهم من السلع المعمرة والإلكترونيات، وحتى الخدمات التعليمية عبر منصات وتطبيقات التمويل، وهو ما يعزز نمو المحفظة الائتمانية للشركات رغم انخفاض العائد على كل قرض.







