بفلم – خالد حسنى مدبولى
تعد تجربة البنك المركزى المصرى فى إدارة السياسة النقدية للبلاد خلال السنوات العشر الأخيرة من التجارب التى تجدر الإشارة إليها للتدليل على أن توافر الإرادة الصادقة والإدارة الكفء لعلاج المشكلات يوفران حلولاً عملية ناجحة.
حيث نجح البنك فى السيطرة على سوق الصرف الأجنبى والقضاء على ظاهرة الدولرة والسوق السوداء للدولار منذ نهاية 2003 وحتى نهاية العام الماضى وذلك من خلال اتباع العديد من السياسات والآليات أهمها تطبيق آلية الانتربنك الدولارى منذ ديسمبر 2004 لتنظيم التعامل فى النقد الأجنبى بين البنوك والتى نجحت بشكل كبير فى ضبط سوق الصرف وتراجع سعر الدولار وزيادة المعروض منه واختفاء المضاربة والسوق السوداء.
كما بدأ المركزى فى تطبيق نظام الكوريدور Corridor System منذ يونيو 2005 والذى يحدد سعرين للعائد لليلة واحدة فى تعاملات البنك المركزى مع البنوك أحدهما للإيداع والآخر للإقراض. وقد نجح هذا النظام فى التغلب على تذبذبات أسعار العائد بين البنوك لليلة واحدة.
بالإضافة إلى قيام المركزى أيضاً بتكوين احتياطى كبير من النقد الأجنبى بدأ فى التزايد حتى بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق فى نهاية ديسمبر 2010 ليسجل 36 مليار دولار.
وبعد أن نجح البنك المركزى فى السيطرة على مشكلة سعر صرف العملة والقضاء على الدولرة والسوق السوداء، اتجه لاستهداف معدلات التضخم لمنعها من الانفلات عن طريق إطلاق مؤشر جديد للتضخم الأساسى (Core inflation) بداية من يناير 2010 يُشتق من الرقم العام للتضخم بحيث يستبعد السلع والخدمات المحدد أسعارها إدارياً والسلع الغذائية الأكثر تقلباً (الخضروات والفاكهة) ليعبر بشكل أكثر سلامة ودقة عن معدلات التضخم.
وفى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 وما تبعها من تداعيات سلبية عديدة أثرت بشكل واضح على الاقتصاد المصرى وقيمة الجنيه، حدث تراجع كبير فى الاحتياطى الأجنبى ليفقد نحو 21 مليار دولار منذ يناير 2011 وحتى ديسمبر 2012. وهو ما انعكس فى تهاوى الجنيه المصرى ليفقد نسبة كبيرة من قيمته أمام الدولار نهاية عام 2012 مع زيادة الطلب على الدولار وانخفاض موارد مصر منه.
وهو ما أدى إلى اتخاذ البنك المركزى عدداً من القرارات السريعة والفورية كان أهمها وأولها طرح الدولار فى السوق من خلال عطاءات متتالية لتوفير الدولار للبنوك المصرية والتحكم فى كمية النقد المتداول وضبط السوق. ورغم توفير ما يقرب من 600 مليون دولار من خلال تلك العطاءات فإن سعر الدولار ظل يرتفع أمام الجنيه بشكل واضح، وهو ما دفع البنك المركزى لاستكمال قرارته، حيث قام مؤخراً باتخاذ قرار يسمح للأفراد الطبيعيين المصريين الذين يقومون بتحويل مدخراتهم من حساباتهم بالخارج إلى أحد البنوك العاملة فى مصر اعتباراً من يوم 10 فبراير 2013 بإعادة تحويل نفس القيمة إلى الخارج باسم ذات الشخص الذى قام بالتحويل وذلك عند تصفية استثماراتها فى مصر سواء كلياً أو جزئياً بشرط تقديم المستندات الدالة على ذلك.
وهو القرار الذى من شأنه تعزيز الثقة والاطمئنان فى نفوس المصريين بالخارج فى إدخال الأموال داخل مصر واستثمارها سواء بالجنيه أو بالدولار، ما يقضى على حالة التخوف والحذر عند عدد من المصريين العاملين بالخارج فى عدم القدرة على تلبية احتياجاتهم من النقد الأجنبى وقت الضرورة بسبب القرار المتخذ منذ فترة بوضع حد أقصى للتحويل للخارج سواء للشركات أو المستثمرين بقيمة 100 ألف جنيه. بالإضافة إلى أن دخول هذه الأموال عبر البنوك سيقضى على السوق السوداء للدولار.
وهو من القرارات المهمة التى يرجع لها الفضل فى استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال الفترة القليلة الماضية.
كما قام البنك المركزى أيضاً باتخاذ قرار بإعفاء بعض السلع المهمة من الغطاء النقدى عند فتح الاعتمادات الاستيرادية لها ومطالبة البنوك بإعطائها أولوية فى فتح الاعتمادات، خاصة الأدوية ولبن الأطفال والمواد البترولية والسلع الغذائية إلى جانب الآلات والمعدات وقطع الغيار والسلع الوسيطة من مستلزمات الانتاج والتى تعتبر أساسية لعدم تعطل المصانع والانتاج، هو ما من شأنه تخفيف الطلب على الدولار والعملات الأجنبية بشكل كبير.
ومن بين الآليات التى استخدمها البنك المركزى لمنع ظاهرة الدولرة وتشجيع الادخار بالعملة الأجنبية مؤخراً سماحه لبعض البنوك العامة برفع العائد على المدخرات بالعملة المحلية إلى 12.5 % لجذب شريحة كبيرة من مدخرات المصريين.
ورغم ذلك يواجه البنك المركزى العديد من التحديات التى تستلزم اتخاذ قرارات جريئة وسريعة للحفاظ على قيمة الجنيه والنقد الأجنبى داخل البلاد، من أهمها تسرب الدولار إلى الأنشطة غير الرسمية مثل المخدرات والسلاح والتهريب، ما يضعف فرصة المركزى فى التحكم فى سعر الصرف.
ومن بين هذه التحديات أيضاً زيادة ظاهرة الدولرة التى ترفع من تكلفة فاتورة الواردات المصرية من الخارج بشكل كبير.
هذا بالإضافة إلى زيادة التوقعات بقيام مؤسسات التصنيف الدولية بتخفيض التصنيف الائتمانى لمصر خلال الفترة القادمة نتيجة عدم التوافق السياسى فى البلاد.








