تشير أرقام صندوق النقد الدولى إلى أن اقتصادات الدول على نحو عام طرأ عليها تعافٍ بسيط مؤخراً، ومن المتوقع استمرار التعافى التدريجى للاقتصاد العالمى فى عام 2013، بعد السياسات التى تم تبنيها لتجاوز أزمة الديون السيادية فى منطقة اليورو، وانحسار المخاوف بشأن تداعيات «الهاوية المالية» على الاقتصاد الأمريكي.
هذا ما يراه الدكتور جاسم المناعي، المدير العام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كما يتوقع ان تتأثر الاقتصادات العربية بعدد من العوامل فى عام 2013 أيضاً، فمن جهة يمكن ان يسهم بقاء أسعار النفط عند مستويات مرتفعة تفوق 100 دولار للبرميل، فى تعزيز النمو الاقتصادى للدول النفطية، ولكن بوتيرة أقل مقارنة بمستويات النمو المسجلة للعام السابق، عند مستويات تتراوح بين 3% و4% فى ضوء الاستقرار المتوقع لمستويات الإنتاج النفطي.
للتوسع أكثر فى شئون اقتصادات الدول العربية، التى تأثرت بعدم الاستقرار السياسى والاقتصادي، قمنا بطرح بعض الاسئلة على الدكتور المناعي، القائم بمهام الرئيس التنفيذى، ورئيس مجلس إدارة برنامج تمويل التجارة العربية أيضاً.
ـ كيف تعلق على الوضع الحالى لاقتصادات الدول العربية المصدرة للنفط؟
واصلت اقتصادات الدول النفطية تحقيق معدلات نمو قوية خلال عام 2012، مدفوعة باستمرار ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، وباستعادة الاقتصاد الليبى لتعافيه، وتحقيقه معدل نمو قياسياً مقارنة بعام 2011، بالاضافة إلى استمرار السياسات النقدية التيسيرية، وتواصل وتيرة الانفاق الحكومى المعزز للنشاط الاقتصادى فى القطاعات غير النفطية فى غالبية هذه الدول.
وعلى مستوى دول المجموعة، من المتوقع ارتفاع معدل النمو المسجل عام 2012 إلى ما يفوق مستوى 5%.
ـ كيف ترى الوضع العام لاقتصادات دول ما يسمى بـ«الربيع العربي»؟
فيما يتعلق بدول (الربيع العربي)، تأثر الأداء الاقتصادى لهذه الدول بشكل عام، بظروف عدم الاستقرار السياسى والاقتصادي. ففى أعقاب التحولات السياسية التى مرت بها وأدت إلى توقف عجلة الإنتاج وانخفاض العائدات من السياحة، وتراجع التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبى المباشر، بالاضافة إلى تأثر صادرات هذه الدول بالركود الاقتصادى فى دول منطقة اليورو التى تمثل الشريك التجارى الرئيس لعدد منها.
كذلك تأثرت الأوضاع المالية لهذه الدول بشكل كبير، بالارتفاعات الكبيرة المسجلة فى مستويات الانفاق العام، لتلبية المطالب الاجتماعية المتزايدة، فى الوقت الذى شهدت فيه مستويات الايرادات العامة تراجعا نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصاد، مما أدى إلى تفاقم العجوزات فى الموازنات العامة، وارتفاع الاحتياجات التمويلية، وفى ضوء ما سبق، من المتوقع ان تحقق تلك الدول معدلات نمو متواضعة تتراوح بين 1 و2% خلال العام الحالي.
ـ ما حجم المحفظة الائتمانية المخصصة لإقراض الدول العربية؟ ومن الدول المستهدفة؟
يبلغ حجم الموارد المخصصة للاقراض حوالى 633 مليون دينار عربى حسابي، والذى يعد وحدة حسابية للعملات العربية مقابل الدولار، أى بما يعادل حوالى 3 مليارات دولار كما فى نهاية ديسمبر 2012. ويمكن ان تستفيد الدول العربية جميعها من قروض الصندوق، سواء أكانت فى شكل تسهيلات قصيرة أم متوسطة الأجل بشكل عادل، بعد ان تستوفى الدولة المعنية شروط الأهلية، للاقتراض حسب سياسة وإجراءات الاقراض المعمول بها فى الصندوق.
ـ من الدول الأعضاء والممولة للصندوق؟
صندوق النقد العربى مؤسسة مالية عربية أنشئت فى عام 1976، تضم فى عضويتها كل الدول العربية التى تسهم بحصص متفاوتة فى رأس المال البالغ 600 مليون دينار عربى حسابى (حوالى 2.8 مليار دولار أمريكي).
أقر صندوق النقد العربى خلال عام 2012 إجمالى قروض بقيمة 2.16 مليار درهم، أى ما يعادل حوالى 590 مليون دولار؟ ما طبيعة هذه القروض ولأى الدول تُمنح؟
فى اطار جهوده لتحقيق متطلبات ارساء دعائم الاستقرار الاقتصادى والنمو الشامل للدول الأعضاء، وفى ظل المستجدات على الساحتين الدولية والاقليمية، وفر الصندوق خلال عام 2012 لعدد من اعضائه 8 قروض جديدة بقيمة إجمالية بلغت حوالى 590 مليون دولار، تمثلت فى قرض تلقائى للأردن بـ34 مليون دولار، وقرضين: عادى وتعويضى لليمن بلغت قيمتها حوالى 208 ملايين دولار. وقام الصندوق كذلك بتوفير قرض تعويضى للمغرب بحوالى 126 مليون دولار، كما استفادت تونس من ثلاثة قروض: تلقائى وتعويضي، وقرض آخر فى إطار تسهيل التصحيح الهيكلى بقيمة إجمالية بلغت حوالى 177 مليون دولار. هذا بالاضافة إلى استفادة السودان مؤخراً من قرض فى إطار تسهيل التصحيح الهيكلى بحوالى 45 مليون دولار.
تم التوقيع على اتفاقيته فى أوائل يناير 2013. وتدعم هذه القروض بأشكالها 2013. وتدعم هذه القروض بأشكالها المختلفة مالية الحكومة وميزان المدفوعات، وبرامج الإصلاح الاقتصادى والهيكلى فى كل دولة حسب حالتها. يضاف إلى ذلك 790 مليون دولار من التمويل الذى وفره الصندوق خلال عام 2012 لدوله الأعضاء، فى اطار برنامج تمويل التجارة العربية. وبذلك تصل القيمة الإجمالية للتمويل الذى وفره الصندوق للدول الاعضاء خلال عام 2012 إلى حوالى 1.4 مليار دولار.
ـ ما الحلول المقترحة لاقتصادات الدول العربية عالية المديونية؟
يولى الصندوق اهتماماً خاصاً لدوله الأعضاء عالية المديونية، نظراً لأن مثل هذه الديون التى تثقل كاهلها والفوائد المتراكمة عليها، تعد معوقاً اساسياً لانطلاق اقتصادات هذه الدول بما يمكنها من تحقيق أهدافها العامة، وعلى رأسها التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. وفى هذا الإطار حرص الصندوق ومنذ عام 2003 على المشاركة فى مبادرة الدول ذات المديونية العالية والدخل المنخفض (هيبيك ـ HIPC) وهى كما هو معروف مبادرة عالمية لحل مشكلة المديونية فى الدول الأكثر فقراً فى العالم، إذ وفر اعفاءات لخفض مديونية عدد من دوله الأعضاء، ووضع شروط ميسرة على القروض الجديدة التى تحصل عليها، فى إطار مبادرات (هيبيك) الخاصة بهذه الدول. كما ان الصندوق قام بإعادة الجدولة لمديونية عدد من دوله الأعضاء خارج إطار هذه المبادرة. وتجدر الاشارة إلى ان جهود الصندوق فى معالجة المديونية العالية فى عدد من دوله الأعضاء، ليست «علاجية» فقط بل «احترازية» أيضاً، من خلال برامج الإصلاح المختلفة والمشورة الفنية التى يوفرها الصندوق لهذه الدول، لتصحيح الاختلالات الهيكلية فى اقتصاداتها بما يجعلها أقل اعتماداً على الاستدانة لتنفيذ سياساتها العامة.
ـ ما الآليات والإجراءات المتعلقة بجهود الصندوق لمواجهة الحاجات التنموية المتزايدة للدول العربية، ودعم جهود التنمية الاقتصادية؟
يسهم الصندوق بدور حيوى لمواجهة الحاجات التنموية المتزايدة لدوله الأعضاء، وفى هذا الشأن فإنه يقدم قروضاً بآجال مختلفة، بعد ان تخضع هذه القروض لسياسة وإجراءات الاقراض المعمول بها فى الصندوق. وتهدف إلى مساعدة الدول الأعضاء على تصحيح الاختلالات فى موازين المدفوعات، وتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادى والتصحيح الهيكلي.
ومن المبادرات التى اطلقها الصندوق عام 2012، مبادرة تطوير قطاع التمويل العقارى فى الدول العربية. ولا تخفى أهمية تطوير هذا القطاع فى تقليل المخاطر المرتبطة بالتمويل العقاري، كذلك فى تحسين فرص الوصول إلى التمويل على نحو خاص. وينبغى لهذا الأمر ان يساعد على تطوير سياسات الإسكان لذوى الدخل المحدود، وهو أمر أبرزت الأحداث الأخيرة التى شهدتها بعض الدول العربية اهميته البالغة فى تحسين العدالة الاجتماعية، وبالطبع فإن هذه المبادرات تتكامل معاً، فى تعزيز متطلبات الاستقرار المالى وتطوير البنية التحتية للقطاع المالى والمصرفي، إلى جانب تحسين فرص الوصول للتمويل.
ـ كيف تؤثر السياسة والتوازنات السياسية فى المنطقة على أداء صندوق النقد العربي؟
نشاط الصندوق يقوم بالأساس على أسس فنية، ويستهدف بشكل رئيسى مساعدة الدول العربية التى تواجه اختلالات اقتصادية لتجاوز هذه المشكلات، وللعمل على إزالة القيود على المدفوعات الجارية بين الدول الأعضاء وارساء سياسات وأساليب التعاون النقدى العربي، بالاضافة إلى ابداء المشورة عند طلبها، فيما يتصل بالسياسات الاستثمارية الخارجية، وتطوير الأسواق المالية العربية، ويعتمد الصندوق فى سبيل تحقيق أهدافه على تقديم التسهيلات القصيرة والمتوسطة الأجل للدول الأعضاء، للمساعدة فى تمويل العجز الكلى فى موازين مدفوعاتها ودعم الإصلاح الاقتصادات والهيكلية التى تنفذها وتنسيق السياسات النقدية لها، وتطوير التعاون بين السلطات النقدية لديها، بالاضافة إلى تحرير وتنمية المبادلات التجارية والمدفوعات الجارية والمترتبة عليها، وتشجيع حركة انتقال رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء.
ـ هل هناك دور استشارى وارشادى لصندوق النقد العربى فيما يخص اقتصادات الدول التى تعانى مشكلات اقتصادية؟
بالتأكيد، فالصندوق يقوم بعقد مشاورات دورية مع الدول الأعضاء فى فعاليات مختلفة، تضم مستويات قيادية فى فعاليات مختلفة، تضم مستويات قيادية وإدارية مختلفة، منها الاجتماعات السنوية لمجلس وزراء المالية العرب، ومجلس محافظى المصارف المركزية، ومؤسسات النقد العربية، والدورات وورش العمل المتعددة، بشأن أحوالها الاقتصادية والسياسات التى تنتهجها بما يساعد على تحقيق أهداف الصندوق والدول المعنية.
ـ ما أبرز التوقعات لاقتصادات دول المنطقة فى العام 2013؟
من المتوقع استمرار التعافى التدريجى للاقتصاد العالمى فى عام 2013 بعد السياسات التى تم تبنيها، لتجاوز أزمة الديون السيادية فى منطقة اليورو، وانحسار المخاوف بشأن تداعيات «الهاوية المالية» على الاقتصاد الامريكي، ومن المتوقع فى هذا الاطار ان تتأثر الاقتصادات العربية فى عام 2013 بعدد من العوامل، فمن جهة يمكن ان يسهم بقاء أسعار النفط عند مستويات مرتفعة تفوق 100 دولار للبرميل، فى تعزيز النمو الاقتصادى للدول النفطية، ولكن بوتيرة أقل مقارنة بمستويات النمو المسجلة للعام السابق، عند مستويات تتراوح بين 3% و4% فى ضوء الاستقرار المتوقع لمستويات الإنتاج النفطي. ويتمثل التحدى الحقيقى لاقتصادات تلك الدول فى بقاء أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، بالنظر إلى التصاعد الملحوظ فى مستويات الانفاق الحكومى خلال الآونة الأخيرة، والموجه بالأساس إلى بنود يصعب المساس بها مستقبلاً مثل: بنود الانفاق الاجتماعى والأجور.
ومن جهة أخرى، من المتوقع تأثر الأداء الاقتصادى فى باقى الدول العربية سلباً بظروف عدم الاستقرار السياسى فى المنطقة واستمرار التداعيات السلبية لازمة الديون السيادية فى منطقة اليورو، بالاضافة إلى استمرار تأثر الموازنات العامة سلباً جراء بقاء الأسعار العالمية للنفط عند مستويات مرتفعة وبناءً على ما سبق من المتوقع ان تشهد اقتصادات هذه الدول معدل نمو يتراوح حول 3% ويمثل الارتفاع المتصاعد للعجز فى الموازنات العامة وكيفية تمويله، المحك الرئيسى لاقتصادات هذه الدول، لاسيما عند تراجع حيز السياسات المتاح أمام هذه الدول وعدم وضوح الرؤية بشأن تطورات الموقف الساسي، وغياب التوافق المجتمعى المطلوب بشأن العديد من الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لدفع النمو والتشغيل.
