بقلم – خالد حسني مدبولي
بعد عدة أيام، يمر عامٌ كامل علي تولي السيد محمد مرسي رئاسة الجمهورية، ولكي نستطيع أن نقيّم وبموضوعية الوضع الاقتصادي في مصر خلال ذلك العام فإننا نحاول تقديم كشف حساب مبسط لما تم.
إلا أنه في البداية لا يجب أن يفوتنا أمرين مهمين: أولهما أن نسبة كبيرة من الأرقام والبيانات الرسمية المعلنة متقادمة بعض الشيء أو غير محدثة، بمعني أنه لن تكون هناك أرقام فعلية متوافرة عن حقيقة مؤشرات الاقتصاد المصري خلال الشهر الجاري مثلاً أو حتي نهاية الشهر الماضي إلا فيما ندُر، ولن تعدو أن تكون معظمها تقديرات أو توقعات من المصادر الرسمية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أو البنك المركزي المصري أو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) – هذا إن وجدت تلك التقديرات.
الأمر الثاني هو أن استعراضنا للوضع الاقتصادي خلال العام المنقضي يجب أن يكون بعيداً عن حديث الإنجازات أو الإخفاقات، لأنه حديث مرسل وليس له ما يستند عليه، لأننا إذا أردنا تقييم تجربة الرئاسة خلال العام وقياس مدي نجاح الرئيس أو فشله في أداء مهمته وتنفيذ وعوده للناخبين الذين انتخبوه عندما كان مرشحاً للرئاسة في برنامجه الانتخابي (وخاصة ما يخص الشق الاقتصادي والمالي)، فإننا يجب أن نعقد مقارنة بين ما تحقق علي أرض الواقع خلال العام وبين الوعود الانتخابية للوقوف علي حقيقة ما تحقق.
وفي حقيقة الأمر فإن المشهد الاقتصادي مرتبك للغاية ولا يقل ارتباكاً عن المشهد السياسي في مصر، حيث تحيط بنا حلقة من المشاكل والأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة التي ستؤدي بنا إلي نتائج لا يعلم مداها إلا الله عز وجل إذا لم نتدارك الموقف ونحاول إيجاد الحلول السريعة الناجحة.
وفيما يلي نقف عند أهم مؤشرات الوضع الاقتصادي في مصر بعد مرور عام علي تولي محمد مرسي الرئاسة :
> ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة بنسبة 48% مع توقع بلوغها نحو 200 مليار جنيه نهاية يونيو 2013 مقابل نحو 135 ملياراً نهاية يونيو 2012، وقد شهد العام استمرار مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض بقيمة 4.8 مليار دولار لمعالجة عجز الموازنة العامة، وهو القرض الذي لم يتم التوصل إلي الموافقة عليه حتي الآن.
> ارتفاع معدلات التضخم انعكاساً لارتفاع أسعار نسبة كبيرة من السلع والخدمات (بلغ التضخم نحو 9% في مايو 2013 مقابل 8.6% في العام السابق، مع توقع صندوق النقد الدولي بلوغه %10.9 خلال 2013 وهو أعلي مستوي له منذ 2010).
> تراجع الإيرادات السياحية نتيجة انخفاض عدد السائحين الوافدين إلي مصر مقارنة بالأعوام السابقة علي الثورة، مع استمرار حالة الانفلات الأمني خاصة في منطقة سيناء. إلا أن هناك مؤشرات علي حدوث تحسن في الإيرادات السياحية خلال الشهور الأربعة الأولي من العام الحالي.
استمرار عجز ميزان المدفوعات نتيجة زيادة الواردات عن الصادرات.
رفع أسعار الفائدة الدائنة والمدينة لدي البنك المركزي في مارس 2013 (لأول مرة منذ نوفمبر 2011) بما يعكس زيادة درجة المخاطر بالسوق المحلي وارتفاع تكلفة الأموال، إلي جانب محاولة البنوك جذب نقود بالعملة المحلية لمواجهة ظاهرة الدولرة.
تراجع قيمة الجنيه (وبخاصة مقابل الدولار الأمريكي) خلال شهري ديسمبر 2012 ويناير 2013 بشكل لم يشهده منذ أكثر من عشر سنوات ليفقد أكثر من 20% من قيمته خلال عام تقريباً. وإن كان البنك المركزي يحاول جاهداً إيقاف هذا التراجع المستمر ومواجهة السوق السوداء للعملة، وقد نجح إلي حد ما في ذلك.
طرح فكرة إصدار الصكوك من قبل الحكومة لأول مرة في مصر وتم إقرار القانون الخاص بها في مايو 2013، وذلك باعتبارها آلية لتوفير التمويل اللازم لإقامة المشروعات بما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية في التمويل والاستثمار. وهو القانون الذي أثار – وما زال – جدلاً واسعاً في الأوساط المالية والاقتصادية المصرية.
طرح مشروع قانون لتطوير قناة السويس لتصبح مركزاً لتقديم الخدمات اللوجيستية في منطقة الشرق الأوسط ولتوفير موارد إضافية للنقد الأجنبي. وهو أيضاً من الموضوعات التي أثارت جدلاً كبيراً نظراً للشكوك التي أثيرت حول طبيعة المستثمرين في ذلك المشروع من خارج مصر.
نشوب مشكلة التسويات الضريبية بين مجموعة أوراسكوم وبين الحكومة ممثلة في مصلحة الضرائب، فيما اعتبره البعض حرب تكسير عظام للمجموعة التي تمتلكها عائلة ساويرس. وبالرغم من أن المشكلة قد انتهت مؤخراً بالتوصل إلي اتفاق يقضي بسداد المجموعة لنسبة كبيرة من تلك الضرائب، إلا أنها تسببت في خروج استثمارات عديدة للمجموعة خارج مصر وسفر نجيب ساويرس (واحد من أهم وأكبر رجال الأعمال والمستثمرين المصريين) خارج البلاد. في ذات الوقت الذي تركت فيه هذه المشكلة أثراً معنوياً سلبياً في محيط الأعمال والاستثمار المصري.
تراجع مؤشرات أداء بورصة الأوراق المالية بشكل كبير خلال العام خاصة في الفترة الأخيرة نتيجة عدم الاستقرار السياسي وتراجع مؤشرات الإنتاج والاستثمار وجميع مؤشرات النشاط الاقتصادي بشكل عام.
تم اقتراح تطبيق زيادات في الضرائب علي العديد من السلع والخدمات خلال شهر ديسمبر 2012، وهو القرار الذي تم إرجاؤه في نفس اليوم الذي صدر فيه، ثم تم فيما بعد إقرار الزيادات علي سلع معينة، فيما اعتبر مؤشراً لحالة التخبط والعشوائية التي تحيط بعملية اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية.
ارتفاع كل من حجم الدين العام الداخلي ليقترب من 1.4 تريليون جنيه حالياً، والدين الخارجي ليقترب من 44 مليار دولار بنهاية ابريل 2013 وهو مستوي لم يسجل منذ أكثر من 20 عاماً.
ومن ثم.. وبعد مرور عام كامل علي حكم الرئيس محمد مرسي، فنحن إزاء وضع اقتصادي متأزم ومتراجع بشكل كبير، خاصة مع عدم وجود خطة واضحة لعلاج المشاكل المالية والاقتصادية في الأجلين المتوسط والطويل، وكل ما تم تقديمه حتي الآن مجرد مسكنات فقط.
والظاهر من الوضع الاقتصادي في مصر، بعد مرور عامين ونصف علي الثورة وعام علي تولي الرئيس مرسي الحكم، أن المواطن لا يشعر بحدوث أي تحسن في مستوي المعيشة أو في مستوي توفير الخدمات الأساسية المقدمة له، حيث مازالت المشاكل اليومية لهذا المواطن كما هي بل ازدادت سوءاً وتفاقماً، وهو ما يتضح من الازدحام المروري الكبير خاصة في العاصمة، ونقص المتوافر من السلع المدعومة (رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز)، وعدم وجود حل لمشكلة النظافة في مختلف المحافظات، واستمرار أزمة السولار والبنزين، وكذلك استمرار ارتفاع أسعار نسبة كبيرة من السلع.
هذا بالإضافة إلي أنه لم توضع حتي الآن أي خطط جادة وفعلية لتطوير منظومتي التعليم أو الصحة، خاصة لغير القادرين.
