بقلم: جيفرى دى ساكس
من بين كل الاستثمارات المطلوبة لتحقيق تنمية مستدامة، لا يوجد أهم من جودة التعليم لكل طفل، وفى ظل الاقتصاد العالمى المعتمد على المعرفة، يعد التعليم عاملاً حيوياً لإيجاد وظيفة محترمة، وبناء مجتمعات فاعلة، وتطوير المهارات اللازمة للآباء، وليكون المواطنون مشتركين فى المجتمع ومسئولين.
ورغم زيادة الكثير من الدول الفقيرة للتمويل المحلى للتعليم، فلم يقم المجتمع الدولى بدوره حتى الآن، ولا تزال المساعدات المقدمة للتعليم منخفضة ومجزأة للغاية.
ويمتلك العالم فرصة لوضع موارد حقيقية وراء تحقيق أهداف التنمية المستدامة فى مجال التعليم فى مؤتمر «التمويل من أجل التنمية» فى يوليو المقبل، حيث سوف يجتمع الشركاء الثلاثة الرئيسيين، الحكومات، ومحبو أعمال الخير، والشركات الكبرى، فى أديس أبابا، وينبغى عليهم جمع الموارد المطلوبة لتحسين التعليم فى الدول الفقيرة خاصة فى مرحلة التمهيدى والمرحلة الثانوية.
وحان الوقت لإنشاء صندوق عالمى للتعليم لضمان حصول أفقر طفل على فرصة تعليم جيد على الأقل فى المرحلة الثانوية.
وبهذه الطريقة تمت مواجهة أمراض مستعصية مثل الملاريا والإيدز بنجاح خلال الـ15 عاماً الماضية، حيث اجتمعت الولايات المتحدة وبريطانيا والسويد والنرويج وحكومات أخرى مع مؤسسة «بيل آند ميليندا جايتس»، وشركات خاصة مثل نوفارتس، وجلاكسوسميث كلاين، وإريكسون، وسوميتومو للكيماويات، وغيرها لضمان وصول الأمصال والأدوية التى تنقذ الأرواح إلى أفقر الفقراء، وكانت النتائج هائلة، وتم إنقاذ ملايين الأرواح، ما عزز النشاط الاقتصادي.
وينبغى علينا الآن فعل نفس الأمر للتعليم، ورغم ازدياد عدد المنتسبين للمرحلة الابتدائية بشكل متزايد خلال العقدين الماضيين، فلم يتحقق حتى الآن تحول ملحوظ فى جودة التعليم.
ولدى العالم القيادة التنظيمية اللازمة لتحقيق ذلك، وتضم مؤسسة «الشراكة العالمية للتعليم» ائتلافاً من الحكومات والمنظمات غير الحكومية التى تعمل منذ أكثر من عقد مع أفقر دول العالم لمساعدتها على تحسين جودة التعليم.
ورغم النجاح الهائل لمؤسسة الشراكة العالمية فى تشجيع الدول الفقيرة على تسخير مواردها الخاصة لتوسيع نطاق برامجها التعليمية ذات الجودة، فلم تدعم الدول الغنية هذه المجهودات بشكل كافٍ من خلال سد فجوة التمويل التى تواجهها هذه الدول.
كما يجب دعم المؤسسة ومساعدتها على إنشاء صندوق عالمى لتمويل التعليم، والذى يضمن أن تحصل كل دولة منخفضة الدخل تطبق استراتيجية وطنية فعالة على دعم دولى لتحقيق أهدافها.
والتمويل الإضافى المطلوب متواضع، حيث قدرت منظمة اليونسكو «الفجوة التمويلية» السنوية للدول منخفضة الدخل أو الدول ذات الدخل الأقل من المتوسط بحوالى 22 مليار دولار؛ لتغطية التعليم حتى المراحل الثانوية وما قبلها، وقد يرتفع الرقم إلى 40 مليار دولار إذا تتضمن تحسين جودة التعليم فى المرحلة ما بعد الثانوية والدخول إلى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وسوف تكون هذه المساعدات مطلوبة حتى تستطيع الدول الفقيرة تحمل فاتورة التعليم وحدها.
وقد يبدو رقم 40 مليار دولار مبلغاً كبيراً، ولكن إذا نظرنا إلى ثروة أغنى 80 شخصاً فى العالم، فسنجد أن ثروتهم تقدر بحوالى 2 تريليون دولار، فإذا تبرعوا بـ1% فقط من صافى ثروتهم كل عام فسوف يغطون نصف المساعدات المالية العالمية المطلوبة.
ويمكن أن تغطى «فيسبوك»، و«جوجل»، و«إريكسون»، و«هواوي»، و«سامسونج»، و«ميكروسوفت»، وغيرها من عمالقة التكنولوجيا 10 مليارات دولار على الأقل سنوياً، أما الـعشرة مليارات دولار الباقية فيمكن أن تقدمها الحكومات بعيدة النظر، وكما شهدنا مع أدوية المناعة، هذا النوع من الشراكة هو المطلوب لنقل أهداف التنمية المستدامة من المستوى النظرى إلى الواقع.
ويكمن جمال الصندوق الجديد لتمويل التعليم فى أنه بمجرد إطلاقه، سوف يجذب داعمين من حول العالم، فالدول العربية سوف ترغب فى ضمان تلقى جميع الأطفال المتحدثين بالعربية تعليماً محترماً مدعوماً بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، كما ستعمل البرازيل والبرتغال على ضمان استفادة الأفارقة المتحدثين بالبرتغالية من الأنظمة التعليمية المحسنة.
وسيكون إعلان إنشاء صندوق تمويلى للتعليم فى مؤتمر «التمويل من أجل التنمية» أفضل أنباء ممكنة لأطفال اليوم من حول العالم، وبداية مبهرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكس سينديكيت







