بقلم – مصطفي بيومي
على المستوى الفردى لا تغيب حكمة فريضة الحج عن الملايين ممن يشدون الرحال إلى بيت الله الحرام، ففى أم القرى يسعى الحجيج إلى التطهر من الذنوب والاغتسال من الآثام، ويعقدون النية على بداية جديدة يعودون بعدها إلى ديارهم كمن ولدتهم أمهاتهم، ويستقبلون حياة مختلفة قوامها الاستقامة والإخلاص فى أداء الفروض والحرص على الالتزام بما يرضى الله ويتوافق مع صحيح الدين.
للحج جانبه الآخر الجماعى، ذلك أن اجتماع المسلمين فى أيام معدودات بمثابة المؤتمر الذى ينهض دليلاً عملياً على وحدة المسلمين لا فارق فى ملابس الإحرام بين غنى وفقير، ولا تمييز بين صاحب النفوذ وأبسط الناس، ترتفع راية المساواة ليستظل تحتها الأبيض والأسود، وتصفو القلوب فتهيمن المشاعر الروحية التى تكشف عن فلسفة إسلامية تحتاج إلى الإفادة منها لتوحيد الصفوف ونبذ الخلاف وتجنب الشقاق والابتعاد عن اللدد فى الخصومة والإسراف فى التناحر.
المشتركات التى تجمع المسلمين أكثر وأعمق من أوجه الخلاف التى تفصل بينهم، والصراعات الدنيوية من سنن الله الراسخة، فالتباين حتمى فى الرؤي والاجتهادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن الوصول إلى دائرة الصدام ليس مطلوباً، والطموح الأسمى هو تذويب الصراعات بالوسائل السلمية، عبر بوابة الحوار والكلمة الطيبة والرغبة الصادقة فى التئام الشمل والبحث المخلص عن الحد الأدنى الذى يقود إلى الوفاق والتعايش.
يجتمع المسلمون الآن لأداء فريضة الحج، ومن المؤسف والمحزن أن الصراع يدور على أشده داخل الوطن الواحد، وبين البلدان الإسلامية التى ينبغى أن تكون متعاونة متحابة، الطائفون حول الكعبة قادمون من مصر والسودان والمغرب العربى وأفغانستان وباكستان والهند وبنجلاديش وماليزيا وإندونيسيا وإيران وتركيا، ودول الخليج ومنهم الأفريقى والآسيوى والأوروبى واختلاف الجنسيات واللغات والمصالح لا يحول دون الانتماء إلى الدين الواحد، الذى يدعو المؤمنين به إلى الاعتصام بحبل الله، وألا يتفرقوا، فلماذا لا يستجيبون؟!
تحتاج الشعوب الإسلامية إلى الكثير من الحكمة والمزيد من العقل، فعندئذ يدرك الفرقاء أن الحياة الأفضل رهينة بالتعاون والتجانس والتناغم، وأن الاجتماع فى موسم الحج لا يمثل خلاصاً روحياً لكل فرد على حده، بل إنه المقدمة الضرورية لخلاص الأمم والشعوب.








