ما إن طالبت فى جلسة مجلس الشعب يوم الأحد الماضى بتمرير قانون ينشئ لجنة قضائية لإعادة التحقيق فى قضية شهداء ومصابى الثورة وقضايا الفساد السياسى والمالى خلال العقود الثلاثة الماضية، حتى تعرضت الفكرة لرفض وهجوم مزدوجين، من جهة، رفض بعض البرلمانيين وممثلى قوى سياسية مختلفة، إنشاء لجنة قضائية وطالبوا بمحاكمات استثنائية أو خاصة وقوانين ثورية لإعادة محاكمة مبارك وأعوانه، ومن جهة أخرى، فسر البعض الآخر عملى مع فريق سياسى وقانونى من حزب مصر الحرية لإعداد القانون على أنه عمل انتقامى ومحاولة غير إنسانية لإعادة محاكمة مبارك بعد أن حكم عليه بالفعل بالسجن المؤبد.
وواقع الأمر أن العمل على إنشاء لجنة قضائية يشكلها مجلس الشعب من قانونيين وسياسيين غير حزبيين وممثلين عن المجتمع المدنى وشخصيات عامة، ويكون لها صفة الضبطية القضائية هو أمر يتناقض مع المطالبة بقوانين ومحاكمات ثورية، المراد هو أن يكون للجنة هذه، ونسميها لجنة الحق والعدالة والإنصاف، صلاحية إعادة التحقيق القانونى فى قتل وإصابة المصريين أيام الثورة وما تلاها من أحداث من ماسبيرو إلى العباسية وما
سبق 25 يناير 2011 من انتهاكات لحقوق الإنسان وفساد سياسى وما إلى ذلك بهدف تجاوز إتلاف الأدلة وطمسها أو غيابها كما ظهر فى محاكمة مبارك وأعوانه وانتهى بعدم الإجابة عن سؤال: من قتل المصريين؟ وبتبرئة مساعدى وزير داخلية مبارك.
لجنة يكون من صلاحياتها الإحالة للنيابة العامة بعد انتهاء التحقيق لرفع عريضة الدعوى أمام القاضى الطبيعى ضد من سيثبت تورطهم وتحريك المساءلة القانونية ضدهم، لجنة كهذه ليست لجنة استثنائية ولن تتعامل بقوانين خاصة، بل هى ستعمل بصلاحيات قانونية طبيعية وستحيل إلى القاضى الطبيعى بعد التحقيق.
أما كون اللجنة التى ندعو لها هى لجنة للانتقام ولإعادة محاكمة مبارك فقط، فذلك أيضا ينافى الحقيقة والغرض تماما؛ لأن تشكيل لجنة الحق والعدالة والإنصاف يستهدف إعادة التحقيق بصورة عامة فى انتهاكات لحقوق الإنسان وفساد سياسى ومالى عانى منه الشعب المصرى طويلا والمأمول هو أن نتمكن بذلك من طى صفحة الماضى كما فعلت الكثير من الدول الأخرى التى طبقت قواعد العدالة الانتقالية.
ليس المراد إعادة محاكمة مبارك، الشخص الذى حُكم عليه بالمؤبد، بل إعادة محاكمة نظام استبد وأفسد بأدلة حقيقية وبمساءلة قانونية منضبطة تنتصر لدولة القانون ولحقوق الشهداء والمصابين ولحقوق المصريات والمصريين جميعا دون انتقام أو عنف أو تعسف.
ليست العدالة الانتقالية بعدالة انتقامية أو بعدالة المنتصر بعد حرب أو ثورة أو انتفاضة شعبية، بل عدالة توضح بشفافية حقائق الماضى الأليم وتتعامل معها بقوانين منضبطة بغية تجاوز الماضى وضمان عدم تكرار الانتهاكات والفساد
بقلم : عمرو حمزاوى – الوطن