لم تكن المفاجأة فى فوز مرشح الحرية والعدالة محمد مرسى فى انتخابات الرياسة بهذه النسبة الضئيلة من الأصوات على منافسه أحمد شفيق، فقد كانت مؤشرات الأرقام أثناء عملية الفرز لأصوات الناخبين توحى بالتقارب الشديد بينهما، ولكن المفاجأة الحقيقية كانت فى الإعلان الدستورى المكمل الذى أعقب قرار الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، والذى أيقظ المصريين إلى أن المجلس العسكرى لم ينتظر طويلا لكى يعيد إحكام قبضته على الحياة السياسية من جديد. ويعلن أنه سيحتفظ وحده وبمعزل عن رئيس الجمهورية بسلطة التشريع والرقابة. وأمامه سوف يحلف الرئيس القادم اليمين الدستورية مجردا من صلاحيات أصيلة مثل إعلان الحرب كما يتولى المجلس العسكرى بنفسه تشكيل الجمعية التأسيسية من أطياف المجتمع لإعداد مشروع دستور جديد يطرح على الشعب خلال 15 يوما. وتجرى الانتخابات التشريعية بعدها فى غضون شهر من إعلان موافقة الشعب على الدستور الجديد.
هل معنى ذلك أن المجلس العسكرى سوف يسلم السلطة كما وعد فى 30 يونيو؟
الإعلان الدستورى لا يترك مجالا للشك فى أن المجلس سيحتفظ بالسلطة التشريعية وسوف يكون بمثابة بديل لمجلس الشعب فى إصدار القوانين والتصديق عليها. وهو ما يعنى أن المرحلة الانتقالية التى تتركز فيها السلطات فى يد المجلس مازالت ممتدة ولن تنتهى فى المستقبل القريب.
وإذا كنا قد فهمنا مغزى الإعلان الدستورى المكمل على النحو الصحيح، فمعناه أن مصر قد عادت إلى المربع الأول من الثورة، وأن الخطوات المحسوبة التى قطعتها الثورة لم تحقق جميع أهدافها، بل اكتفت بنصف ثورة إذا صح التعبير. كل ما حدث هو أن النظام سقط بينما بقيت الدولة كما هى تقريبا. ولم يؤد فوز حزب الحرية والعدالة وحلفائه من السلفيين إلى تحقيق أهداف الحرية والديمقراطية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية.
ويبدو أن صبر المجلس العسكرى لم يحتمل طويلا استمرار المناوشات والمناورات التى دأبت قوى الأغلبية من التيار الإسلامى على ممارستها. فجاء قرار حل مجلس الشعب وعدم دستورية قانون العزل فى لحظة انتخابية حرجة بقصد التأثير على حظوظ المرشح الإسلامى.. الذى لم ينتظر طويلا، فجاء رد الكتاتنى برفض قرار الحل بحجة أنه لا يستند إلى نص فى الإعلان الدستورى القائم. والتمسك ببقاء الجمعية التأسيسية للدستور التى شكلت مؤخرا، مع التأكيد على أنها ستعقد اجتماعها خلال ساعات.
نحن نشهد الآن بوادر صدام قادم. لن يهنأ فيه الرئيس الجديد بدخول منصبه دون مشكلات. ويبدو أن الروح القتالية التى ميزت حزب الحرية والعدالة وأنصاره من السلفيين، عبأت صفوفها للدخول فى معركة فاصلة مع المجلس العسكرى وقراراته. وليس واضحا ما الذى يعنيه تهديد الكتاتنى وأعضاء مجلس الشعب من الأغلبية الإسلامية، بعقد المجلس فى أى مكان آخر.
من الواضح أن تربص أحد الطرفين بالآخر كانت له أسبابه وتداعياته. فمنذ البداية كانت هناك اعتراضات دستورية على قانون انتخابات مجلس الشعب بسبب استيلاء الأحزاب الإسلامية على المقاعد الفردية. ولم يصنع مجلس الشعب شيئا لتصحيح هذا الوضع الذى طعنت عليه أحكام القضاء الإدارى. ثم جاء تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بمثابة التفاف على القانون بارتكاب نفس الأخطاء مرتين متتاليتين باختيار أعضاء من داخل المجلس وعدم استيفاء فئات من الشعب تمثل المرأة والأقباط.
فى المقابل لم تستطع الأحزاب المدنية والقوى السياسية الليبرالية أن تجمع صفوفها وتوحد مواقفها فى أى قضية وبدا أنها كانت تدافع عن وجودها بانتهاج سلوك نمطى قائم على المساومة والتعامل مع الحرية والعدالة والسلفيين بمنطق خذ وهات، حتى حين خاضت هذه القوى الليبرالية معركة الترشيحات الرياسية، توزعت فرقا وانقسمت على نفسها.
وبلغ الشقاق والخلاف نتائج المرشحين الرئيسيين مرسى وشفيق، حيث ارتفعت أصوات الخلاف حول عدد الأصوات التى حصل عليها كل واحد منهم، وتبادل الطرفان الاتهامات بالتزوير.. وكلها أدلة على انعدام روح الديمقراطية والعجز عن الاعتراف بأن صوتا واحدا يكفى لترجيح كفة أحدهما على الآخر.
لابد أن نهيئ أنفسنا لمشهد جديد فى الحياة السياسية المصرية، تغيرت فيه ملامح كثيرة، وعسى أن تكون كل الأطراف قد خرجت بدروس مستفادة.
بقلم : سلامة احمد سلامة – الشروق