هو بنك من كوكب آخر، بالنظر إلى وضعه بين البنوك المصرية الأربعين، تفصله عدة سنوات ضوئية عن بقية القطاع المصرفى، ليس لأنه متخصص فى تمويل الفلاحين، فهو يمارس كل الأنشطة البنكية الأخرى، لكن لأنه لم يدخل ضمن منظومة اصلاح البنوك العامة التى استغرقت سحابة العقد الماضى كاملة، ولم يحصل على أموال من الدولة كما حصلت لإعادة هيكلته، بل على العكس تحمل تكلفة السياسات الحكومية الرديئة نحو القطاع الزراعى.
يحدث هذا بالرغم من استحواذه على ثلث عدد فروع البنوك فى مصر منفردا وخمس عدد العاملين فى القطاع البنكى، اضافة إلى احتكاره العمل فى قطاع اقتصادى ضخم هو القطاع الزراعى الذى يمثل أكثر من 10% من الناتج المحلى الاجمالى.
خضع البنك الأكبر فى السوق من حيث عدد الفروع والعاملين لمحاولة اصلاح محدودة النطاق قبل أربعة أعوم بتكلفة مضحكة بلغت 3 ملايين يورو تبرع بها رابو بنك الهولندى، وتوقفت العملية بعد رحيل رئيس البنك السابق. وركزت الاصلاحات على الهيكل الادراى فقط، أما الهيكل المالى فلم يقترب منه أحد، ولا يبدو أن أحدا سيقترب فى المدى المنظور.
ويعانى البنك عدداً من المشكلات الهيكلية والتى يعد ابرزها غياب القيادات الكفء، والكوادر المدربة، وهو البنك الوحيد فى السوق الذى يوجد لديه مسئولون يحملون مؤهل الاعدادية أو تم تعيينهم فى البنك بها، وحصلوا بعد ذلك على شهادات متوسطة أو فوق متوسطة.
و من اهم المشاكل التى يعانى منها البنك صغر حجم رأس المال الحالى والذى لا يتناسب مع عدد الوحدات التابعة له (1200 وحدة) وعدد العاملين، ولا يساعد على تنمية حجم أعمال البنك ويحول دون توجيه جزء من استثماراته نحو مشروعات كبيرة، حتى لايتجاوز الحدود الائتمانية التى وضعها البنك المركزى لإقراض العميل الواحد.
ويعانى البنك مشكلة دائمة ومتكررة وهى تحميله فاتورة التوجهات السياسية والاجتماعية للحكومات المتتالية، عبر تكليفات سيادية يتعين عليه تنفيذها دون أن يسبق هذه التكليفات توفير التمويل اللازم من الخزانة العامة.
وقال مسئول فى البنك إن هذا تنتج عنه أعباء تمويلية تتمثل فى الفوائد التى يتم دفعها للمودعين والذين يتم استخدام ودائعهم فى تمويل هذه الأنشطة أو الفوائد التى يتم دفعها للبنوك الأخرى فى حالة اقتراض هذه الأموال من «الإنتربنك». وقد تسفر هذه التكليفات عن مديونية للبنك طرف بعض الجهات الحكومية وتستمر هذه المديونية لسنوات دون وجود حق للبنك فى احتساب عائد عليها وهو ما حدث بالنسبة لتمويل استيراد الأسمدة ويحدث سنويا فى تسويق القمح.
وأشار المصدر إلى أن الخلل الكبير بقطاع الموارد البشرية بالبنك يرجع إلى الحجم الضخم للعاملين بالبنك (حوالى 22 ألف موظف) والذى لا يتناسب مع حجم أعمال البنك فى الوقت الحالى والذى أسفر عن وجود بطالة مقنعة بالبنك طوال السنوات السابقة وترجع هذه المشكلة لسياسة التعيينات التى كانت تتم فى السابق دون دراسة فعلية لاحتياجات البنك وايضا عدم توافر الكفاءات اللازمة لدى الغالبية العظمى من العاملين ووجود خلل بالهيكل التنظيمى نتيجة وجود اختناقات فى بعض الوظائف فى الوقت الذى يوجد فيه عدد كبير من وظائف الإدارة العليا (نائب مدير عام/ مدير عام/ رئيس قطاع) شاغرة وعلى جانب آخر عدم توافر صف ثان من القيادات التى تستطيع استكمال مسيرة العمل ويتم الاعتماد بشكل أساسى على بعض العناصر الشابة بكل قطاع لتيسير الأعمال.
واكد المصدر ان من اهم المشكلات عدم وجود تنوع كافٍ بمحفظة الودائع واعتماد البنك بشكل أساسى على ودائع التوفير والتى تمثل أكثر من 60% من حجم المحفظة وايضا ارتفاع المصروفات الإدارية والعمومية.
ولفت أيضا إلى المركزية الشديدة وضعف صلاحيات رئيسى البنكين التابعين والتى تؤدى إلى التأخير فى اتخاذ العديد من القرارات، المهمة انتظاراً للحصول على موافقة البنك الرئيسى وهذا الأمر قد يستغرق فى بعض الحالات شهوراً، وايضا ضعف وقصور أنظمة الرقابة والمراجعة الداخلية نتيجة الحاجة لتعديل الدورة المستندية وضعف دور المفتشين والحاجة إلى إعادة تأهيلهم بالاضافة إلى ضرورة اجراء تغيير دورى (Rotation) بين جميع العاملين على مستوى كل بنك فى جميع الوظائف.
وأوضح أن السبب فى ضعف والتوقف الجزئى الذى يشهده نشاط الاتجار فى مستلزمات الإنتاج الزراعى وأنشطة تأجير السعات التخزينية يرجع إلى رغبة الإدارة السابقة فى الابتعاد عن هذه الأنشطة والاكتفاء بتقديم التمويل اللازم لها فقط، فى حين أن هذه الأنشطة كانت تستوعب عددا
كبيرا من العاملين الذين أصبحوا الآن عبئاً على البنك فهم يتقاضون رواتب وحوافز وليس لديهم أى عمل يمارسونه وايضا الضعف والقصور الشديد فى أنشطة التسويق بالبنك، وغياب الثقافة المصرفية والتسويقية عن الغالبية العظمى من العاملين.
كتبت – سحر الزرقاني