بقلم: آرون دايفيد ميلر
يتوق الشعب الفلسطينى إلى الوحدة، ومرة أخرى يتحدث المصريون عن اجتماع للمصالحة فى القاهرة فى غضون أسبوعين، فما الذى يجرى خلف الكواليس؟ هل بامكاننا مشاهدة تحول تاريخى نحو الوحدة الفلسطينية؟ لا أعتقد أن هناك أسساً للتوصل إلى اتفاقية ذات مغزى بين فتح وحماس حتى يمكن تضميد جراح الشعب الفلسطينى وتعزيز نفوذهم أن لم يكن فى المفاوضات مع إسرائيل فعلى الاقل فى معركة العلاقات العامة القائمة ضدها؟
حقاً تتسبب إسرائيل بالعديد من العقبات التى تعترض عملية السلام ويعد التوسع فى إقامة المستوطنات بالضفة الغربية أحد اهم هذه العوائق، ولكن على الصعيد الفلسطينى، مازال التحدى الاكبر هو مشكلة سفينة نوح، فاذا تأملت الحركة الوطنية الفلسطينية ستجدها حققت نجاحا كبيرا فقد أصبح لديها دساتير ودويلات وخدمات أمنية وتدفقات مالية ورعاة، فغياب السيطرة الكاملة على الحكم هو اكبر عائق يواجه الفلسطينيين فى تحقيق تطلعاتهم الخاصة.
حتى اذا تحققت هذه الوحدة من المرجح أن تصل بعملية السلام إلى أسوأ مما هى عليه الان، ويعود ذلك إلى حد كبير لعدم قبول إسرائيل او الولايات المتحدة المعايير الجديدة للكيان الفلسطيني، الذى سيتضمن بدوره حينئذ حماس، للتفاوض من اجل حل الدولتين.
يتردد صدى فكرة الوحدة بقوة داخل المجتمع الفلسطيني، فانها حقا ضربة نفسية كبيرة أن ترى الحركة الوطنية داخل بلادك فى حالة حرب، فى حين أن العدو الحقيقى يستغل نقاط الضعف والانقسامات.
ورغم ذلك فإن فتح وحماس لا تأخذا فكرة الوحدة على محمل الجد؛ فبالنسبة لهما هذه الفكرة يقودها اعتبارات تكتيكية وليس رغبة صادقة لتوحيد الصفوف، فهجمات حماس الصاروخية الناجحة ضد إسرائيل ونجاح عباس فى الحصول على صفة دولة مراقب بالامم المتحدة يتيح الفرصة لكل منهما التواجد على طاولة المفاوضات لتمتعهما بشيء من النفوذ.
فضلا عن ذلك فان الاختلافات بينهما هائلة؛ حماس هى الرمز الدينى للقومية الفلسطينية بينما تمثل فتح النسخة الاكثر علمانية ووسطية، فالقضايا التى تؤدى إلى انقسامهما لا تدور فقط حول مقاعد البرلمان ومن سيكون رئيس الوزراء، ولكن خلافهما فى الجوهر يكمن فى هوية الدولة الفلسطينية، هل هى علمانية ام دينية؟ هل هى دولة مقامة على حدود 1976 ام كما هو محدد فى التاريخ الفلسطيني؟ هل يتفاوض الفلسطينيون بالبنادق أم بدونها؟ لا يوجد اجماع حقيقى على اجابات هذه الاسئلة، ونظرا لتسلسل الاحداث الزمنية لحماس، لا توجد اى حاجة ملحة لتحديد اجابة، والآن مع صعود اصدقائهم الاسلاميين فى العالم العربي، فليس هناك أى داع للاستعجال.
اى نوع من الاتحاد بين فتح وحماس، عدا ذلك الذى يجبر حماس على التخلى عن السلاح والاعتراف بإسرائيل، من شأنه أن يدفن عملية السلام بين فلسطين وإسرائيل التى تعد فى غيبوبة بالفعل.
تعد مسألة الوحدة الفلسطينية الحقيقة أمراً مهماً جداً لا يمكن التخلى عنه ولكنها صعبة المنال تماما مثل حل الدولتين، ومع غياب المفاوضات الجدية بين الإسرائيليين والفلسطنيين، ستكون هذه قضية الوحدة احد هذه التسالي، كمعركة كسب القلوب والعقول فى الساحة الدولية، التى سيكرس لها الفلسطينيون مزيداً من الوقت لتحقيقها.
الرئيس المصرى، محمد مرسى، لديه، ايضا، دوافع للحفاظ على استمرار المحادثات بشأن الوحدة الفلسطينية، حيث إنها تضيف إلى هيبته وتجعله يلقى بالقضايا المتفجرة وراء ظهره لمعالجته قضية ملحة تمس وطنه.
وبالنسبة لحماس فهى فى حاجة إلى القاهرة لانعاش الاقتصاد بغزة وتضغط على إسرائيل، على الجانب الاخر، يعلم عباس جيداً أن الايام الخوالى التى عاشها فى عهد مبارك قد ولت، ولكنه يريد الحفاظ على علاقاته الجيدة مع مصر، لذلك ستبدأ محادثات الوحدة الفلسطينية وتتوقف وتبدأ مرة اخرى وربما تؤدى إلى التوصل لاتفاق رسمي.
ولكن وراء هذه العملية الزائفة، سوف يستمر كل فى سياسته أى أن حماس ستواصل تعزيز سلطتها بغزة وإسرائيل ستستمر فى عملياتها الاستيطانية بالضفة الغربية والقدس، وعباس سيتمسك بقبضته على رام الله وبعض البلدان الاخري.
اعداد: ايثار شلبى
المصدر: فورين بوليسى








