بقلم – خالد حسني مدبولي
انطلاقاً من التفكير في كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر حالياً والمتمثلة في تراجع الأداء الاقتصادي بشكل كبير في مختلف المجالات والأنشطة خلال الفترة التي أعقبت ثورة يناير وحتي الآن، فإنه يُفضل البدء أولاً بعلاج بعض المشاكل المزمنة التي يعانيها الاقتصاد المصري منذ سنوات طويلة والتي نتجت عن تفشي الفساد المالي والإداري.
في اعتقادي هناك ثلاثة محاور رئيسية يجب الانطلاق منها لتحقيق التنمية الاقتصادية في مصر باعتبارها أولويات عاجلة بل قنابل موقوتة يجب التعامل معها بالسرعة والحسم المطلوبين حتي يكون الطريق ممهداً لإحداث النمو المنشود والتنمية المستدامة، وهي محاربة الفقر، والقضاء علي العشوائيات، واستتباب الأمن.
محاربة الفقر
لن تستطيع الدولة إحداث تنمية اقتصادية أو زيادة معدلات نمو الإنتاج أو رفع مستوي معيشة المواطن المصري في ظل وجود نسبة تتعدي الـ 40% من المجتمع تعيش تحت خط الفقر «حدد البنك الدولي خط الفقر بأنه شريحة المجتمع التي تعيش بأقل من دولار واحد في اليوم، وقد تم تقدير خط الفقر في مصر خلال عام 2008 بدخل شهري 167 جنيها».
ولن يستطيع الساسة أو المثقفون أو الناشطون أن يطالبوا تلك الفئة من المعدمين في المجتمع ممن يعانون الفقر المدقع ولا يجدون قوت يومهم بأن يشاركوهم في إرساء أسس الديمقراطية والمطالبة بحرية الرأي واحترام حقوق الإنسان وممارسة الحقوق السياسية أو المشاركة في العمل المجتمعي، حيث يعد الحديث عن تلك الأمور وقتها رفاهية لا تملكها تلك الفئات.
وهو ما سوف يعود بنا إلي الحلقة المفرغة ذاتها من سطوة المال علي القرار السياسي، حيث يصبح من يملك المال هو صاحب التأثير الأكبر علي الناخب، ومن ثم سوف ينتج عن ذلك مجلس شعب منتخب ولكنه غير معبر بشكل فعلي عن رغبات ومطالب قطاع عريض من المجتمع المصري، وسيتم مرة أخري تكريس السلطات التنفيذية والتشريعية في أيد أصحاب المصالح الشخصية والنفوذ المالي.
القضاء علي العشوائيات
تعرف المناطق العشوائية بأنها مناطق نشأت بشكل غير قانوني حيث إنها غير مرخصة وغير خاضعة للتخطيط العام لأراضي الدولة وأحياناً تكون تعدياً علي أملاك الدولة، وهي مناطق لا تصل إليها المرافق والخدمات الأساسية.
وقد بلغ إجمالي المناطق العشوائية في مصر طبقاً لآخر البيانات الاحصائية في عام 2010 نحو 1220 منطقة يسكن بها ما يقرب من 15 مليون نسمة بما يمثل نحو 24% من إجمالي سكان مصر.
وقد انتشرت تلك المناطق بشكل واضح وكبير في العديد من محافظات وأقاليم مصر خلال السنوات العشر الأخيرة وبالأخص في القاهرة حيث أصبحت تمثل حزاماً ناسفاً يلتف حول العاصمة بما يهدد أمن واستقرار الوطن والمواطنين، خاصة أن تلك المناطق أصبحت الملاذ الآمن لإيواء العديد من العاطلين والخارجين عن القانون.
وهو ما يستوجب ضرورة قيام الدولة والمجتمع المدني بتوفير فرص عمل لسكان تلك المناطق لتأمين حد أدني من مستوي المعيشة المناسب لهم ومحاولة احتوائهم قدر الإمكان وتوجيههم للمساهمة بفاعلية في دفع عجلة الإنتاج والاستفادة من تلك القوة العاملة «المُعطّلة لظروف عدة» بدلاً من إهمالها واعتبارها عبئاً ثقيلاً علي الدولة والمجتمع.
استتباب الأمن
يعتبر استتباب الأمن داخل جميع أنحاء مصر أولوية مهمة في هذه المرحلة، حيث إن توافر الأمن يمثل أهم عناصر الاستقرار السياسي والاجتماعي ومن ثم الاقتصادي، كما أنه من أهم عوامل جذب الاستثمارات لأن المستثمر المحلي أو الأجنبي لن يستطيع أن يأمن لأمواله واستثماراته داخل مصر طالما كان هناك عدم استقرار أمني أو أعمال عنف أو ترهيب، لما يمثله توافر الأمان من أهمية في تهيئة المناخ لنجاح أي نشاط اقتصادي أو مالي وبما يتيحه من حرية وسهولة في ممارسة جميع الأعمال والأنشطة من خلال تيسير خدمات النقل والتجارة والخدمات المالية.
أهم عوامل النمو الاقتصادي في مصر
لكن دعونا نتساءل: هل تستطيع مصر علاج تلك الأزمات ووضع حلول جذرية لها؟
الإجابة بكل تأكيد نعم، لأن إمكانيات العلاج موجودة والأفكار متاحة، خاصة أن تجارب الدول الأخري التي مرت بظروف قريبة من ظروفنا السياسية والاقتصادية تثبت أن حل المشكلات وعلاج الأزمات ليس صعباً أو مستحيلاً، بشرط توافر الإرادة الصادقة والإدارة الناجحة، وفي ظني أن هناك نفرا من المجتمع المصري قادر بلا شك علي إحداث التغيير وصنع الفارق.
إذا استطاعت الحكومة أن تضع علاجاً حاسماً وسريعاً للمشاكل الاجتماعية التي ذكرناها سابقاً، فإننا نكون قد وضعنا أساساً لبداية إحداث إصلاح حقيقي في الاقتصاد المصري، وتهيئة المناخ له لدخول مرحلة جديدة تمكنه من منافسة بل مزاحمة العديد من الأسواق الناشئة والقوي الاقتصادية الصاعدة إقليمياً ودولياً.
ولعلي أتساءل هنا: هل يملك الاقتصاد المصري مقومات النجاح؟
والإجابة أيضاً بكل تأكيد نعم، حيث تمتلك مصر مزايا طبيعية ومادية وبشرية عديدة ومقومات نجاح تؤهلها لتحقيق قفزة اقتصادية حقيقية واعتلاء مكانة مرموقة بين اقتصادات العالم، وأهم تلك المقومات:
قطاع السياحة، حيث يتوافر لدي مصر ما يقرب من ثلث آثار العالم «تتنوع الآثار التاريخية في مصر ما بين فرعونية وقبطية وإسلامية ورومانية» وتتمتع بمناخ معتدل طوال العام، كما تتوافر بها أنواع متعددة من السياحة مثل السياحة العلاجية والرياضية والفنية وسياحة المؤتمرات وغير ذلك، وهو ما يمكن أن يجعل مصر من أكبر الدول جذباً للسياحة علي مستوي العالم.
قناة السويس، والتي تعد من أهم الممرات الملاحية علي مستوي العالم التي تمر من خلالها الحاويات والسفن لنقل السلع والبضائع بين قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا. وستزيد موارد القناة بشكل كبير إذا ما تم تنفيذ مشروع تطوير محور القناة وجعلها مركزاً تجارياً عالمياً.
الغاز الطبيعي، ذلك المورد الذي تمتلك مصر منه احتياطياً كبيراً يمثل تصديره أحد موارد النقد الأجنبي المهمة للبلاد.
تحويلات المصريين بالخارج، حيث تمتلك مصر ثروة بشرية هائلة متمثلة في أبنائها العاملين في مختلف دول العالم والذين لا يألون جهداً في سبيل دعم اقتصادهم الوطني. وقد ساهمت زيادة تلك التحويلات في تقليل تفاقم عجز ميزان المدفوعات المصري خلال العامين الأخيرين.
صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتي تتفوق مصر فيها بشكل واضح علي مستوي منطقة الشرق الأوسط والدول العربية.
صناعة البتروكيماويات، والتي تملك مصر فيها ميزة نسبية كبيرة نتيجة توافر المواد الخام اللازمة لتلك الصناعة وبأسعار مخفضة وعمالة رخيصة.
صناعة المنسوجات، والتي يجب أن توليها الدولة اهتماماً أكبر من خلال استعادة مكانة مصر عالمياً في مجال زراعة القطن.








