بقلم – خالد حسني مدبولي
لاشك أن الإبداع والابتكار والتفكير في القضايا والمشاكل من منظور مختلف، وطرح رؤي جديدة و«أحياناً غريبة» هي أكثر ما تحتاجها مصر – حالياً – من أجل علاج مشاكلها وأزماتها وأهمها المشاكل الاقتصادية بطبيعة الحال.
وفي مثل تلك الأوقات التي تمر بها مصر والمليئة بإشارات الإحباط ومشاعر اليأس وأحاسيس غموض وضبابية المستقبل، من المهم والضروري أن تكون لدي الحكومة «ممثلة في مجموعة الوزارات الاقتصادية» وكذلك منظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال والقطاع الخاص أفكار إبداعية جديدة وغير مطروقة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة وابتكار حلول ناجعة حالياً ومستقبلاً.
يجب أن نخرج من دائرة التفكير النمطي الضيق والمحدود الأفق لعلاج مشاكلنا الاقتصادية المزمنة «والذي لم يسفر عن أي نجاحات حقيقية علي مدار أكثر من 40 عاماً» إلي ساحات الابداع وبراح الابتكار وخيال العقل، وهذا الأسلوب في حل المشاكل كان كلمة السر في تفوق ونجاح كل من ماليزيا وتركيا والصين وجنوب أفريقيا وغيرها.
ويكفي أن نذكر أن دولة مثل سنغافورة رغم عدم امتلاكها أي موارد طبيعية مثل البترول أو الذهب أو الأنهار أو موارد بشرية ضخمة أو حتي مقومات التاريخ والحضارة والثقافة.. إلخ «وهي جميع المقومات والموارد الموجودة والمتوافرة في مصر» فإنها استطاعت خلال 40 عاماً أن تصبح اليوم الدولة الأولي عالمياً من حيث النمو والتقدم الاقتصادي وذلك من خلال الاستثمار في العقول والاهتمام بالابداع والابتكار والأفكار الخلاّقة.
لقد حالفني الحظ خلال الأسبوع الماضي أن أحضر محاضرة «أو بالأحري ورشة عمل» للسيد Tony Buzan، الذي يعد اليوم واحداً من أهم المحاضرين الدوليين علي مستوي العالم في مجالات الابداع والابتكار واستخدام الذاكرة والتفكير العقلي في التعلّم، حيث تمتد خبرته لأكثر من 30 عاماً قام خلالها بإلقاء محاضرات في أكثر من 67 دولة وتم تصنيفه كأفضل محاضر دولي في أكثر من 15 منظمة وجمعية للإدارة في الولايات المتحدة وفي العالم.
كما أنه مبتكر وصاحب فكرة “الخرائط الذهنية” Mind Maps وهي وسيلة للتفكير وإعمال العقل البشري لتوصيف المشكلات المختلفة (أياً كانت وفي أي مجال) ومحاولة الوصول لحلول فعالة لها من خلال استخدام الأشكال والرسومات والألوان وإطلاق العنان لخيال العقل والذاكرة. وقد لاقت تلك الفكرة نجاحاً مبهراً علي مستوي العالم حتي بلغ عدد مستخدميها أكثر من 250 مليون فرد.
وقد رأيت أن اقتبس بعضاً من كلماته وعباراته لعلنا نستفيد منها كمواطنين أو مسئولين في تغيير طريقة تفكيرنا، ومحاولة تغيير ثقافتنا في العمل والحياة بشكل عام، وإطلاق الحرية للأفكار الجديدة والمبتكرة وغير التقليدية لحل المشكلات:
“الإبداع والابتكار في مجال الأعمال لم يعد فكرة اختيارية، بل أصبح مسألة استراتيجية”.
“الإبداع Creativity والمرونة في التفكير Flexibility والتميز Originality ليست صفات وراثية، إنما هي صفات يمكن التدريب عليها وتعلمها واكتسابها مثلها مثل تعلم اللغات”.
“الانسان كائن مبتدع ومبتكر بطبيعته”.
“كيف يمكن استخدام العقل البشري بأفضل شكل ممكن”.
“كيف نطلق العنان لخيالنا”.
“الإفلاس في الشركات والمؤسسات ليس فقط إفلاساً مالياً، إنما هو أيضاً إفلاس في الأفكار وفي عدم الاستفادة من الاستثمار في رأس المال البشري”.
“معظمنا يستخدم طوال حياته تقريباً لوناً واحداً أو لونين فقط (الأزرق والأسود)، فلماذا لا نجرب استخدام ألوان أخري في حياتنا خاصة أنها تفتح العقل لأفكار جديدة”.
“يجب أن يكون لك حلمك الشخصي كل يوم لتبقي علي قيد الحياة، وإذا لم يكن لديك هذا الحلم فتأكد بأنك ميت لا محالة”.
“يجب دائماً وضع الحلول للمشاكل والأزمات باستخدام الخيال Imagination والابتكار Creativity وطرح أفكار جديدة وغريبة New and strange ideas والتفكير خارج الصندوق (بشكل غير اعتيادي أو تقليدي) Thinking differently or out of the box “.
“أحياناً نحتاج أن نفكر في بعض الأمور بطريقة الأطفال لأنها أكثر تلقائية وأكثر إبداعاً وابتكاراً في أحيان كثيرة”.
“الاختراعات الحديثة الواقعية التي نعيشها اليوم بدأت بأفكار خيالية افتراضية، لذلك اطلق لخيالك العنان لأن الأفكار الخيالية اليوم هي حقائق الغد”.
“من أهم الأسباب التي تقتل الابتكار والابداع لدي أي إنسان عدم وجود الرؤية Vision، أو عدم وجود المعلومات الكافية، أو نقص عوامل التشجيع والتحفيز، أو نقص المهارات”.
ومن أهم ما قاله Tony في محاضرته هو أن هناك عبارات تعتبر قاتلة للأفكار الإبداعية Idea Killers مثل (نعم، ولكن.. – لا يمكن عمل ذلك – نحتاج مزيداً من البحث والدراسة – ليس لدينا الوقت الكافي – إنه أمر غير منطقي – لا توجد ميزانية كافية – إياك وارتكاب الأخطاء ).
لكن يمكن مقاومة تلك العبارات من خلال استبدالها بعبارات أخري تساعد علي التحفيز والتشجيع Idea Boosters مثل ( نعم، وبالإضافة إلي ذلك يمكن أن.. – انظر للأمور بوجهة نظر مختلفة – توقف عن البحث.. وابدأ في الابتكار – استثمر الوقت والطاقة بأفضل ما يمكن – تمهّل ولا تصدر قرارك النهائي سريعاً – كن فخوراً بأفكارك الخاصة بك – اتبع احساسك الشخصي – كل مشكلة هي في ذات الوقت فرصة يمكن استغلالها – لا تجعل الخوف يعرف طريقه إلي قلبك )
في اعتقادي أنه في ظل الظروف التي تمر بها مصر حالياً نحن في أشد الحاجة لتبني العمل بالأفكار الإبداعية الخلاّقة، وتعظيم قيمة الابتكار في شتي مجالات حياتنا لأنها ستكون الحل السحري للعديد من المشكلات والأزمات التي نعانيها. وهو ما يحتم علينا أن ندرك قوة وتأثير الكلمة، لأنه رغم استخدامنا للكلمات في التواصل والتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا فإننا لا ندرك مدي القوة والتأثير الذي تمارسه الكلمات في تحقيق الحب والسعادة والنجاح.
«إذا قمت بتغيير كلماتك وعباراتك، تتغير حياتك بالكامل».
«Change your words, change your world».








