بقلم – خالد حسني مدبولي
عندما ثار الشعب المصري بطوائفه المختلفة في يناير 2011، كان ذلك اعتراضاً منه علي تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء الخدمات المقدمة سواء التعليمية أو الصحية، بالإضافة إلي المطالبة بالحق في ممارسة الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية.
لكن علي ما يبدو أنه رغم توحد الهدف وهو إسقاط النظام السياسي القائم، فإنه كان هناك اختلاف واضح في الغرض الآخر أو الخفي لكل طائفة أو مجموعة أو حتي فرد في القيام بتلك الثورة وإسقاط ذلك النظام، وهو ما اتضح تماماً مع مرور الوقت وانكشاف الحقائق شيئاً فشيئاً.
فمن الواضح أن البعض قام أو شارك في تلك الثورة بإخلاص ونية صادقة بهدف إزاحة الظلم وإقرار العدل والقضاء علي الفساد، وهو ما يؤدي بالتبعية إلي تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لقطاع عريض من الشعب المصري ظل يعاني قرابة أكثر من خمسين عاماً.
في حين من الواضح – أيضاً – أن البعض الآخر شارك في الثورة لإغراض أخري، ولم تكن تتوافر لديه نفس النوايا الصادقة ونفس الإخلاص المتوافر في الفئة السابقة، ومن ثم لم تكن قضيتهم الأساسية صالح الشعب وإقرار العدل والعمل بالقانون واحترام حرية التعبير عن الرأي، وبالطبع ليس شغلهم الشاغل تحسين مستوي معيشة المواطن المصري أو تحقيق ما يسمي «العدالة الاجتماعية».
من الواضح أيضاً أن النسبة الأكبر من الفصائل السياسية «سواءً الموجودة في السلطة أو خارجها» لم تقدم حتي الآن أي حلول واقعية لعلاج المشاكل الاقتصادية المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد المصري منذ عقود عديدة والتي من أبرزها:
> الخلل الهيكلي في ميزان المدفوعات
> عدم مرونة نظام أو آلية سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الرئيسية الأخري وأهمها الدولار.
> العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة نتيجة الزيادة المضطردة في المصروفات وعدم كفاية الإيرادات.
> تردي وتراجع جودة وكفاءة السلعة المصرية ومن ثم عدم قدرتها علي منافسة المنتجات الأجنبية.
> تدني مستويات الإنتاج ومن ثم ضعف قيمة وحجم الصادرات المصرية.
بل لم تتمكن تلك القوي في الوقت ذاته حتي من وضع حلول للمشاكل الآنية قصيرة الأجل التي تستلزم حلولاً غير اعتيادية وغير تقليدية نظراً لطبيعة المرحلة التي تمر بها مصر، والتي كان علي رأسها ارتفاع الأسعار (خاصة نسبة كبيرة من السلع الغذائية الأساسية والسولار ورغيف الخبز)، والازدحام المروري، ونظافة الشوارع، وأسعار البنزين، بالإضافة إلي بعض القضايا النقدية والمالية المهمة مثل ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، والارتفاع الضخم والمتزايد في عجز الموازنة العامة، وتراجع موارد النقد الأجنبي وعلي رأسها السياحة.
ما أريد أن أقوله باختصار هو أن كل من نزل الشوارع والميادين إبان أحداث الثورة المصرية في يناير 2011 يجب أن يسأل نفسه سؤالاً مهماً – وهو سؤال موجه لجميع الفصائل والأحزاب والقوي والتيارات والمواطنين والمواطنات – وهو : لماذا نزل ؟ ولماذا أراد أن يسقط نظام قائم ؟
هل الإجابة للبحث عن الحريات واستعادة كرامة المصري التي كانت تهان كل يوم بطرق مختلفة، أم الإجابة هي القضاء علي الفساد بكل أشكاله من محسوبية وعمولات وسمسرة وإحلال نظام سياسي واجتماعي ومن ثم اقتصادي يقوم علي احترام القانون ويوفر العدالة الاجتماعية، أم الإجابة تحقيق مصالح شخصية وأهداف سياسية لفصيل أو تيار أو مجموعة ينتمي إليها.
أياً كانت الإجابة وبالطبع هناك إجابات كثيرة ومتنوعة، فالواضح أن النوايا لم تكن كلها طيبة والأهداف لم تكن كلها للارتقاء بمستوي هذا الشعب اجتماعياً واقتصادياً.
من يريد أن يحدد مشاكل مصر الاقتصادية فيستطيع أن يفعل، ومن ثم يستطيع أن يفكر في بدائل متعددة لعلاج وحل تلك المشاكل، وبعدها يتخذ أفضل القرارات وأكثرها رشداً، أي القرارات الأقل تكلفة والأكثر عائداً أو استفادة.
المشاكل الاقتصادية رغم تعقيدها وتجذّر أسبابها لسنوات طويلة، لكن علاجها ليس مستحيلاً ولا ضرباً من الخيال، وكل ما يحتاجه الأمر هو صدق النوايا واحترام القانون والبدء بالعمل، بدليل أن هناك دولاً ومجتمعات أخري قريبة الحال بالوضع المصري تعرضت لمشاكل وأزمات أحياناً كانت أكثر صعوبة وتعقيداً ورغم ذلك نجحت في تخطي العقبات بل وتحقيق طفرات اقتصادية وسياسية واجتماعية لتصبح اليوم من أهم الاقتصادات الناهضة وفي مصاف الدول الكبري، وأبرز الأمثلة علي ذلك مجموعة دول البريكس BRICS وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلي ماليزيا وتركيا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا.
إن مواجهة المشاكل والأزمات المالية والاقتصادية في مصر سوف يقوم بلا شك بتوحيد الشعب المصري بجميع فئاته حول هدف واحد – وهو ما عجزت عنه القوي المختلفة نتيجة الخلافات السياسية أو القانونية – وبالطبع سيكون هذا الهدف هو الارتقاء بالاقتصاد المصري ليحتل مرتبة متقدمة في مصاف دول العالم وهو يستحقها بالفعل، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون القيام بإجراءات وسياسات أهمها التوافق السياسي، واستتباب الأمن، وزيادة الإنتاج ودعم التصدير للحفاظ علي قيمة الجنيه، وإلغاء جميع بنود الإنفاق غير المهمة وغير الضرورية في موازنة الدولة.
بالإضافة إلي إعادة هيكلة بنود الدعم من خلال توجيه دعم مباشر للطبقات المحتاجة من الشعب المصري والتي يمكن تحديدها من خلال مراكز الأبحاث والبيانات المتوافرة عن السكان في مصر، وأيضاً خفض الدعم تدريجياً (وليس بشكل مفاجئ ومباشر) عن البنود التي تستفيد منها طبقات اجتماعية غير محتاجة لهذا الدعم ومن ثم تحرم طبقات أخري في أمس الحاجة له.
وستؤدي تلك الإجراءات بالتبعية إلي رفع مستوي معيشة المواطنين وتوفير السلع الأساسية لهم وبأسعار تتناسب مع مستوي دخولهم.
ليس المهم من يفكر ومن يقوم بالتنفيذ، إنما الأكثر أهمية أن يكون هناك تنفيذ فعلي علي أرض الواقع، وأن يكون هناك تبن واحترام للأفكار الجديدة والمبدعة وغير التقليدية لعلاج المشاكل الاقتصادية، وأن يكون هناك دور أكبر للشباب في المشهدين السياسي والاقتصادي.
لا يجوز أو يصح أو يُعقل أن تقوم ثورة لهدم نظام يُتهم بالفساد والظلم وهدر كرامة المصري ثم لا يكون هناك بعد ذلك أي بداية لبناء نظام أو شبه نظام جديد يحاول علاج المشاكل أو وضع خطة واضحة لعلاجها بمدي زمني محدد وبمشاركة ومساهمة الجميع، ولتكن البداية إعادة النظر فيما يتعلق بالشق الاقتصادي في جميع برامج السادة المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية لإعادة دراستها ومحاولة تنفيذ ما يصلح منها للتطبيق الفعلي.
