هل نحن بحاجة لثورة اقتصادية كالثورة الاجتماعية والسياسية؟
رفع جودة ومستوي السلع المصرية كلمة السر في تقدم وازدهار الاقتصاد
لابد من محاربة وإغلاق أبواب النصب والاحتيال كشركات التسوق الشبگي
هل نحن في حاجة إلي ثورة اقتصادية مثلما كانت هناك ثورة اجتماعية وسياسية علي النظام القائم في مصر قبل 25 يناير 2011؟ وهل خُدعنا جميعاً بأنه كانت هناك ثورة من الأساس؟ حيث إنه من الضروري حتي تكتمل صورة أي ثورة اجتماعية أن تصاحبها ثورة اقتصادية.
وما معني أن تكون هناك ثورة اقتصادية؟
معني ذلك إن تتم إعادة وضع نظام اقتصادي جديد يقوم علي الشفافية والوضوح والإفصاح، والقضاء علي الفساد الإداري والاجتماعي بشتي صوره (رشاوي ومحسوبية وعمولات وغيره…).
وأن تتم إعادة هيكلة قطاعات الاقتصاد المصري، بمعني تنويع مصادر الدخل القومي وتنويع مجالات النشاط الاقتصادي التي تدر عائداً للاقتصاد وتمثل دخلاً مباشراً، بدلاً من التركيز علي قطاعات بعينها. بمعني آخر عدم الاعتماد علي مصدر وحيد أو حتي مصدرين للدخل القومي (علي سبيل المثال دخل قناة السويس أو الإيرادات السياحية أو تحويلات المصريين بالخارج) ومحاولة تنويع تلك المصادر قدر الإمكان.
وأن يتم رفع جودة ومستوي السلعة المصرية لأنها كلمة السر في تقدم مصر وازدهارها ليس اقتصادياً فقط بل سياحياً واجتماعياً وثقافياً، ولنا في تركيا والصين مثالين واضحين.
وأن يتم وضع هدف اقتصادي ونقدي مهم هو تقوية قيمة الجنيه المصري، لكن دون أن يخل ذلك بتنافسية المنتجات المصرية ومن ثم دعم الصادرات المحلية.
وأن تتم إعادة إحياء القطاعات التي كانت تتميز مصر فيها بمزايا تنافسية كبيرة مثل زراعة القطن والقمح، وصناعة المنسوجات والملابس، وزراعة الخضروات والفاكهة. علي أن يتم – وبالتوازي مع ذلك – البحث عن التميز في قطاعات جديدة مثل صناعة البتروكيماويات، والغاز الطبيعي، وصناعة تكنولوجيا المعلومات.
وأن يتم البحث عن مجالات جديدة يمكن أن تتفوق مصر فيها إقليمياً ودولياً مثل الخدمات المالية (الخدمات المالية والمصرفية وخدمات النقل)، وبرامج التدريب خاصة في مجالات التنمية البشرية وذلك بالاستفادة من العنصر البشري المصري المتميز.
وأن تتم الاستفادة من المواهب والعقليات المتميزة في جميع التخصصات الموجودة داخل مصر، وكذلك خارجها عن طريق استقدام واجتذاب تلك التخصصات وتهيئة المناخ المناسب لها وتوفير التمويل الكافي (يوجد لدينا للأسف نموذج سيء لمدي الاستفادة من علمائنا وخبرائنا المصريين في الخارج وهو نموذج الدكتور أحمد زويل، الذي تحاول جهات عديدة في الدولة محاربته بدلاً من مد يد العون له ومساعدته).
وأن تتم محاولة إغلاق جميع أبواب النصب والاحتيال والخداع التي يمكن أن يتعرض لها المواطن المصري (والتي زادت بشكل كبير مؤخراً وأبرز أمثلتها شركات التسويق الشبكي عبر الانترنت) من خلال توفير صناعات صغيرة ومتوسطة تتكفل بتشغيل الشباب والعاطلين وتجتذب خريجي الجامعات والمعاهد العليا، وتسهيل وتبسيط وتشجيع فرص الاستثمار داخل مصر خاصة في المجالات الإنتاجية.
وأن يتم الاهتمام بعلم «الإدارة» وتطبيقه والأخذ بأساليبه في جميع مجالات حياتنا وفي إدارتنا السياسية والاقتصادية والمالية، من خلال اختيار وتعيين المتخصصين في مجالات تخصصهم وإعطاء الفرصة لأصحاب الكفاءات من الشباب ممن لديهم طموح ورؤية وأفكار بشرط قابليتها للتطبيق.
وأن تتم إعادة النظر في أهم إيجابيات مصر (نقاط القوة) المادية والبشرية من أجل تعظيمها واستغلالها بأفضل ما يمكن، وفي ذات الوقت تحديد أهم سلبيات مصر (نقاط الضعف) لتحليلها ووضع سياسات لمعالجتها وتلافيها مستقبلاً.
………..
يجب أن نسأل أنفسنا: ما سبب المشاكل والمخاطر الاقتصادية التي تواجهها مصر حالياً؟
هل هي عوامل داخلية أي من صنعنا نحن كمصريين؟ حيث إننا في أحيان كثيرة نبدع في محاربة أنفسنا، ونتسبب سواء بإرادتنا أو بدون قصد في تراجع وتباطؤ إنتاجنا ومن ثم في تخلفنا الاقتصادي.
أم هي عوامل خارجية ليس لنا يد في حدوثها؟ مثل الأزمات المالية العالمية، أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية أو البترول أو الذهب، أو حدوث تراجع اقتصادي واضح في بعض الدول التي تعتبر أبرز شركاء مصر التجاريين مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
أم سبب ما نحن فيه هو مزيج من العوامل الداخلية والخارجية؟
………..
وفي السياق ذاته، فقد لاحظت أن أكثر الموضوعات المطروحة للنقاش والمثيرة للجدل بشكل كبير في المجتمع المصري حالياً هي: قضايا النصب والاحتيال في شركات الانترنت، وقانون الصكوك، ومشروع قانون تطوير إقليم قناة السويس (الذي لا توجد بيانات رسمية حوله حتي الآن).
واسترعي انتباهي بشكل واضح أن هذه الموضوعات تحمل في طياتاها أمرين متناقضين: أولهما أنها يمكن أن تنطوي علي خداع للمصريين بما تحمله من احتمالات إهدار أموال المواطنين وهروب عملة أجنبية لخارج البلاد، وثانيهما هي أنها يمكن في الوقت ذاته – وعلي العكس تماماً – أن تنطوي علي فرصة كبيرة ونقطة انطلاق حقيقية للاقتصاد المصري، شرط أن يُحسن استغلالها وتوظيفها بالشكل الأمثل لتمويل المشروعات القومية وتشغيل الشباب العاطل وتوفير عملة أجنبية للنهوض بالاقتصاد وتنفيذ تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية.
وهو ما يحتم علي جميع أجهزة الدولة المعنية شرح تفاصيل كل موضوع من تلك الموضوعات وجميع الجوانب المتعلقة به وبكل وضوح للمواطنين المصريين، وبيان الفوائد العائدة منه وكذا المخاطر المتوقعة من حدوثه، أي إظهار إيجابياته وسلبياته. وهو بالطبع ما لا يمكن أن يحدث بدون تطبيق مبادئ الشفافية والإفصاح والمصداقية في عرض المشروعات الهامة التي تمس الأمن القومي المصري.
………..
حتي نستطيع أن نقول إننا بصدد القيام بـ “ثورة” اقتصادية في مصر تُكمل مسيرة الثورة الاجتماعية، فإنه لا بد من تغيير منظومة الاقتصاد المصري بشكل عام، وتطوير جميع السياسات المالية والنقدية بما يتماشي مع الظروف الخاصة التي تمر بها مصر حالياً، ووضع خطة عمل متوسطة الأجل ترسم ملامح مصر خلال 5 أو 7 سنوات مقبلة، ومن ثم إمكانية وضع خطة طويلة الأجل تحقق رؤية مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بعد 20 أو 30 عاماً من الآن.
بقلم – خالد حسني مدبولي








