تلك هي السنة الثالثة علي التوالي التي نطلق فيها ترتيبنا للبنوك بحسب معدلات نموها، وكان لابد من بعض الاحترافية.
حان الوقت لتطوير الأمر، وتحويل الترتيب من مجرد إحصائية إلي مؤشر، بكل ما يتطلبه ذلك من وضع المعايير المطلوبة، واختيار اسم له، وممارسة بعض البحث والتعامل مع قواعد الإحصاء. وكان لابد من إطلاق المؤشر في صورة منتج يخدم سوقا متعطشة إلي البيانات، ناهيك عن تحليل هذه البيانات أو استخدامها لقراءة السوق وموقف المنافسة فيه.
كما أن الأمر بات يتخطي فكرة قياس النمو بصورته التقليدية، فالقطاع المالي تعلم دروساً خلال السنوات الخمس الأخيرة مفادها أن معدلات النمو المرتفعة ليست كافية وحدها، بل يجب أن يتم ذلك عبر طرق سليمة وآمنة، وهو ما يعني ضرورة الموازنة بين النمو والمخاطر المرتبطة به.لهذا كان التفكير في إطلاق المؤشر الآخر والمهم للغاية، وهو مؤشر الكفاءة، وهو المؤشر الذي لا يكتفي بقياس العائد من الأصول فحسب، بل وجودتها أيضا، كما يقيس كفاءة التشغيل وإلي أي حد يساهم البنك في تنمية الاقتصاد الحقيقي.
وبالرغم من المكونات التي ضمها مؤشر الكفاءة إلا أنها لا تقيس جودة كل الأصول بالشكل المرضي، بسبب طبيعة الافصاحات التي تقدمها البنوك، والسبب في ذلك قواعد الافصاح، التي تساعد البنوك علي إبقاء تفاصيل كثيرة عن أصولها في الظل، وهو ما اتضح لنا عند العمل علي مؤشر القروض غير المنتظمة الذي يشكل أحد مكونات مؤشر « بيزنس نيوز » للبنوك الأكثر كفاءة، قس علي ذلك بقية الأصول الموظفة في غير القروض والتي لا يعرف عنها أحد شيئاً، والتي تسمح لبنكين كبيرين بالاحتفاظ بحصص في مئات الشركات بدون أن يكون لذلك تأثير حقيقي في نتائج أعمالهما.
ولم يتطور عدد البنوك التي شملها مؤشري « بيزنس نيوز » بالتحليل هذا العام عن العام الماضي بسبب عدم تغير العقلية في الجهاز المصرفي الذي أظهر مؤشر الكفاءة أنه منقسم رأسياً بين بنوك خاصة وأجنبية ناجحة وبنوك حكومية كبيرة أقل كفاءة، بنوك تبرع في النجاح وأخري تبرع في إخفاء الفشل.
وبالرغم من حدوث تغيير في البنك المركزي مطلع العام الحالي بعد عشر سنوات من آخر تغيير إلا أن الفكر هناك ظل علي حاله، ولا يزال هناك في البنك من يعتقد أن مستويات الإفصاح الموجودة في القطاع المصرفي حاليا ونطاقه مقبولة. بغض النظر عن قانون البنوك أو قواعد بازل.
وموقف البنك المركزي يؤكد هذا الكلام، الذي يتجاهل أو يتناسي قانون البنوك الذي يلزم البنوك بالإفصاح عن نتائج أعمالها مرة كل ثلاثة شهور، بل وحتي قواعد بازل2 التي يتعين علي البنوك أن تكون قد انتهت من التوافق معها بما يشمله ذلك من شروط للافصاح، وإذا كان هو حال الجهة التي يفترض فيها أن تدافع عن القانون، فلا عجب إذن من امتناع بعضهم عن احترامه.
قبل الختام أرغب في القول أن العمل علي المؤشرين وتحويلهما إلي منتجات تخدم السوق استلزم وقتاً كبيراً بسبب الفراغات الكثيرة في البيانات والتي كان يتعين علينا التعامل معها حتي لا تنتقل هذه الفراغات إلي المنتجات التي نوينا إطلاقها.
وإذا اعتبرنا أن العام الحالي قد شهد إعادة إطلاق مؤشر البنوك الأسرع نموا، وإطلاق مؤشر جديد للبنوك الأكثر كفاءة، فإننا بدأنا منذ اليوم في التخطيط لإطلاق ثلاثة مؤشرات إضافية، خلال العام المقبل، بهدف سد الفجوة الكبيرة في البيانات التي تعاني منها السوق، قياسا إلي الأسواق المالية المتطورة والتي تتمتع بوفره هائلة من البيانات والتحليلات.







