بقلم – خالد حسني مدبولي
الوضع الاقتصادي مترد ومتراجع للغاية والقائمون علي أمور الدولة المصرية لا يجيدون إدارة الدولة لغياب الكفاءة وأصول الإدارة
نشهد هذه الأيام في مصر سباقاً محموماً من مختلف طوائف المجتمع سواء كانوا قوي سياسية أو شيوخاً ودعاة لإعلان التصريحات أو إصدار الفتاوي بخصوص ما سوف تشهده الساحة السياسية يوم الثلاثين من يونيو الجاري.
وبدأ كل طرف في إلقاء اللوم علي الطرف الآخر بشكل متزايد حتي صار المشهد أمامنا مثل كرة الثلج التي كلما تدحرجت من أعلي إلي أسفل تزداد في الحجم والقوة حتي تصل إلي نقطة النهاية المجهولة. وقد لاحظت أن التحضير لهذا اليوم بدأ منذ عدة أسابيع سواء علي صفحات الجرائد أو في الفضائيات بشكل مبالغ فيه.
بالطبع هو يوم مهم وحرج في الفترة التي تعيشها البلاد منذ أحداث ثورة يناير 2011، لكنه يوم مثله مثل كل الأيام الأخري، وبمنتهي الصراحة أنا لا أدري لما كل تلك الضجة؟ ولمصلحة من تأجيج الموقف بهذا الشكل؟.
ولنأتي للسؤال الأهم: من المستفيد من كل ما يحدث حالياً في مصر ؟ وعلي الجانب الآخر، من يدفع ثمن ذلك؟.
لا شك أنه لا النخب السياسية ولا من في السلطة هو من سيدفع ثمن ما يجري علي الساحة في مصر، ومن المؤكد أن من يدفع الثمن – وهذا دائماً ما يحدث – هو المواطن المصري.
المواطن الذي دفع ثمناً باهظاً لكل الأحداث التاريخية والسياسية التي مرت بمصر خلال القرن الماضي وحتي الآن، سواء في صورة معارك وحروب خارجية أو ثورات وحركات وطنية داخلية.
كان هذا المواطن علي الدوام هو من يدفع أثماناً كثيرة في صورة معاناة من انخفاض مستوي المعيشة نتيجة انخفاض الدخل الحقيقي، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية، وتراجع كبير في الخدمات المقدمة، وتفاوت واضح وظالم ومُجحِف في مستويات الدخول ما بين الطبقات الغنية والمتوسطة والفقيرة.
هذا المواطن يدفع ولا يزال ثمناً باهظاً في أعقاب ثورة يناير نتيجة غياب الأمن، وارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه، وتدني مستوي الخدمات العامة.
وتحمّل هذا المواطن تبعات فشل إدارة النظام الحاكم في مصر الآن لجميع الملفات علي جميع الأصعدة، بداية من وضع حل جذري لمشكلة المرور في شوارع القاهرة، ومروراً بانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر واستمرار أزمات توفير السلع الأساسية وعلي رأسها البنزين والسولار ورغيف الخبز وأنابيب البوتاجاز، ثم انتهاءً بمشاكل تمس الأمن القومي وأبرزها قضية بناء سد النهضة الأثيوبي وتأثيره علي كميات مياه النيل المقبلة إلي مصر.
للأسف الوضع الاقتصادي مترد ومتراجع للغاية، والقائمون علي أمور الدولة المصرية لا يجيدون إدارة الدولة بالشكل الأفضل إما لغياب الكفاءة وأصول الإدارة العلمية وأسس الاستراتيجية أو لعدم وجود سابق خبرة فيما يتعلق بالممارسة العملية لإدارة الدولة وشئون الاقتصاد، بالإضافة إلي عدم امتلاك القدر الأدني من الخيال الذي يسمح لصاحبه بوضع حلول مبتكرة وعاجلة للمشاكل والأزمات الاقتصادية التي نعاني منها حالياً.
وكما يتحدث خبراء السياسة عن ما يسمي “الدولة العميقة” عند وصفهم لجذور وأصول المشاكل التي تعانيها مصر ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، فإنه من الواضح أن في مصر “دولة اقتصادية عميقة” أيضاً. تتمثل هذه الدولة في مؤسسات مالية واقتصادية عديدة (البنوك العامة وشركات التأمين والبورصة وشركات التجارة الداخلية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال في مجالات السياحة والصناعة والتجارة والزراعة والتموين.. إلخ) عانت لسنوات طويلة من سوء الإدارة، والبيروقراطية، وتمقبل نظم العمل وعدم تحديثها، وانتشار الفساد الإداري بشتي صوره.
كما تتمثل تلك الدولة أيضاً في القوانين والتشريعات الحاكمة والمنظمة لمختلف أوجه النشاط الاقتصادي في مصر والتي ساعدت – علي مدار سنوات طويلة – علي حماية المفسدين والانتهازيين والمستفيدين داخل المؤسسات الاقتصادية، الذين سعوا لتحقيق المكاسب والمغانم الشخصية علي حساب المصلحة العامة. تلك القوانين التي سهّلت في بعض الأحيان الاستيلاء علي المال العام وفي أحيان أخري التهرب من المسائلة القانونية أو الأدبية.
هذه الدولة الاقتصادية العميقة تسببت في زيادة الأعباء الملقاة علي عاتق المواطن المصري وفاقمت من الثمن الباهظ الذي يدفعه يومياً.
في آخر زيارة له لمصر منذ نحو عام تقريباً، قال لي أحد أصدقائي المقيمين في الخارج تعليقاً علي ما يجري في مصر أن المواطن المصري “مضحوك عليه”!! وعندما ابديت استغرابي من جملته أردف موضحاً أن ما يعنيه أن المواطن في مصر يعاني أشد المعاناة سواء عند قضاء أي مصلحة أو إنهاء أي إجراء مستندي (مثل استخراج شهادات أو تراخيص أو التقاضي أمام المحاكم.. إلخ) أو عند الحصول علي السلع الأساسية والخدمات الضرورية التي يعتبر توفيرها له من قبل الدولة بالشكل والسعر المناسبين حق من حقوقه الإنسانية والآدمية قبل أن يكون واجباً قانونياً ودستورياً علي الدولة.
ويكمل صديقي حديثه: هذا في الوقت الذي يحصل فيه المواطن في العديد من دول العالم وحتي في بعض الدول النامية (ومن بينها الكثير من الدول العربية) علي تلك الخدمات بمنتهي البساطة والسلاسة ودون تحمل أي أعباء أو معاناة مثل التي يلاقيها المواطن المصري.
ويختتم حديثه معي: لماذا يعاني المواطن المصري كلما أراد أن يقوم بأي شئ في حياته؟ يعاني من انقطاع المياه وانقطاع الكهرباء، والزحام الشديد في شوارع العاصمة وحتي في المحافظات، يعاني من قلة الأموال وضيق الحال ومشاكل الحياة اليومية المشتركة التي تصيب الغني والفقير علي السواء، فيصيبه الاكتئاب الذي يحاول أن يكمل به يومه، ليظل في حلقة مفرغة من المعاناة.
ورجوعاً إلي يوم 30 يونيو.. فإن كل السيناريوهات والاحتمالات مفتوحة علي مصراعيها، وهو ما يؤكده المقال الأخير لتوماس فريدمان المنشور في جريدة الشروق بتاريخ 18 يونيو الجاري تحت عنوان: لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يحدث في 30 يونيو.
وبغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي مع أي طرف ضد طرف آخر، فنحن في النهاية أبناء وطن واحد.. نعيش علي أرض واحدة.. وتحت سماء واحدة.
واختم حديثي بأنه خلال الأسبوع الماضي تم الإعلان عن أول رحلة فضاء لمواطنين صينيين فيما اعتبر إعلاناً لدخول الصين مجال الفضاء، في الوقت الذي نتحدث فيه عن استعدادات مختلف القوي السياسية في مصر ليوم 30 يونيو.. لا تعليق!.
